الأخبارمقالات و تحليلات

الرؤساء وآفة اختلاس المال العام : من مذكرات الرئيس المؤسس المختار ولد داداه رحمه الله

يتعرض العالم الثالث لكارثتين هما اختلاس الأموال العمومية والرشوة. وكان في الأمكان أن تصيبني عدوى واحدة منهما، لكن وقاني الله شر ذلك. فلو كنت أرغب في اختلاس الأموال العمومية لاقترفت ما أشاء من الاعتمادات الخاصة أو الاعتمادات السرية الموضوعة تحت تصرفي، وهي اعتمادات تستخدمها كل حكومات العالم وسيلةً للعمل السري الذي هو في حقيقة أمره طريقة لشراء ضمائر البعض أو التأثيرعليهم لفائدة المصلحة العامة نظرياً.
وفي الفترة التي توليت فيها قيادة البلد، كانت تلك الاعتمادات متواضعة ومسجلة كما هي في ميزانية الدولة خلافاً للقاعدة المطبقة دولياً في هذا الشأن. ومهما يكن فإن تلك الاعتمادات تفتح باباً واسعاً للاختلاس! فطريقة تسييرها لا تخضع لأي إجراء محاسبي. وزيادة على ذلك فإن الآمر بالصرف لا يقدم أي تقرير عن الأوجه التي أُنفقت فيها، وهو يتصرف في الوقت نفسه في نقود جاهزة حسب ما يحلو له. ولذا كان تصور الشعب أن كل من يسير هذه الاعتمادات سيختلسها! وهو أمر مرتبط بضمير كل مسيِّر.. أما بالنسبة لاستخدام تلك الاعتمادات، فقد وظفتُها في مجالاتها المألوفة جداً، وإن كنت أعترف أنني وجّهتها أحياناً لصالح الفقراء الذين لم تكن موجّهة إليهم في الأصل. وفي الوقت نفسه لم أشأ مطلقاً أن أتولى التسيير المادي المباشر لهذه الاعتمادات، بل كان مدير ديواني يتولى ذلك ويتكفل بالمحاسبة من خلال دفتر يسجل فيه المبالغ التي آمر بتوزيعها وأسماء المستفيدين منها. وهو يحتفظ بالأموال وبالدفتر في خزنة داخل مكتبه، وبحوزته وحده مفتاحُها. ولم أراقب عملياً ذلك التسيير، فأنا واثق بمن توالَوا على إدارة ديواني وأصدّقهم بغير دليل.

المختار ولد داداه/ «موريتانيا على درب التحديات»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى