الأخبارتحقيقاتفضاء الرأي

تعليقا على ارتفاع ضريبة الدخل في موريتانيا مقارنة بدول المنطقة / الهادي ولد أبوه

الهادي ولد ابوه / كاتب في الشأن الاقتصادي

1. الوضع الحالي للنظام الضريبي

– يشكل نظام الضرائب العام (Tax-GDP ratio) في موريتانيا نحو 12.7% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023—أقل من متوسط المنطقة، بينما يُقدّر إجمالي الإمكانيات الضريبية بين 15% و19% من الناتج المحلي، ما يبيّن وجود مجال كبير لتعزيز الإيرادات المحلي
– ضريبة الرواتب (ITS) تمثل المصدر الرئيسي للضرائب المباشرة وتُقدّر بحوالي 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2023 .
2. مقارنة بدول في المنطقة
– موريتانيا ضمن الأعلى في المنطقة من حيث الحد الأقصى (40%)؛ قريب من تونس والسنغال، وأعلى من الجزائر (35%) وأعلى قليلًا من المغرب بعد خفض السقف إلى 37% في 2025. هذا يضع ضغطًا نسبيًا على الدخول العليا، ويجعل هيكل العبء الضريبي مقاربًا لدول ذات قاعدة ضريبية أوسع.  
•الإعفاءات والشرائح الدنيا تختلف بوضوح: المغرب يقدّم إعفاءً سنويًا أعلى (40,000 MAD)، ما يخفف العبء على الدخل المنخفض والمتوسط مقارنة بموريتانيا حيث يبدأ الخضوع مبكرًا (من 6,000 MRU في الشريحة الأولى الخاضعة 15%). هذا قد يؤثر على الاستهلاك والطلب الكلي لذوي الدخول المنخفضة.  
•تونس والسنغال تستخدمان سلالم أوسع وعدد شرائح أكبر، مع قمة 40%–43%؛ ما يعكس توجهًا لزيادة التدرّج والقدرة التحصيلية، لكنه قد يرفع حافز التهرّب أو الهجرة الضريبية عند الدخول المرتفعة إن لم يُقترن بتحسين خدمات/ثقة دافعي الضرائب.
3. التحديات الاقتصادية
– ضعف التصاعدية والامتيازات الضريبية
• رغم أن الضريبة قانونًا تصاعدية، إلا أنه وفعليًا، يتمتع بعض الموظفين الحكوميين بإعفاءات غير محددة قانونًا، أوهناك استغلال خصومات تمنع تطبيق النسب الأعلى، ما يؤثر سلبًا على نزاهة النظام الضريبي ويوسع التفاوت .
– تكلفة العمل والابتعاد عن الاقتصاد الرسمي
• يصاحب النظام الضريبي نسبة كبيرة من التكلفة الإجمالية للعمل (الما يُعرف بـ الـ Tax Wedge)، وتبلغ حوالي 37%، بسبب الاشتراكات الاجتماعية المرتفعة، ما يقلل الحافز لتحديث الاقتصاد الرسمي وتوسيع قاعدة العمالة المصرح بها 
– التفاوت بين القطاعات الاقتصادية
• نظم الإعفاءات الضريبية الحالية تتسبب بعبء ضريبي متفاوت بين القطاعات، بدءًا من 3% في قطاع التصليح حتى نحو 70% في القطاعات مثل الصيد والاتصالات، ما يضر بمبدأ الحياد الضريبي ويُعقّد مناخ الاستثمار.
4. الأثر الاقتصادي للنظام الضريبي وضرورة الإصلاح
– فقدان العوائد الضريبية
• إعادة فرض الضرائب على البدلات غير المشمولة فعليًا في النظام يُمكن أن تحقق حتى 0.75% من الناتج المحلي الإجمالي إضافيًا بشكل مباشر.
– تعطيل النمو الاقتصادي والاستثمار
• الأبحاث الاقتصادية بينت أن ارتفاع العبء الضريبي العام، خاصة على العمالة، يقلل من النمو الاقتصادي، بينما التحول نحو الضرائب على الاستهلاك أو التصرفات يُفضّل لتعزيز النمو.
– الحاجة للابتعاد عن الامتيازات الانتقائية والإعفاءات
• ينصح صندوق النقد الدولي بوضع بدائل واضحة وقائمة على الكلفة مثل الإهلاك المعجل أو الاعتمادات الضريبية (Tax Credit) المربوطة بالاستثمار، لتقليل الانتقائية وتحسين العدالة الشاملة للنظام الضريبي.
5. توصيات لتحسين النظام الضريبي في موريتانيا
• إعادة فرض الضريبة على البدلات غير الخاضعة لها فعليًا لتعزيز العدالة وزيادة الحصيلة
• تقليص العبء الضريبي على العملل (Tax Wedge) لتشجيع التوظيف الرسمي وتعزيز النمو
• توحيد النظام الضريبي بين القطاعات لدعم بيئة الاستثمار والنمو المتوازن
• استبدال الإعفاءات العشوائية بحوافز قائمة على الاستثمار لتعزيز الشفافية ورفع جاذبية الاستثمار
• توسيع قاعدة الضرائب الاستهلاكية (مثل الرسوم على السيارات المستعملة) لتعويض الإيرادات وتخفيف العبء على الدخل
6. الخلاصة الاقتصادية
النظام الضريبي في موريتانيا، رغم تقدّمه المستمر بعد إدخال قانون عام جديد عام 2019 وإنشاء وحدة للسياسة الضريبية عام 2023، إلا أنه يأبى إلا أن يكشف عن تحديات هيكلية:
• نزاهة النظام متأرجحة بسبب الامتيازات غير المعلّنة والخصومات غير العادلة.
• التكلفة الباهظة للعمل تثنّي عن الرسميّة في سوق العمل.
• الازدواجية الضريبية وتفاوت العبء بين القطاعات تعمل على تشويه المنافسة.
• العائدات الحالية لا تستثمر بالكامل في تعزيز النمو والاستدامة.
ومن ثم، فإن التوجه نحو إصلاح يتضمن شفافية، توسيع القاعدة، تقليص الامتيازات الانتقائية، وتحفيز الاستثمار عبر حوافز موحدة وعادلة سيكون أكثر فعالية اقتصاديًا واجتماعيًا.
المصدر : الكاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى