الأخبارفضاء الرأي

موريتانيا: من المواجهة إلى التوافق – الخروج من ثنائية برام/السلطة لبناء المستقبل/اسلم الحنفي

اسلم ولد الحنفي /محلل سياسي وناشط في المجتمع المدني

في نواكشوط، خلال الأيام الأخيرة، اجتاحت موجة من الاستنكار الشديد الساحة بعد تصريحات برام ولد الداه عبيد أمام البرلمان الأوروبي. وكأن المعارض التاريخي قد قال كلامًا جديدًا أو غير مسبوق. والحقيقة أن شيئًا جديدًا لم يُقل. فما أكده في بروكسل سبق أن كرره مرارًا في موريتانيا، داخل قبة الجمعية الوطنية، وأمام الوزراء المعنيين بما فيهم وزير الدفاع، دون أن يثير ذلك مثل هذه الزوبعة. بل إن مداخلاته، التي كانت أحيانًا أشد حدة، بُثت عبر التلفزيون قناة البرلمانية من غير أي رقابة. إذن، أين تكمن المشكلة؟

الحقيقة بسيطة: خطاب برام ولد الداه عبيد لم يتغير يومًا. ما يتغير هو رد الفعل تبعًا للمنبر الذي يتحدث منه.

داخل البلاد، تُعتبر انتقاداته جزءًا من اللعبة السياسية الموريتانية فيُتغاضى عنها. لكن ما إن تتجاوز الحدود وتصل إلى منصة دولية، حتى يبدو وكأن السماء قد سقطت على الأرض.

وهذا التناقض يكشف هشاشة السلطة، التي تخشى النظرة الخارجية أكثر مما تخشى المعارضة الداخلية.

منذ أكثر من عقد، تشبه العلاقة بين برام ولد الداه عبيد والسلطة لعبة القط والفأر التي لا تنتهي: هدنات مؤقتة، مواجهات عنيفة، اعتقالات مثيرة يتبعها إفراج ثم توترات جديدة. دورة لا تنتهي، ومع تكرارها تتحول إلى ما يشبه السيرك السياسي.

غير أن موريتانيا لا تستطيع أن تظل أسيرة هذا الصراع العقيم. فلا برام ولا السلطة سيخرجان منتصرين من هذا الشد والجذب الدائم. بل إن الخاسر الوحيد هو الوطن، الذي يبدد طاقته وتماسكه ومصداقيته.

لقد آن الأوان لإنهاء هذا الانسداد. فقد أثبت التاريخ أن الدول التي تتقدم هي تلك التي تتجاوز الخصومات الشخصية لتبني تسويات باسم المصلحة العليا للأمة. على السلطة وبرام ولد الداه عبيد أن يجدا أرضية مشتركة، لا لتصفية الحسابات، بل لفتح صفحة جديدة.

إن التغيير الذي تحتاجه موريتانيا ليس مجرد شعارات وخطب، بل هو القدرة على إعادة تعريف قواعد اللعبة: الانتقال من المواجهة الدائمة إلى علاقة قائمة على الاحترام المتبادل، والإصغاء، والبحث عن حلول مشتركة. هذا التحول في العقلية هو السبيل الوحيد لتمكين البلاد من التقدم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى