أخبار موريتانياالأخبارتحقيقاتتقارير ودراسات

نازلة قائد الجيوش في حفل استقبال ولي العهد السعودي تعيد جدلية النقاش حول “الرتبة العسكرية” و”المناصب الوظيفة”

الصدى – تقرير/

جانب من مراسيم استقبال ولي العهد السعودي

أثارت مصافحة القائد العام للجيوش، الفريق محمد الشيخ ولد محمد الأمين ،لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في حفل إستقباله الرسمي بمطار أم التونسي الدولي، الكثير من الجدل والنقاش وإشارات الاستفهام ، بحيث كان قائد الجيوش هو آخر من صافح الضيف السعودي ، ضمن طابور قادة الأسلاك العسكرية الأخرى.

ولا حظ بعد المتابعين أن الأمير محمد بن سلمان نفسه ظهرت على وجهه علامات الاستغراب من كون القائد العام يقف في نهاية طابور القادة العسكرين المفترض أنهم تابعين له بحكم الوظيفة.

وذهبت بعض المواقع المحلية المهتمة بالاثارة السياسية ، أن ما حدث يعتبر إهانة بالغة للقائد العام للجيوش دبرها رجال تشريفات الدولة بإيماء من بعض المناوئين للرجل في المؤسسة العسكرية.

فيما يذهب بعض العارفين بقائد الجيوش أنه هو شخصيا من تعمد الوقوف في نهاية الطابور تواضعا منه ، أو ربما لحاجة ما في نفس القائد العام قد تتضح معالمها في قادم الأيام.

ويرى بعض المهنيين والعارفين بقضايا الجيش ، أن القائد العام للجيوش وقف في مكانه المناسب والطبيعي لكون القادة الآخرين أعلى منه رتبة من حيث الأقدمية في الجيش ، فيما يرى البعض الآخر أن منصبه كقائد عام يجعله أعلى مرتبة من الجميع.

نازلة قائد الجيوش تفتح الذاكرة العسكرية من جديد لتحيي النقاش الساخن الصامت داخل الجيش حول جدلية يبدو أنها تحتاج لتدخل قانوني لحسمها، وإغلاق الجدل حولها لما له من مخاطر على الانسجام داخل المؤسسة العسكرية ، لأن كل طرف يتمسك برأيه في غياب مادة قانونية أو مرسوم تنظيمي يجعل حدا لهذا الجدل.

المرحوم الرئيس السابق المصطفى ولد محمد السالك قائد أول انقلاب عسكري في البلاد سنة 1978م

ظهرت هذه النازلة لأول مرة بعد الانقلاب العسكري على أول رئيس مدني حكم البلاد المرحوم المختار ولد داداه سنة 1978م عندم سيطر الجيش على مقاليد الحكم في البلاد ، حيث ظلت هذه النازلة تثير الحساسيات بين كبار الضباط ولعلها كانت وراء الكثير من الصراعات التي ظلت تعصف باللجان العسكرية التي حكمت البلاد.

ومن أبرز تجلياتها وصول المقدم محمد خونا ولد هيدالة لمنصب رئيس الدولة، في الوقت الذي يوجد في الجيش منهم أحق منه من حيث الرتبة والأقدمية ، وهنا وجد كبار الضباط خاصة العقداء والمقدمون الأكثر أقدمية من الرئيس ولد هيدالة أنفسهم مضطرون لأداء التحية العسكرية لضابط يحمل رتبة دون رتبتهم العسكرية ، وهو أمر لا ينسجم البتة من النظم العسكرية الداخلية ، وهنا برزت مادة قانونية تقول أن ” الوطيفة فوق الرتبة العسكرية” (la fonction prime le grade)، لكن هذه المادة والى يوم الجيش هذا لم تكتب في الأوراق كي تقرأ بالأحداق.

المقدم محمد خونا ولد هيدالة رئيس سابق للدولة

ومن الطرائف المثيرة أن قيادة الجيش أحضرت للرئيس ولد هيدالة قائمة التقدمات العسكرية بإحدى مناسبات عيد الاستقلال الوطني، لامضائها بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة ، وضمن قائمة الضباط كان يوجد الضابط محمد خونا ولد هيدالة الذي تقدم من رتبة مقدم لرتبة عقيد ، ولكن ولد هيدالة لما ألقى نظرة على القائمة أمضى كل التقدمات باستثناء تقدمه هو ، معتبرا أن رئيس الدولة لا حاجة له برتبة عقيد.

وقد يكون الجيش حينها حاول بذكاء ودهاء ترفيع ولد هيدالة لكي يضع حدا لزعامة مقدم عسكري على عقداء وضباط سامون.

لكن الغريب أن الرئيس ولد هيدالة استفاد من تقدمه كعقيد في السنوات الأخيرة بعد الانقلاب العسكري الذي اطاح بولد الطايع.

تعيد أيضا هذه “النازلة” لأذهان الجيش حادثة العقيد (المتقاعد حاليا) سيديا ولد يهي المشهورة في حفل رفع العلم بمناسبة عيد الاستقلال في باحة القصر الرئاسي سنة 2006م أيام حكم المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية برئاسة المرحوم العقيد إعلي ولد محمد فال ، حيث كان المجلس يومها يمثل السلطة التشريعية في البلاد بعد تعطيل الدستور  على خلفية الانقلاب ، وكان ترتيب المجلس يمنح الرتبة الاولى للعقيد

المرحوم العقيد اعلي ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الذي اطاح بولد الطايع سنة 2005م

إعلي ولد محمد فال (رئيس المجلس) والثانية للعقيد عبد الرحمن ولد بوبكر (قائد أركان متقاعد حاليا) ، والثالثة للعقيد محمد ولد عبد العزيز (رئيس الجمهورية الحالي)، والثالثة للعقيد محمد ولد الشيخ محمد أحمد (قائد جيوش سابق ،وزير الدفاع الحالي)

وخلال ترتيبات حفل رفع العلم الوطني وصل العقيد ولد يهي ، وكان يومها أقدم عقيد في البلاد، وتوجه للنقطة المحددة التي يجب أن يقف فيها أمام العلم ، لكن رجال التشريفات طلبوا منه تغيير المكان لأن قادة المجلس العسكري سيحلون بالمكان نظرا لمناصبهم التنفيذية والتشريعية ،وهو الأمر الذي لم يستسغه العقيد ولد يهي المشهور بصرامته العسكرية وتعلقه بالقيم العسكرية السامية ، وبعد إصرار رجال التشريفات قال لهم  “سامحوني هذا لا استطيع مشاهدته سأغادر، وفعلا غادر الحفل نهائيا، لانه لا يستطيع أن يشاهد رتبته العسكرية تداس ولو بمبررات لا تفتقد حظا من المنطق ، لكنه منطق السياسة لا منطق العسكر.

خلاصة القول أن مؤسستنا العسكرية ، مدعوة في ظل التحديث الشامل الذي تشهده على مستوى البنى التحتية والتنظيمية، أن تضع حدا لهذا الجدل ، ولهذه النازلة المثيرة ، وذلك وبوضع نص قانوني يحدد ويضبط الوضعية ، لأنه فعلا يستساغ بلغة المنطق أن يكون هناك قائد أرفع رتبة من القائد العام للجيوش ، كما لا يعلق أن يتم تجاوز الرتب العسكرية لما لها من قدسية في النظم العسكرية المحلية والعالمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى