حقيقة المواقف الأوروبية من القضية الفلسطينية أمام العدوان الصارخ
كتب : أ. إدريس أحميد – باحث في الشأن السياسي المغاربي والدولي
مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على القدس وغزة، تتكشف مواقف أوروبا الحقيقية، بين الشعارات الأخلاقية والاعتراف الرمزي، بينما تستمر مأساة الشعب الفلسطيني وتتعرض المقدسات الدينية الثلاثة للخطر.
من وعد بلفور إلى اليوم: تاريخ من التواطؤ
منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917، الذي وضع حجر الأساس لإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين، ظل الشعب الفلسطيني يعاني من التهجير والاحتلال، بينما تتذرع بعض الدول الأوروبية بحق إسرائيل في الوجود. هذه الذريعة أصبحت غطاءً للظلم والعدوان، وتجاوزت القرارات الدولية، بما في ذلك قرار الأمم المتحدة 242 و338، وحتى الاتفاقيات التي أنشأت السلطة الفلسطينية، التي غدت مجرد خطابات وكلمات على الورق.
اليوم، ومع تصاعد الأحداث، يتساءل العالم: أين السلام العادل؟ وأين العدالة الإنسانية التي يجب أن تحمي حقوق الشعب الفلسطيني؟ الجرائم المستمرة تتحدى أي شعارات عن الإنسانية وحقوق الإنسان، لتطرح السؤال الأكبر: هل هناك من يقف ضد إبادة الشعب الفلسطيني فعليًا، أم أن الرفض مجرد تصريحات إعلامية بلا فاعلية؟
المواقف الأوروبية: بين الاعتراف الرمزي والدعم المستمر لإسرائيل
بعض الدول الأوروبية مثل هولندا، بلجيكا، السويد، وإسبانيا أعلنت اعتزامها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو موقف يبعث برسالة رمزية للفلسطينيين والعالم، لكنه غير قادر على مواجهة الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل، الذي يشكل حاجزًا أمام أي تأثير حقيقي للمواقف الأوروبية.
في المقابل، دول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا حافظت على مواقف داعمة لإسرائيل منذ عقود، وشاركت بشكل مباشر أو غير مباشر في تسهيل سياساتها العسكرية والسياسية، حتى خلال العمليات الأخيرة، بما في ذلك عملية طوفان الأقصى. هذه الدول الأوروبية لا تأخذ في اعتبارها الموقف العربي والإسلامي، مستغلة ضعف التنسيق العربي وصمت المؤسسات الدولية، لتضمن استمرار سيطرة إسرائيل على القرار الدولي.
هل التغير في المواقف الأوروبية حقيقي؟
التصريحات الأوروبية الأخيرة حول وقف إطلاق النار والتنديد بالعدوان تبدو في معظمها استجابة للرأي العام الأوروبي الغاضب، وليس تعبيرًا عن تحول جذري في السياسات الأوروبية تجاه إسرائيل. فالتوازن بين المصالح الاقتصادية والسياسية، وخصوصًا التحالفات العسكرية والأمنية مع إسرائيل، يجعل من أي موقف عملي تجاه العدوان محدود التأثير، وغالبًا شكليًا.
اعتراف أوروبي محتمل: خطوة رمزية أم تحول فعلي؟
أعلنت بريطانيا وفرنسا خلال مداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة حاليًا، عزمهما الاعتراف بدولة فلسطين، وهو تطور يصفه البعض بالتاريخي. لكن، وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والقدس، يظل السؤال حاضرًا: هل يشكل هذا الاعتراف تحولًا حقيقيًا في الموقف الأوروبي، أم أنه مجرد خطوة رمزية لن تغيّر من واقع الاحتلال شيئًا؟
الموقف الأخلاقي الأوروبي: شعارات أم واقع؟
أوروبا التي تتباهى بـ “حقوق الإنسان” والدفاع عن “العالم الحر”، لم تتخذ موقفًا أخلاقيًا صريحًا لحماية الشعب الفلسطيني أو مقدساته الدينية. هذه الشعارات غالبًا ما تتوقف عند حدود الكلمات، ولا تتعداها إلى إجراءات ملموسة، مثل الضغط على إسرائيل لوقف الاحتلال أو احترام قرارات الأمم المتحدة.
القدس: الأرض المقدسة في مرمى الاحتلال
القدس تمثل مقدسات ثلاث ديانات:
- الإسلام: المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
- المسيحية: كنيسة القيامة وأقدس المزارات المسيحية.
- اليهودية: قدسيتها مستغلة سياسيًا لدعم الاحتلال.
العدوان الإسرائيلي على القدس لا يستهدف الفلسطينيين فقط، بل يهدد التراث الديني الإنساني المشترك، ويعكس استغلال الاحتلال للبعد الديني لتعزيز مشروعية سيطرته.
ذريعة السلام: اتفاقيات بلا محتوى
اتفاقيات السلام، مثل اتفاق أوسلو، أنشأت السلطة الفلسطينية بوعد تحقيق دولة مستقلة، لكنها غدت مجرد كلام على الورق، في ظل استمرار الاستيطان والتهجير والاعتداءات على المدنيين والمقدسات.
إن الصمت الأوروبي المتكرر أو الدعوات المحدودة لإنهاء العدوان تمثل غطاءً لتمادي الاحتلال، بينما يزداد الوضع مأساوية على الأرض، ويصبح الشعب الفلسطيني في مواجهة مباشرة مع سياسة الإبادة المستمرة تحت ذريعة الأمن الإسرائيلي.
الخلاصة: أوروبا بين المصلحة والإنسانية
الشعارات الأوروبية عن حقوق الإنسان والسلام العادل غالبًا ما تتقاطع مع المصالح السياسية والاقتصادية، مما يجعل الموقف الأوروبي هشًا ومرتبطًا بالظروف الداخلية، وليس استجابة حقيقية لمأساة الفلسطينيين. حتى الاعتراف الرمزي بالدولة الفلسطينية لا يمكن أن يوقف العدوان أو يحد من الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل.
العدوان على فلسطين والقدس يطرح أسئلة أخلاقية ودينية وسياسية: أين الإنسانية في مواجهة الجرائم؟ هل يمكن أن يكون للاتحاد الأوروبي موقف صادق وفعال؟ أم أن التاريخ الأوروبي سيظل متواطئًا مع الاحتلال تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
حتى الآن، الشعب الفلسطيني وحده يدفع الثمن، بينما الدول الكبرى تتماهي مع الواقع الدولي، وتبقى المأساة قائمة، والمقدسات الدينية في خطر، والأمل في العدالة بعيد المنال.
على العالم أن يتساءل، والشعوب التي كانت مستغفلة ولا تعرف حقيقة القضية الفلسطينية، وتعاطفت مع اليهود، عليها أن تدرك الآن أن ما حدث ويحدث من جرائم لم يكن في القاموس البشري، ولا يمكن أن يتخيله المرء، ولم يحدث حتى في عهود الظلام والحروب والإبادة التي شهدها التاريخ.
إلى أين سيصل هؤلاء البغاة وعديمو الإنسانية، الذين ليسوا من البشر؟ وما هي حدودهم أمام رغباتهم المجنونة بل أفظع من الجنون؟ وهل شعر العالم بالخطر الذي ينتظره من هؤلاء الصهاينة؟