أخبار موريتانياالأخبارالاقتصاد والتنميةتحقيقات

يبدو اننا نحتاج الي أن نذكركم ببعض نتائج التسيير “العزيزي” لموريتانيا / د.محمد ولد محمد الحسن

بعض نتايج التسيير العزيزي في العشرية المدمرة

الخبير الاقتصادي البارز الدكتور محمد ولد محمدالحسن

نفقات عمومية ضخمة برسم الاستثمار

قبل الطفرة المعدنية كان الاستثمار العمومي يناهز ثلاثين مليارا سنويا. وفيما بين سنتي 9112 و9102 تضاعف خمس مرات.
وفي سنة 9102، ارتفع الاستثمار العمومي إلى مائة وثلاثة وستين مليارا (061 مليار) ثلثها ممول من طرف ميزانية الدولة. وسيتأ ّكد هذا الاتجاه سنة 9106 حيث تكفلت الدولة بتمويل نصف الاستثمار العمومي الذي بلغ مائتين وواحدا
وستين مليار أوقية (960 مليار).
على مدى النصف الأول من العشرية موضوع هذا البحث، مثّل الاستثمار العمومي 21% من ميزانية الدولة و92% من إجمالي الاستثمار في البلاد. ولم تكن الإعانات التي تقدمها الدولة للقطاع العمومي أقل من ذلك، فقد ارتفعت من خمس
مليارات سنة 9112 إلى سبعين مليارا سنة 9101.
وبهذا تكون الدولة قد “استثمرت” كثيرا جدا !
في هذه الحصيلة، لا مناص من اعتبار الاستثمار العمومي الذي تزايد كثيرا منذ 9112 إلى جانب الناتج الداخلي الخام، نقطة “قوة” من الزاوية الكمية تُحسب لصالح الحكومة.
29
وبالفعل، يساهم الاستثمار العمومي في النمو الاقتصادي، فله تأثير إيجابي – في المدى القصير – على النشاط وعلى التشغيل. نظريا بشرط مزدوج: أن يكون مبنيا على تقييم سليم
وأن يُسيّر بصورة رشيدة.
في الظروف العادية، تشكل الاستثمارات العمومية أداة فعالة في التنمية على المدى الطويل ويمكن أن تصير مصدرا للتقدم.
والواقع أنه لا يمكن تحقيق التنمية دون وجود الاستثمار !
في البلدان المتقدمة، يمكن للسلطات العمومية أن تستخدمه كذلك كأداة لتنظيم الاقتصاد الكلي، مع أن من الصعب التعامل معه بفعل طول أمد الإنجاز والتقلبات الظرفية.
ب ْيد ّ أن الاستثمار يمكن – عكسا لما سبق – أن يشكل عاملا مولدا للأزمة كما سنرى مع الأسف في حالتنا الراهنة.
ويتفق المحللون الدوليون الذين أجروا تقييما لهذه الاستثمارات على القول بلغة دبلوماسية (تميل إليها الوكالات الدولية) إنكم “بالفعل قد استثمرتم كثيرا لكن كان بإمكانكم أن تستثمروا بصورة أفضل”. بتعبير آخر وبلغة أكثر صراحة: لقد أسأتم
الاستثمار !
شذوذ الاستثمار في العهد “العزيزي” وخروجه عن المألوف
0. طيلة العهد العزيزي لم يسجل الميزان التجاري الموريتاني فائضا قط ولم يعرف حتى أي توازن بالرغم من تدفقات العملة الصعبة الناتجة عن تصدير المواد
30
الأ ّولية (بل ظل ميزان المدفوعات دائما في حالة عجز). لذا يمكن وصف هذا الانعدام في التوازن بأنه بنيوي. وقد أسهمت التوريدات المرتبطة بتلك “الاستثمارات”
في تفاقم عجز ميزان المدفوعات. 9. “لوحظ تباين بين الأولويات المعلنة في الاستراتيجيات
التنموية الرسمية وبين الأولويات التي تم تمويلها”. بمعنى أننا لا نطبق ما نقول بل نفعل ما لا نقول.
1. تركزت الاستثمارات خلال العشرية الأخيرة في مجالات البنى التحتية، والطاقة، والنقل. مثلت مشاريع الاستصلاح الترابي أحيانا ما يقارب %21 (9106-9101) من نفقات الاستثمار، بينما أهمل كل ما يتعلق بالمصادر البشرية: الثقافة، العدالة، التعليم (9.2%)، الشؤون الاجتماعية، الشباب، الرياضة، كلها مجتمعة لم تحظ إلا بـ 2%؛ ووصلت أحيانا إلى أقل من 1% ! انعدام للشعور؟ لا مبالاة؟ محاولة إبادة بواسطة سياسة اقتصادية لاإنسانية؟ أترك لكم استخلاص الاستنتاج الذي ترونه.
2. الإعانات الممنوحة للقطاع العمومي والتي تزايدت ما بين سنتي 9112 و9101 بنسبة 0211% “لم يكن لها سوى تأثير ضئيل على حسن الأداء ولم تخضع للمراقبة إلا في النادر”. وهذا ما يف ّسر سوء أداء
المؤسسات العمومية الغارقة في الديون والمتردية في الخسائر المزمنة (انظر الجدول في الملحق 0: ديون وخسائر).

وقد تجلّى سوء حكامة الاستثمارات العمومية – بحسب مق ّيمي البنك الدولي – في العديد من الوضعيات الشاذة الملاحظة والمتثبّت منها.
وهذه الوضعيات الشاذة هي:
(أ.) “عدم فعالية الاستثمارات العمومية؛ (ب.) محدودية المردودية الناجمة عن الاستثمارات العمومية؛
(ج.) الانعكاسات المترتبة على الاستثمارات العمومية غير كافية؛
(د.) عجز المصادر البشرية المكلفة بإدارة المشاريع عن تسييرها بشكل سليم”.
وخلص المقيّمون التابعون للبنك الدولي إلى ملاحظة واستنتاج. الملاحظة هي: ” … تقع موريتانيا تحت المتوسط المطلوب للتوفر على نظام للتسيير الفعال للاستثمار العمومي”.
والاستنتاج هو: “حكامة الاستثمارات أصبحت الرهان الأساسي للسياسات الاقتصادية والاجتماعية”.
نفهم من هذه التأكيدات الصادرة عن موظفين ودبلوماسيين في البنك الدولي أن هناك حاجة ملحة لمكافحة الفساد واعتماد الشفافية في منح الصفقات العمومية.
ونكتشف هنا أن الاستثمار العمومي الذي كان من المفروض أن يشكل حلا لمشاكل التخلف أصبح، بدلا من ذلك في العهد العزيزي، معضلة كأْداء تلزم تسويتها ومصدرا للقلق بفعل
أمور منها سوء الحكامة.

وتنضاف مشكلة سوء الحكامة لتكون ض ْغثًا على إبّالة (تراكم المشاكل). ذلك أن إنجاز استثمارات س ّيئة التسيير ينج ّر عنه:
– الاستدانة المفرطة بالعملة الصعبة؛ – تفاقم عجز ميزان المدفوعات وبالتالي تناقص قيمة
الأوقية.
تأسيسا على ما سلف من تحليلات وبما أننا لسنا ملزمين بواجب التحفظ، فلن نستعمل مستقبلا لفظ “الاستثمارات العمومية” للتعبير عن منجزات العهد العزيزي لأن هذه التسمية لا تنطبق عليها! وإنما يتعلق الأمر بعمليات فنية ومالية مشبوهة وبورشات تهدف إلى “ش ْرعنة” صفقات بالتراضي لفائدة
شركات يملكها مقربون من ولد عبد العزيز وزمرته.
الاستثمارات قصمت ظهر بعض المؤسسات العمومية وأ ْودت بها
طيلة الحقبة العشرية، غالبا ما كانت الدولة تبعد عن تنفيذ الاستثمارات القطا َع الخاص المصنف وتعهد بإنجازها إلى مؤسسات عمومية: وكالة الاستصلاح الترابي (ATTM)، المؤسسة الوطنية لصيانة الطرق (ENER)، شركة إسكان،
الشركة الوطنية للماء.
وقد بلغ هذا الانتداب لتنفيذ الأشغال أو َجه سنة 9102 حيث شمل 12% من مجموع الاستثمارات. وتوشك محاباة هذه المؤسسات ولجوؤها المفرط والمشبوه للمقاولة من الباطن لفائدة شركات أنشأتها زمرة ولد عبد العزيز من العدم خصيصا لهذا

الغرض، كل ذلك يوشك أن يقضي على هذا المؤسسات على غرار ما حدث لشركة الإيراد والتصدير (سونمكس).
هل ما تزال ATTM على قيد الحياة؟ قرأت مرة كشوفها المالية التي دقّق فيها خبراء من الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (اسنيم)، فرأيت أن هذه الكشوف يُستشف منها أنها في حالة احتضار بفعل تعاظم الخسائر التي تضاهي رقم معاملاتها. وهو
أمر في غاية الغرابة.
العلاقات مع الخارج عبر الميزان التجاري
العجز البنيوي للميزان التجاري رغم ارتفاع أسعار المواد المعدنية هو ما تسبّب في انخفاض قيمة الأوقية. فمن حيث نسبة الناتج الداخلي الخام، وصل الفارق ما بين الصادرات والواردات (ويطلق عليه اسم “رصيد الميزان الجاري”) إلى
92.1-% سنة 9102.
ووصل هذا العجز سنة 9101 إلى 99.1-% من الناتج الداخلي الخام.
وهذا الاختلال في التوازن الذي يصعب مبدئيا فهمه في سياق الطفرة المعدنية لبلد يص ّدر كميات هائلة من الحديد والذهب والنحاس، يعود في الواقع إلى ضخامة مشتريات تجهيزات الشركات المعدنية الأجنبية والواردات المرتبطة بإنجاز الاستثمارات، ينضاف إلى ذلك إخراج أرباح الشركات
الأجنبية.
ويكشف تقرير البنك الدولي بتاريخ فبراير 9102 في هذا الصدد حقائق مذهلة: “فيما بين 9112 و9102، مثلت

واردات الشركات الأجنبية من السلع والخدمات نسبة تعادل %21 من قيمة الصادرات المعدنية. ومن حيث التدفقات، تمثل هذه الواردات استنزافا للعملة الصعبة تكاد تضاهي ما يدخل منها بفعل الصادرات. كما أن خروج أرباح الشركات الأجنبية
والشركات النفطية خارج البلاد يفاقم الوضعية”.
من البديهي أن كل ما أشرنا إليه آنفا يشكل ضغطا كبيرا على احتياطي البنك المركزي الموريتاني من العملات الصعبة.
وهكذا، لم تستفد موريتانيا ماليا من الارتفاع القوي بصورة استثنائية لأسعار المعادن.
بل على العكس تواصل عجزها إلى حد أن القطاعات الإنتاجية الأخرى ساهمت – يا للمفارقة – في تمويل الشركات الأجنبية. ولا يسعني هنا بوصفي خبيرا ومدققا ماليا إلا أن أتهم بأن هناك تضخيما لأسعار المواد المستوردة التي تعلن عنها الشركات الأجنبية ق ْصد إخفاء تهريب عملات صعبة بطريقة غير شرعية.
وعندئذ سنفهم السبب الذي جعل صندوق النقد الدولي يخبرنا، في بعض تقاريره، بأن موريتانيا تبقى البلد الأقل استفادة، طيلة هذه الفترة، من مواردها الطبيعية.
وهذه هي النقطة السوداء في هذه اللوحة القاتمة، وهو أمر يحز في النفس ويُدمي القلب. وفي الفرنسية توصف النقطة بالاحمرار بدل السواد كاستعارة تحيل إلى الوضع المأساوي. ولعلي أساهم في الترويج لهذا التعبير ليصبح متداولا على غرار الوصف بالشامل أو الجامع (inclusif) الذي ابتكرناه وأعطيناه

معنى موريتانيا ثم أقحمناه في المجال السياسي … (لكن تلك قصة أخرى).
التداعيات المؤثرة في سعر الأوقية
جاء تغيّر الظرفية ليفاقم الوضعية كالقطرة التي تجعل الكأس تفيض أو القشة التي تقصم ظهر البعير. فقد كانت الصدمة السلبية لتدهور صيغ التبادل عامي 9102-9102 الناجم عن انخفاض أسعار المواد الأ ّولية، تماثل في فجائيتها وسرعتها صعود تلك الأسعار في السنوات الفارطة. وقد انعكس ذلك على المالية العمومية فازداد العجز بفعل تناقص المداخيل من العملة الصعبة، مما اضطر السلطات العمومية إلى الاستدانة من السعودية بقرض غير تفضيلي بمبلغ ثلاثمائة مليون دولار (111 مليون) لدعم ميزان المدفوعات والرفع من سعر الأوقية.
وبالرغم من ذلك، ونظرا لضخامة العجز، تناقصت قيمة الأوقية بنسبة 2.2% سنة 9102 واعتبر صندوق النقد الدولي أنها ظلت مق ّدرة بأعلى من قيمتها بنسبة تتراوح ما بين 02 و90%. وبالقياس إلى الدولار، انزلقت الأوقية إلى الانحدار بوتيرة 2%
سنويا.
واستمر هذا الاتجاه نحو الهبوط، إذ فقدت الأوقية 2.0% من قيمتها ما بين سنتي 9102 و9102.
وأصبحت الاستدانة الناجمة عن تمويل العمليات الموصوفة بأنها “استثمار عمومي” إلى حد جعل موريتانيا في وضع غريب يشبه أوضاع الدول المتقدمة.

أهم خصائص مديونيتنا العمومية
كانت “الاستثمارات” المنجزة طيلة السنوات الماضية من الضخامة بحيث تولد عنها عجز داخلي وخارجي في آ ٍن معا، على الرغم من التدفقات المالية المتأتّية من الطفرة المعدنية والاستدانة المفرطة البالغة 22% من الناتج الداخلي الخام
والتي سيس ّدد 26% منها بالعملة الصعبة.
وللمفارقة، تزايدت ديون البلد خلال فترة البحبوحة 9101- 9102 بنسبة 021%.
أصبحت موريتانيا من حيث مستوى مديونيتها النسبية (الديون / الناتج) مصنّفة في المرتبة الثانية والثلاثين من البلدان الأكثر استدانة في العالم، علما بأن أكثر من نصف هذه البلدان بلدان متقدمة. وبالنسبة لموريتانيا، كانت هذه العشرية بحق عشرية
الغرائب والمفارقات.
والأ ْدهى من ذلك والأم ّر أن موريتانيا هي ثالث البلدان الإفريقية الأكثر مديونية حتى قبل زمبابوي المصنفة في المرتبة الرابعة.
وقد تزايدت النفقات المخصصة لسداد الدين بنسبة 01% سنويا.
فخدمة الدين السنوية (6% من الناتج الداخلي الخام) هي أكبر بنود نفقات الميزانية العامة للدولة. وتتك ّون خدمة الدين من القسط الأساسي الحا ّل كل سنة إضافة إلى الفوائد المستحقة.
ولإعطائكم فكرة عن مبلغ سداد الديون سنويا بالاقتطاع من احتياطي العملة الصعبة على حساب دافعي الضرائب برسم
37
خدمة الدين، نشير إلى أن هذا المبلغ يعادل كتلة الرواتب التي تدفعها الدولة لوكلائها وموظفيها.
وبخصوص طبيعة هذه الديون وفحواها، تجدر الإشارة إلى أن %61 من المبالغ المستحقة بمقتضى الاتفاقيات الجارية حتى 10 ديسمبر 9106 مك ّونة من قروض تترتب عليها عمولات وفوائد، مقابل 12% فقط على شكل هبات أو ما يشبه الهبات.
وأخطر ما في الأمر أن بعض الأوساط (في البنك الدولي مثلا) تعتبر أن “الحكومة لديها ميل جديد إلى الاستدانة بقروض تفضيلية تلتزم بسدادها بالعملة الصعبة بحجم يتجاوز حدود الحاجة ويفوق قدرة الاقتصاد الوطني على امتصاص
التمويلات”.
يمكننا – والحالة هذه – أن نتساءل إلى أين ذهبت الديون الضخمة بالعملة الصعبة الفائضة عن الحاجة والتي يعجز الاقتصاد الوطني عن استيعابها؟!
اسنيم ضحية ازدهارها المالي
إن اسنيم المشغّل (6111 عامل) الثاني بعد الدولة والتي تساهم بنسبة 11% في الميزانية وتمثل 21% من الصادرات، قد حظيت بطفرة معدنية لا نظير لها في تاريخها منذ تأميمها وحتى
قبل ذلك.
من سنة إلى أخرى، تضاعف سعر طن المعدن ثلاث (1) مرات، وتضاعف بالقدر نفسه رقم معاملاتها.
38
ولمتواكبتضاع َفرقمالمعاملاتزيادةٌفيالأعباءإذلميزدد الإنتاج الحقيقي وبالتالي لم تتغيّر كلفة هذا الإنتاج.
وما كان لهذا الوضع المريح إلا أن تنجم عنه أرباح طائلة وغير منتظرة. إنها فضل ومنّة من الله نتيجة لارتفاع سعر المادة في الأسواق العالمية. ولم تحظ أية مؤسسة في أي قطاع آخر بهذا
“الصعود الصاروخي”.
فيما يبدو أن اسنيم سارت على خطى الدولة. كيف يمكن أن نس ّوغ هذه المفارقة أو نشرحها؟ مبدئيا، يتع ّذر ذلك في نطاق قوانين التسيير الاقتصادي والمالي المعقلن والسليم للمؤسسات. فالمؤسسة مهما كانت عمومية أو يغلب عليها رأس المال العمومي ليست الدولة. وعليها أن تحصر نشاطها في الغرض الذي من أجله أنشئت. فهي على عكس الدولة لا يمكنها جباية الضرائب لسد عجزها، والحفاظ على وجودها وعلى مناصب الشغل التي توفرها. ويمكن للمؤسسة أن تعلن إفلاسها (لا قدر الله، وصرف السوء عن اسنيم). وهذا هو ما تغافل عنه “م ّلاح”
العهد العزيزي قصدا أو جهلا.
وباختصار، ينبغي التدقيق في حسابات هذه المؤسسة وفحصها بعمق لاستجلاء هذه الوضعية العجيبة المشار إليها أعلاه.
نعرف مع ذلك أن اسنيم قد انخرطت في مشاريع لا تدخل في نطاق مهمتها الأصلية ونشاطها العادي التقليدي. لكني لا أتوفر على تفاصيل هذه الاستطرادات لكيلا أقول المغامرات. وعلاوة على ذلك، استدانت هذه الشركة سنة 9112 بمبلغ 121 مليار
أوقية لإنجاز أحد المشاريع.
39
وكان هناك اقتراض إضافي بمبلغ 2 مليارات دولار (أي أعلى خمس مرات من القرض الأول) هدفه المعلن التم ّكن من إنتاج 21 مليون طن. وكان يُقصد بهذا الهدف المعلن جعل اسنيم في مصا ّف الشركات الخمس الأولى في العالم. ومع الأسف، لم يتجاوز السقف الأعلى لإنتاجها حتى الآن 01.2 مليون طن
(الرقم المسجل سنة 9101).
يستحيل وفق المنطق السليم وتجارب التسيير المؤسسي وتطوير المنشآت الشبيهة أن يظن من له ُم ْسكة من عقل أن اسنيم بمقدورها تحقيق مثل تلك القفزة في أسواق عالمية متقلبة وفي ظل محيط يتّسم بالإكراهات والاختناقات التي تجعل من
الصعب الخروج من عنق الزجاجة.
ومع أني لست مختصا في المعادن وبو ّدي أن أكون مخطئا في تقديري، أرى في إعلان الهدف السابق ذكره نوعا من الدعاية والإشهار والرغبة في التبرير أكثر من الواقعية والقابلية
للتحقيق.
لا يمكنني الاقتناع بإمكانية مضاعفة الإنتاج أربع مرات في شركة يربو عمرها على نصف قرن ولم يتنا َم إنتاجها إلا قليلا في العقود الماضية. وعلى العكس من الإيرادات المتوقعة و”المأمولة” من ذلك الإنتاج والتي من غير المحتمل أن تتحقق، تظل النفقات في مثل الحالة واقعا ملموسا ولا محيد عنه. فالمو ّردون لا يرفضون أبدا أية طلبية. وقد حادت اسنيم عن
جا ّدة الحزم والحذر بدفع من الدولة ورئيسها.
40
اسنيم ضحية تقلبات ظرفية مفاجئة
أ ّدى تقلب ظروف الأسواق العالمية للمواد الأ ّولية والتي لم يسلم منها معدن الحديد إلى انخفاض السعر إلى الربع ابتداء من سنة 9102، مما أوقع الشركة في أزمة عميقة من نقص السيولة، وحتى من عدم القدرة على السداد، بشكل غير مسبوق، مما
يهدد على نحو مستدام بنيتها المالية.
ويبدو أنها – للمرة الأولى – لن تستطيع في السنة المالية الحالية أن تقدم مساهمتها المالية في ميزانية الدولة.
نتائج “الاستثمارات – المشاريع” التي ارتفعت تكاليفها إلى ألفي مليار (19111) أوقية قديمة ستقرر مصير اسنيم ومستقبلها وجودا أو عدما.
درسان ينبغي استخلاصهما من هذه التجربة التي عشناها في العهد العزيزي
على ضوء ما سبق، هناك على ما يبدو درسان ينبغي استخلاصهما.
الدرس الأول: – اسنيم ليست الدولة ولا ينبغي أن تحل محلها؛
الدرس الثاني:
– ضرورة الفصل بين الدولة والشركة سواء أكانت عمومية أم خصوصية أمر حيوي بالنسبة لبلادنا. في
1 المصدر: البنك الدولي؛ ثم علمت بعد ذلك أن اسنيم تخلت عن المشروع.
41
سنة 9112، وبينما كنا نتحدث كثيرا عن “حسن الحكامة أو سوئها”، دون أن نعرف المقصود بذلك، نشر ُت دراسة حول “حكامة المؤسسات العمومية” أحلتُها إلى رئيس الجمهورية حينها أقترح فيها نظاما لمتابعة المؤسسات والمشاريع العمومية ومراقبتها. وبعد ذلك بقليل أنشئت “هيئة” لمتابعة المشاريع، لكن – حسب علمي – لم يتقرر شيء بالنسبة لمراقبة المؤسسات
العمومية.
الخلاصة بإيجاز أن النمو الاقتصادي طيلة النصف الأول من العشرية موضوع تحليلنا، ليس مح ّصلة لسياسة اقتصادية مقصودة، وإنما هبة سماوية ناتجة عن ارتفاع سعر المواد المعدنية. لكن ارتفاع هذه الأسعار جعلها تسقط على رؤوس المسيّرين الذين اختاروا القيام باستثمارات مختلة الأبعاد وباهظة الكلفة كانت َوبالا على الاقتصاد الوطني واكتسحته
على شكل اتسونامي جارف.
وبدلا من أن تكون مح ّركا للنمو شكلت هذه “الاستثمارات” ذات الطابع الخاص عامل تأ ّزم وعدم استقرار، ونجمت عنها واردات مس ّددة بالعملة الصعبة واستدانة مفرطة فاقمت العجز وأدخلت الاقتصاد الوطني في د ّوامة من انعدام التوازن المزمن.
وبالمقابل، كانت لها تأثيرات إيجابية على اقتصاديات بعض الدول الأجنبية المص ّدرة للمعدات وعلى ممثليها أو عملائها المحليين.
أ ّدى تغيّر الظرفية بشكل مفاجئ سنة 9102 إلى بطء في معدل النمو وفي وتيرة الاستثمارات. وللأسف، لم تخلق استثمارات
42
التباهي المظهري م ّدخرات وطنية إضافية من شأنها أن تحول دون لجوء الدولة إلى استنزاف القدرة الشرائية المنهكة للمواطنين عبر فرض ضرائب مجحفة بصورة لا تطاق.
لقد دخلنا المأزق بالفعل وانس ّدت السبل
الرئيس الموشك على تولّى ُس ّدة الحكم إثر الانتخابات المقبلة معن ٌّي بهذه الحصيلة لسنوات حكم ولد عبد العزيز. ذلك أنه سيرث حقيقة هذه الوضعية مباشرة بوصفه خلفا لسلفه.
ما تحدثنا عنه هو ما يسمى في مجال المحاسبة السياسية “حصيلة الاختتام”، أي خلاصة النتائج المترتبة على تسيير الرئيس المنصرف.
وستكون حصيلة الاختتام هذه حصيلة افتتاح بالنسبة للرئيس المنتخب، دون فرق بأوقية واحدة لا زيادةً ولا نقصانا. وهي بذلك تشكل نقطة انطلاقه.
يبدو أن رئيس العشرية و”حزبه السياسي” يل ّحون على مر ّشحهم المف ّضل بمواصلة الطريق الذي سلكوه من قبل، واعتماد ما اصطلح عليه بالنهج المتّبع.
ولن أتخذ موقفا من الخط الأيديولوجي للحزب – إن صحت التسمية – ولا من الجوانب السلوكية أو العلاقات فيما بين الأفراد، فلكل الحق في اعتناق الأيديولوجية التي يختارها وتبنّي
المواقف السياسية والانتخابية التي تناسبه. يقتصر حديثي هنا على السياسة الاقتصادية.
43
ذلك أن السياسة تقوم على تعابير وخطابات “فضفاضة” و”مرنة” وسيل لا ينضب من الكلام الذي لا يكاد صاحبه يتح ّمل تبعاته، بينما الاقتصاد – على العكس – يخضع لقوانين موضوعية، صارمة، ملزمة، تجعل منه علما له مبادئ وقواعد
مضبوطة.
وما يميّز الاقتصاد من طابع الندرة وضرورة تو ّخي إحداث توازنات يصعب تحقيقها دون التقيّد بفنيّاته وعلومه واحترام القوانين والنواميس المتح ّكمة فيه، كل ذلك يجعل خصائصه
تختلف عن ص ْنوه وشقيقته ونعني “السياسة”.
بالنظر إلى الحصيلة التي حللناها أعلاه، سيقود الاستمرار في النهج الاقتصادي الذي اعتمده الرئيس محمد ولد عبد العزيز وحكومته، إلى تعطل عجلة الاقتصاد الموريتاني قبل أن يتلاشى
تماما.
فنحن بالفعل قد دخلنا المأزق وانس ّدت السبل أمامنا.
إن مواصلة “النهج العزيزي” واقتفاء أثره في هذا المسار الضبابي حتي لمن يتب ّين معالمه ودواخله، ستقود إلى كارثة اقتصادية وسياسية ووجودية. وبدون مبالغة، ولكي نصف الوضعية الاقتصادية الحالية بدقة، نقول إن تسيير الاقتصاد
طيلة السنوات العشر الماضية أ ْودى به إلى حافة الهاوية.
والاستمرار في الطريق نفسه يعني السقوط في قعر الجرف أو على الأقل القفز إلى المجهول. وسبق أن أوضحنا أن كل المؤشرات تنذر بالخطر وبرهنّا على أن جميع الخطوط
الحمراء قد تم تجاوزها.
44
على مدى المأمورية الأخيرة، استطاعت الجهود “الحماسية” لوزير الاقتصاد والمالية أن تجلب بفعّالية، من كل المصادر والاتجاهات الممكنة والمتخيّلة، سيولةً داخلية وخارجية نحو
ولد عبد العزيز.
كان ض ّخ الموارد يجري بصورة مكثّفة وبسرعة عالية أغرقت البلد بالديون بحجة اقتناء معدات ثقيلة مستعملة في الغالب وغير ملائمة، وإنجاز ورشات ضخمة “لم يُ َر مثلها”. ذلك هو جوهر
سياسته الاقتصادية و”نهجه”.
وإذا ما اقتفى الرئيس المنتظر انتخابه “النهج” نفسه، فإن وعوده الانتخابية ومشاريعه الاستثمارية لن تلبث أن تصطدم بصخرة الديون المتراكمة.
عندئذ، فإن الموارد التي كان من المفروض أن تش ّكل في الظروف العادية بديلا عن الديون، سيجري تحصيلها بواسطة الإيرادات الداخلية المتأتّية من الضرائب. غير أن المستوى العالي للضغط الضريبي وإفقار دافعي الضرائب سيؤ ّديان حتما
إلى عرقلة هذا المسعى.
ومن الأكيد أن هامش التصرف لدى الرئيس القادم سيكون محدودا للغاية بفعل إفراط سلطات العشرية في الاستدانة من البنك المركزي الموريتاني.
في الواقع، لقد خرق سلفه كل السقوف، مما أ ّدى إلى اضمحلال كافة المساعي الممكنة مستقبلا:
– فلم يعد بالإمكان التمادي في الاستدانة؛ – وأصبحت القدرة على السداد محدودة للغاية.
45
فأي مم ّول طبيعي ّله تفكير مالي سليم يقبل أن يُقرض بلدا “متخلفا، فقيرا و ُمفقرا”، “ذا حكامة اقتصادية مقلقة”، وتعادل ديونه 011% من ناتجه الداخلي الخام؟
بالفعل، نعرف أن معدل استدانة القارة الإفريقية الذي تعتبره الوكالات الدولية مرتفعا جدا، لا يتع ّدى 61% من الناتج الداخلي الخام.
ما ذا سيحدث لو أن ُم ْقرضا، لأسباب غير معقولة أو لنيّات مب ّطنة، غامر بمنح قروض جديدة، على الرغم من ارتفاع المديونية، لتمويل ورشات جديدة أو لاستكمال “منجزات” متعثّرة، في إطار مواصلة السياسة الاقتصادية المتبعة حتى
الآن، أي النهج الموصوف أعلاه؟ لا نحتاج إلى التك ّهن بما سيحدث !
فباعتبار طبيعة الأشياء، إن تم الحصول على تمويلات جديدة سيحدث ما يلي:
0. سيصل مستوى الاستدانة إلى أكثر من 011% من الناتج الداخلي الخام؛ وعندها ستصبح موريتانيا أكثر بلدان إفريقيا ديونا، وقد تصنّف ضمن البلدان العشرة
أو الخمسة الأعلى مديونية عالميا؛ 9. ستلتهم خدمة الدين قسطا وافرا من ميزانية الدولة
سنويا؛ 1. سيتفاقم عجز الميزانية؛ 2. ستضطر موريتانيا إلى التخلي عن بعض نفقات
التسيير وعن بعض الاستثمارات الحيوية؛
46
2. ستسّددالدولةسنويالدائنيهامبالغأكبرممايتقاضاه موظفوها؛
6. سيزيد شراء التجهيزات والمعدات الثقيلة اللازمة لتنفيذ “الورشات” عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات اللذين يعانيان بالفعل من انعدام توازن بنيوي ومن “ثغرات” عميقة، مما سيكون له انعكاس
سلبي على النمو الاقتصادي؛
2. سينعكس ذلك سلبا على سعر العملة خارجيا في بلد
يستورد غالبية مواده الاستهلاكية ولا يتوفر إلا على جزء يسير من حاجاته الغذائية؛
2. سيزيد انخفاض العملة من غلاء المواد المستوردة بما في ذلك المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع؛ 2. سيحدث انعكاس سلبي متعاظم على القدرة الشرائية
وعلى المستوى المعيشي للسكان المتأثرين بالفقر والخصاصة؛
01. في هذا السياق، سيتفاقم معدل التضخم.
كل هذه العوامل مجتمعة، وغيرها مما لم نذكره، ستؤدي إلى انخفاض تقدير موريتانيا، وستُضر بصورتها، وبالتالي ستزيد صعوبة وكلفة الولوج إلى تمويل مشاريع الاستثمار
من نمط ما يطلق عليه “منجزات العشرية”.
ترون إذن أن الوضع يشبه الثعبان الذي يعض ذيله، وأننا نعود إلى نقطة الانطلاق وكأننا ندور في حلقة مفرغة.
والاستمرار في هذا الدوران لن يفضي إلا إلى مزيد من التر ّدي ومن الأزمات غير المسبوقة.
47
يجب أن نخرج من هذه الحلقة المفرغة وأن نتخلى عن “النهج” السابق ونبحث عن طريق مغاير تماما على أمل أن نستشرف آفاقا واعدة وندخل في مسار سليم.
ما من رئيس جديد إلا ويبحث عن التخلص من العراقيل المع ّوقة في عهد سلفه والسعي إلى تص ّور سياسة فعّالة تنزع الألغام المزروعة في الحقل الاقتصادي وإلى التفاوض مع الشركاء الاقتصاديين والماليين بشأن اتفاقات جديدة ثنائية
ومتعددة الأطراف.
وسيكون الرئيس المنتخب في حاجة بهذا الصدد إلى فترة سماح يترك له فيها الشركاء الاجتماعيون والأحزاب المعارضة فرصة لالتقاط الأنفاس حتى يرسم بت ُؤدة وتأ ٍّن
سياسة اقتصادية جديدة.
وعلى المترشحين للانتخابات الرئاسية المنتظرة أن يُدرجوا في برامجهم الانتخابية تع ّهدا على الشرف بأن يحترموا فترة السماح هذه من ستة أشهر إلى سنة، لصالح البلاد المنهكة اقتصاديا وماليا. وغالبا ما يُقال إن السياسة تتبع الاقتصاد.
وعلى كل حال، سيكون ذلك ضروريا في الحالة الراهنة.
ولن يتسنى توفّر هذه المهلة الاقتصادية وتلك التهدئة السياسية إلا إذا واكبت ذلك تعبئة شاملة في البلاد من أجل رفع التحديات المالية على الأقل والحصول على الحد الأدنى من الموارد لإنجاز قدر ولو محدود من الوعود الانتخابية وتنقية البيت الموريتاني. ولا بد من دفع هذا الثمن لتحقيق السلم والاستقرار وحتى الحفاظ على وجود البلد بحد ذاته !
48
إن من ينصح مترشحا في سنة 9102 بأن يبني حملته على الحصيلة الاقتصادية التي استعرضنا قبل حين مساوئها وآثارها المد ّمرة حاضرا ومستقبلا، لا يخدمه انتخابيا اليوم
ولا سياسيا غدا !
ومن يقول لرئيس فور انتخابه أن يتبع هذا السبيل فإنه يريد أن يوقعه في طريق مسدود، بلا م ّدخرات احتياطية، ولا رصيد، ولا مصداقية، وباختصار غير مقبول لدى البنوك. ويعني ذلك أنه يقترح عليه القفز إلى هوة سحيقة بعد تسليمه
السلطة على حفير الهاوية !!
لقد جرى في “العهد العزيزي” امتصا ُص رحيق الاقتصاد وعصارة المالية وكل ما هو قابل للتعبئة على المدى القصير من سيولة نقدية.
فجميع أرصدة أهم الحسابات العمومية الكبرى َمدينة. وقد خلّف التسيير ثغرات عميقة. وسيكون على الرئيس القادم أن يتحرك في قيادته للبلد على طريق مليء بالحفر
والأخاديد والألغام الموشكة على الانفجار …
وسيكون بحاجة، علاوة على الأموال الجاهزة، إلى حس مرهف بالاتجاهات وبالمحاذير وأن يستنير بضياء الشفافية.
ونلاحظ على سبيل الاستطراد وبمراعاة الفارق بين الأوضاع، أن هناك تشابها بين حالة الرئيس الذي سينتخب في علاقته مع ناخبيه المنتظرين إنجاز وعوده وبين دائني الشيخ الرضى القاطن في “التيسير” المتل ّهفين بلا أمل إلى استرداد ديونهم. ويتفق نظاما ولد عبد العزيز والشيخ
49
الرضى في أنهما – وإن تفاوتت سطوتهما – آلتان لصناعة المادة نفسها ألا وهي الاستدانة المفرطة وسلب الممتلكات.
إن الهدف الوحيد لهذه الدراسة هو توعية الشعب الموريتاني، ونخبه، والمترشحين للرئاسيات المقبلة، وحتى الحكومة التي ستغادرنا، بشأن فداحة النتائج التي تو ّصلت إليها أثناء إجراء هذا التقييم عشية حملة انتخابية ومراسيم
تسليم السلطة وتسلّمها.
فالشعب – مثله مثل بعض النخب غير المتخصصة لا في الشؤون الاقتصادية ولا المالية – لا يرى إلا ما هو “ظاهر” ومادي، ولا يدرك “الخفايا” أي الحسابات الاقتصادية للأمة
ومؤسساتها العمومية.
ومن واجبنا إنارة الرأي العام في حدود إمكاناتنا.
في المجال الاقتصادي والمالي لا تنفصل الأصول “المرئية” (الإنجازات) عن الموارد المالية “الخفية” و”المخفية”.
من الواضح للعيان بناية اسنيم ذات الطوابق المتعددة، والمطار “ذو المليوني مسافر” وقصر المؤتمرات الدولي المجاور له وبناياتهما الزاهية الألوان، والطرق المعبّدة أو
الرملية المصبوغة بالسواد والمضاءة ليل نهار.
وبالمقابل، تظل ديون اسنيم وموريتانيا وعجزهما المالي ثقوبا غير مرئية تهدد وجود الشركة الوطنية الأولى، وتزعزع كيان البلاد بأكملها، وتصيب بال ُّدوار الاقتصاديين والمحللين الماليين الوطنيين والدوليين. ويبدو أن الشعب
50
ورؤساء الورشات الذين بنوا هذه “المنجزات” لا يدركون عمق الثقوب المالية الخفية التي تمثل في الواقع حفرا قد تجرف كل شيء.
والعلاقة ما بين “المرئي” و”المخفي” ستذكر المواطنين بمثل شعبي لن أترجمه هنا: “قصة مندريش والمرحومة منت اصطيلي”.
قد يعترض البعض بأن هناك “رائحة الغاز في الجو” بعد اكتشاف الحقل المشترك بين موريتانيا والسنغال والذي سيمكن من سد العجز، وردم الحفر، وحتى دفع الاقتصاد
الموريتاني قُ ُدما على درب الإقلاع.
وإلى هؤلاء لا يسعني الرد إلا بالأماني والدعاء: آمين، إن شاء الله في سنتي 9199 و9191.
أما المحاسبة والاقتصاد بمقتضى “مبدأ الحذر” مسبوقا بقصة الدب والخنزير البري “كابون وعر” في الأسطورة القائلة (الل ماهو اف كرشك لا تعمل اعليه): فلا يقبلان أن يسجلا في حساباتهما سوى الإيرادات الفعلية بعد إدخالها في
الصندوق.
في انتظار ذلك، علينا شد الأحزمة إذ إن وضعيتنا غداة الانتخابات ستكون أصعب بكثير مما هي عليه حاليا نتيجة لتداعيات سوء الحكامة المستمرة وللنهج المتبع طيلة العشرية الماضية. وعليه، يتحتم أن نشفق على الرئيس
51
القادم وأن نتف ّهمه ونتعاطف معه، كما عليه أن يعاملنا بالمثل2.
تقول الحكمة التي أيّدتها العلوم المالية: “إن النقود لا تُستهلك م ّرتين”. وأضيف أنها عندما لا تكون ملكا لنا فإن علينا تسديدها يوما ما، وهو ما سيخصم جزءا من مداخيلنا
ويضعف قدرتنا الشرائية.
فلنتح ّل بالصبر والمثابرة ولنستخلص العبرة مما عشناه وقاسيناه في الآونة الأخيرة
اسمحوا لي أخيرا بأن أقول إني بوضع هذا التشخيص القائم على الأرقام لا أقصد تصيّد الأخطاء وإنما البحث عن الحلول.
وسأستعرض عليكم في وقت لاحق أفكارا مستقاة من هذا التشخيص من منطلق أكثر إيجابية وبروح بنّاءة.
قال أحد المفكرين: “ليس ما يحدث لنا هو ما يميز نجاحنا من فشلنا، وإنما الطريقة التي نتصوره بها ونتعامل معه هي التي تغير كل شيء”.
مبادرة الأخبار: الدكتور محمد ولد محمد الحسن أستاذ جامعي وخبير استشاري موريتاني يراقب المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في موريتانيا. وقد أصدر العديد من المقالات، ونشرت له “مبادرة الأخبار” مقالا تحليليا بعنوان “وقائع سنوات حكم ولد عبد العزيز” يستعرض فيه حصيلة عشر سنوات قضاها في السلطة الرئيس ولد عبد
2 لقد صدقت هذه التوقعات فعلا.
52
العزيز الذي تنتهي ولايته الثانية والأخيرة إثر الانتخابات الرئاسية المقررة في شهر يونيو.
في المقابلة التي خ ّص بها الدكتور محمد ولد محمد الحسن “مبادرة الأخبار” قدم قراءته لما تعتبره الحكومة المنصرفة إنجازات، متحدثا عن تغيير بعض الرموز الوطنية وعن
بعض الورشات …
يتباهى ولد عبد العزيز ومناصروه بأنهم ز ّودوا موريتانيا ببنى تحتية مثل المطار الجديد، وقصر المؤتمرات الجديد، ومركز الأنكولوجيا (لعلاج السرطان)، وغيرها من المنشآت. بأي ثمن؟ في رأيكم، هل كان من الأجدر القيام بهذه الإنجازات في وقت تحتاج فئات كبيرة من السكان إلى
إجراءات دعم استعجالية؟
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: آمل أن يكون لمركز الأنكولوجيا من الفوائد أكثر مما له من المضا ّر. فتم ْوقع المراكز الاستشفائية المتخصصة في وسط مأهول بالسكان ينطوي على مخاطر بالنسبة للمرضى وبالنسبة لجيران هذه المراكز كذلك. وليست لدي أي فكرة عن كلفة مركز
الأنكولوجيا.
غير أن كل ما من شأنه أن ينقذ حياة البشر أو يح ّسن صحة الموريتانيين لا يمكن الحكم عليه إلا من خلال فعاليته ونجاعته النسبية. وقد كان دي مونتين على حق عندما قال
“الإنسان وحياته لا يُقاسان بالمكيال”.
بخصوص المطار الدولي، فإنه مثال حي للمشروع المفرط في الأبعاد وعديم الشفافية. وقد تم تبريره بأن بمقدوره
53
استقبال مليوني مسافر سنويا؛ وهو رقم يفوق خمس مرات تدفقاته الحالية بحسب الإحصائيات الرسمية لحركة الطيران التي لا تتهم بتبخيس هذا العدد.
هل من المؤ ّمل، حسب الوتيرة التي تسير بها موريتانيا، أن نضاعف بخمسمائة في المائة عدد المسافرين لنستر ّد ما أنفقناه في مد ّرجات المطار ومنشآته؟
أليس من المعقول مثلا أن نكتفي بمضاعفة قدرة الاستيعاب مرتين ونحتفظ بالموارد المج ّمدة عبثا لإنجاز مشاريع في قطاعات أخرى (التعليم، الصحة …) مع أن التلاميذ
والمرضى لا يدفعون عمولات؟
صحيح أن إطار الاستقبال في المطار القديم كان ضيقا، لكن ألم تكن التوسعة المحترمة التي مولتها الوكالة الفرنسية للتعاون كافية لسد الحاجة على مدى عدة سنوات قادمة؟
مبادرة الأخبار: هل ترون أن هذا المشروع كان اختياره غير موفّق وأسيء تسييره قبليا وبعديا؟
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: لقد تميّز المشروع بالضبابية وعدم الشفافية ماليا وإداريا في جميع مراحله. فالصفقة التي نجهل مبلغها لا نظير لها في تاريخ البلد ولا في إفريقيا ولا حتى في العالم أجمع. إنها تعود إلى العصور الغابرة وتنتمي إلى أنماط الاقتصاديات السابقة للتبادل النقدي.
وبالفعل، أسندت هذه الصفقة بطريقة التراضي على شكل مقايضة واسعة النطاق حيث بدأت بمنح قطع أرضية في
54
منطقة سكنية إضافة إلى مساحة المطار القديم، ثم أشفع ذلك بسلسلة طويلة من الملاحق الس ّرية العديدة بعملات شتى. وهذا ما جعل من الصعب بل من المستحيل تقدير ملاءمة
الصفقة ولا حتى تحديد كلفتها ببساطة.
ولا أدل على ذلك من أن خبراء أرادوا تقييم كلفة المشروع ومردوديته قد كتبوا بصراحة في تقرير لصندوق النقد الدولي أنهم لا يص ّدقون سعر المتر المر ّبع (611 أوقية قديمة) الذي قدمته لهم الحكومة. ومعروف أن ثمن المتر المربّع في المناطق المعنية يفوق عشرين (91) مرة ذلك السعر وقد يتضاعف مائة مرة في الأماكن الاستراتيجية
تجاريا.
مبادرة الأخبار: لما ذا – بحسب رأيكم – تتم المبالغة في تبخيس كلفة المطار؟
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: أترك لكم تخ ّيل المقصود من ذلك. وبغض النظر عن قضايا الحكامة وكلفة أو ملاءمة المشروع، لن يخلو الإعلان المفاجئ عن صفقة بهذا الحجم لبيع الأراضي من تأثيرات سلبية و ُم ْربكة، وفي بعض الحالات كارثية، على سوق العقارات، وعلى السيولة النقدية، وعلى سوق الرهون، وعلى النظام المصرفي وعلى
اقتصاد البلاد برمته.
ولن ينجو الفاعل الاقتصادي الذي نال صفقة المطار من هذه العواقب الوخيمة لو ُعرضت تلك الأراضي للبيع علنا لأن أسعارها ستبقى منخفضة طيلة عقد من الزمن (لكثرة المعروض)، ولن يكون بمقدوره أن يستعيد التكاليف التي
55
أنفقها في تشييد المطار. على أن من المشكوك فيه أن يتم استرداد هذه التكاليف. ومرة أخرى، لم يجر هنا احترام القوانين الاقتصادية ولا مراعاة المصلحة العامة. وخلاصة القول إن إنجازات هذه الفترة لا تستحق أن تسمى
استثمارات (كما بيّنّا أعلاه) ولا حتى منجزات.
مبادرة الأخبار: لما ذا – بحسب رأيكم – لا يمكن الحديث عن منجزات؟
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: لا يمكن أن نعتبرها منجزات بالمعنى الاقتصادي للكلمة لأن دلالتها في الحقل الاقتصادي والمالي تشير إلى “الانتقال من التصور إلى الإنجاز الفعلي”، وهذا لا ينطبق على الورشات التي جرت في “العهد العزيزي”. ذلك أن هذه الورشات لم تم ّر بمرحلة التصّور الاقتصادي التي تجري فيها دراسة جدواها الاقتصادية والمالية ونتائجها وتأثيراتها على الاقتصاد الوطني. ولو تم ذلك لتبيّن سريعا أنها مفرطة في أبعادها وباهظة الكلفة وغير ذات مردودية و ُمض ّرة بالاقتصاد في مجمله. وقد تو ّصل جميع الخبراء – بمن فيهم خبراء
الممولين – إلى هذا الاستنتاج.
فلو أن هذه المشاريع أخضعت مسبقا لتص ّور اقتصادي ومالي بصورة منتظمة لكان قد تم التخلي عنها قبل البدء في تنفيذها.
أما قصر المؤتمرات، ص ْنو المطار الذي يضاعف عدد المسافرين فيه عدد شعراء موريتانيا، فقد كان موضوع صفقة بالتراضي بقيمة أربعة عشر (02) مليارا في وقت
56
كانت موجة جفاف حاد تضرب البلاد وأ ّدت إلى نفوق جزء كبير من الثروة الحيوانية الهامة والمتجددة والتي كان بالإمكان إنقاذها لو ُصرف في سبيل ذلك عشرة في المائة (%01) فقط من مبلغ هذه الصفقة. وبإمكانكم أن تقدروا
حجم الخسارة والأضرار الاقتصادية المترتبة على ذلك.
وتبدو التأثيرات المد ّمرة لما يطلق عليه اسم “المنجزات” واضحة للعيان:
– على المالية العمومية؛ – على الحسابات الخارجية للأمة؛ – على مستوى مديونية الدولة وخدمة الدين؛ – على القيمة الخارجية للعملة وعلى القدرة الشرائية
الداخلية.
وبهذا تكتمل الحلقة السلبية. وندور مرة أخرى – للأسف – في الحلقة المفرغة.
وباختصار، تمتد الآثار المدمرة الناجمة عن “المنجزات” إلى عموم الاقتصاد الوطني بل تتجاوزه إلى البلدان المجاورة وإلى شركائنا الاقتصاديين والماليين والتجاريين.
لربما تكون هذه المشاريع متقنة التصميم فنيا، ولربما تكون مفيدة. وقد تكون تحفا تكنولوجية وعمرانية باهرة. لكن ذلك لا يجعلها بالضرورة ملائمة ومبررة اقتصاديا وماليا:
فكلفتها باهظة ومردوديتها معدومة.
57
مبادرة الأخبار: تقولون إن الآثار المدمرة الناجمة عن “المنجزات” تمتد إلى عموم الاقتصاد الوطني بل تتجاوزه إلى البلدان المجاورة. أليس هذا الحكم قاسيا؟

الدكتور محمد ولد محمد الحسن: لاستكمال البرهنة ولتوضيح الفكرة التي بنيت عليها حكمي على “المنجزات”، يمكنكم أن تتصوروا سيناريو يبيع فيه رئيس الدولة كل ما نملكه في هذا البلد لكي يمول بر ْيع هذا البيع بناء مطار مماثل لمطار شارل ديكول، ويشيّد لنا برجا كبرج إيفل وكاتدرائية مثل نوتردام، ويفتح متحفا مثل اللوفر ويقيم لنا حتى أهرامات كأهرامات مصر، مع تحويل البلد إلى
صحراء جرداء زاخرة بالمقابر.
بالتأكيد، سيجد الصينيون وشركات الغاز والمعادن فرصة للعيش الرغيد في جنانهم البحرية والبرية وتحت الأرض. لكن نحن الموريتانيين هل بمقدورنا أن نأمل لشعبنا مكافأة
أم لحفاري القبور مغفرة في الآخرة؟
مبادرة الأخبار: شهدت السنوات الأخيرة تغييرات لم تنل رضى جميع الموريتانيين منها تغيير العلم والنشيد الوطنيين، وتبديل أسماء بعض الشوارع، وتغيير العملة، إلخ … أليست هناك أولويات أخرى بالنسبة لرئيس دولة في
نهاية مأموريته؟
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: العلم؟ النشيد؟ الشوارع؟ أنتم تقولون إن “تغييرات السنوات الأخيرة لم تنل رضى جميع الموريتانيين”! اسمحوا لي أن أعكس السؤال. هل لقيتم موريتانيا واحدا يقترح هذه التغييرات أو يطالب بهذه
58
التعديلات؟ هل قرأتم مرة واحدة في حياتكم الصحفية مقالا أو منشورا أو كتابا يطالب بهذه التغييرات؟ أو مظاهرة؟ أو عريضة مطلبية؟
هل تعتقدون أن الموريتانيين أكثر اعتزازا بقطعة ل ّحنها مصري مقابل أجرة مجزية مقتطعة من مداخيلهم الهزيلة بدلا من صيغة النشيد التاريخية التي ل ّحنها الفنان سيداتي
ولد آبّه والد النجمة الغنائية ديمي تغمدهما الله برحمته؟
وهل يعدل شيء في نظرهم ما في قصيدة الشيخ باب ولد الشيخ سيدي من بركة وقيمة، حتى ولو كان ذلك اليوم أكبر ثروة مكتسبة بصورة مشينة؟
أليس اللون الأحمر في العلم هو الأكثر تنفيرا في ثقافتنا؟ فهو لون الدم، والنار، والنحس، والعجز، والحساب ال َمدين في البنك، والأرض الجرداء (رك أحمر)، والوقاحة (أمنكار
لحمر)؟
فما الذي يمكن أن يش ّرع هذا اللون في نفوس الموريتانيين وفي سمائهم، عاليا وسافلا، بدل اللون الأصلي لعلم الاستقلال؟ لون الجنة والسعادة والخضرة؟ إنه لون علم سقط تحته ببسالة العديد من الضباط والجنود الموريتانيين دفاعا عن الوطن، بدعم فعال من طائرات الجاغوار الفرنسية، في وجه الأسلحة السوفيتية، لحماية اسنيم ونواذيبو والسكة الحديدية. فأين كان في هذه الأوقات التاريخية “المبعدون” ال َم ْخفيون اليوم والذين لم يكونوا حينها
يدرون أي مصير ينتظرهم؟

إن هذا العلم لا يستحق سوى التكريم والصون على غرار الذود عن حرمة الحوزة الترابية.
مبادرة الأخبار: ما ذا تقصدون بهذه السلسلة من التساؤلات؟
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: أريد أن أقول إن ذاكرتنا لا ينبغي أن تكون متناقضة: مرة قريبة المدى، وتارة بعيدة المدى. إن شعار شرف-إخاء-عدل يترتب عليه التواضع، والحياء، والاعتراف بالجميل. يتعلق الأمر بمشكلة شخصية عند رئيس الدولة، وأنا لا أو ّد الحديث عن الأشخاص
وبالأحرى تحليل نفسياتهم. إنه لغز نفساني.
مبادرة الأخبار: بمناسبة الحديث عن الذاكرة، هناك هذه الديناميكية لتغيير أسماء الشوارع …

الدكتور محمد ولد محمد الحسن: الشوارع، المسكينة ! ما الجرم الذي اقترفته ليتم تغيير أسمائها؟ صحيح أنها ليست نظيفة تماما، لكن أولوية الرجل كان ينبغي أن تتمثل في تنظيفها قبل أن يغادر السلطة. أي مقيم في نواكشوط يعرف اسم شارع فيها باستثناء الشارع الذي تم تغيير تسميته؟ ما الفائدة من القضاء على ال َم ْعلم الوحيد الذي يمكن الاهتداء
به في مدينة نواكشوط: شارع جمال عبد الناصر؟
من الواضح أن هناك ه َو ًسا بتحريف كل شيء وتشويهه.
ولعل الأمر لا يعدو أن يكون رغبة في وضع بصمته على العلم والنشيد وعلى كل ما هو مرئي ومسموع في البلد، كما يضع المن ّمي بلا رحمة ميس َمه على الحيوانات لإظهار ملكيته لها. ونحن الموريتانيين قد عانينا مآسي تفوق ك ّي الدواب بالنار الحارقة.
لقد أجرى ولد عبد العزيز هذه التغييرات ووضع بصماته على الرموز الوطنية مستغلا مقاليد السلطة التي يتحكم فيها، مما يُ ْن ِبئ عن إشباع نزوات شخصية غير مفهومة ولا مقبولة من لدن الشعب الموريتاني.
هو مظهر للهوس لدى الرجل. فولد عبد العزيز يريد أن يترك علامته على البلد بعد رحيله كما يوضع الميسم على القطيع أو لوحة الترقيم على السيارة أو الطابع على السند العقاري.
ذلك أنه من موقع رئيس الدولة يمكن أن يتع ّسف بإصدار أي قرار يريده. وقد أراد أن يترك علامته في كل مجال. وهي “علامة مسجلة” قبيحة تترك آثارا مؤلمة تضر بمشروع أمتنا.
وبما أنه لا يؤمن إلا بما هو مرئي ومسموع، فقد رغب دون شك في أن يك ّمل “منجزاته” المادية الأخرى أو يع ّوض تعهداته التي لم يتم الوفاء بها مثل “القضاء على الفقر والفساد، وبناء أكبر مسجد في إفريقيا، وإقامة ورشة لصنع الطائرات …”.
ومع ذلك، فإني على يقين من أن الاسم الغريب الذي أعطي للمطار خلافا للمطارات المجاورة التي تحمل أسماء سينغور، الحسن الثاني … سيتحول بالتأكيد إلى اسم أبي الأمة المختار ولد داداه. وسيحدث الشيء نفسه بالنسبة

لجميع الرموز التي ستستعيد يوما ما ألوانها وموسيقاها وأسماءها التاريخية المشروعة في التراث والطبيعة.
لقد أجبت على سؤالكم احتراما لشخصكم ولمهنتكم، لكن اسمحوا لي بدوري أن أطرح عليكم السؤال التالي: لما ذا لا تقولون إن تلك التغييرات لم تكن مرغوبة ولا مقبولة من
طرف شعبنا وإنما فُرضت عليه بصورة مؤقتة؟
وأخيرا، تذ ّكروا أن اليوم الذي جرى فيه الاستفتاء المزعوم كانت فيه جميع شوارع موريتانيا خالية والمنازل في حالة حداد. كانت كافة مدننا في ذلك اليوم مدن أشباح.
مبادرة الأخبار: شكرا لكم، أستاذ، على تذكيركم بذلك. وما ذا تقولون عن تغيير الأوراق النقدية؟
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: كل ما يتعلق بالعملة يكتسي حساسية خاصة. وأي تأويل من ق َبل غير المطلع على أسرار المؤسسات المعنية قد يكون من باب التكهنات التي تُض ّر بالاقتصاد الوطني. والأمر بحد ذاته عملية مكلّفة ولا أريد أن أزيد من أعبائها. وباستثناء الكلفة، قد تكون إجراء اقتصاديا روتينيا كما قد تخفي نيّات مب ّيتة أو اختلاسا
سيُكتشف مع الزمن إثر الانتخابات القادمة.

الفصل الثاني : التدقيق في حسابات الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (اسنيم): أولوية وطنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى