“انتفاضة الأقصى الثانية” عوامل الاشتعال والاستمرارية / هيثم أبو الغزلان
ليس صحيحًا أن “إسرائيل” لم تكن تتوقع تفجّر الأوضاع في المسجد الأقصى والقدس. وليس صحيحًا أن أجهزتها الأمنية والشرطية قادرة على وقف هذه الانتفاضة. وليس صحيحًا أيضًا أنها لا تتوقع الأسوأ، سيما أنه لا يمكن لأحد التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، خصوصًا مع التصعيد “الإسرائيلي” الذي يحاول استغلال المعطيات السياسية والأمنية الإقليمية والدولية لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه..
وإذا عدنا إلى شهر تشرين أول/ أكتوبر من العام 2014، كتب “عاموس هرئيل”، تحت عنوان: “انتفاضة المدينة”، في صحيفة “هآرتس″: “العنف يتفاعل على الأرض في مدينة القدس.. وأن اهتمام الجمهور الاسرائيلي يتركز على ما يمكن تعريفه كانتفاضة مدينية تحدث..”. وكتب “دان مرغليت” في الشهر والعام نفسه في موقع “إسرائيل اليوم”: “التعرض الفلسطيني لليهود في القدس يزداد عمقًا، وهو انتفاضة تقريبا..”. أما “نير حسون” و”عاموس هرئيل”، فكتبا في الفترة ذاتها، متناولين تسلسل الأحداث في القدس، وقالا إنها: “..انتفاضة مدنية بالمعنى الأصلي لهذه الكلمة: فهناك نضال شعبي جماعي مصدره الشارع في الأساس يقوده شباب وفتيان، ويُعبّر عنه في الأساس استعمال وسائل عنيفة دون استعمال السلاح الحي وهي الرشق بالحجارة ورمي الزجاجات الحارقة وعمليات دهس بسيارات”.. ويعتبران أن “إسرائيل قد أسهمت من جهتها في تأجيج الحريق بالنشاط الذي لا يتوقف لمنظمات دينية ولساسة من اليمين لتغيير الوضع الراهن في جبل الهيكل”.
وعقب اندلاع الانتفاضة في القدس مؤخرًا، أشارت وسائل إعلام إسرائيلية، إلى أن قسم الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي وضع قبل عامين تحذيرًا استراتيجيًا أمام القيادة السياسيّة حول إمكانيّة اشتعال الأوضاع في الضفّة الغربيّة. وذكرت إلى أن الأمر كاد أن يتحقق مع موجة العمليات الفرديّة التي أدت لمقتل أكثر من أربعين إسرائيلياً إما طعناً أو دهساً أو بالرصاص.
ومع تفجر انتفاضة القدس في أواخر العام 2015، عملت القيادة الإسرائيلية، على استغلال بعض الثغرات لتشكك بإمكانية استمرار الإنتفاضة، في الوقت الذي عملت فيه على إجهاضها، فكتبت “عميره هاس″ في صحيفة (هآرتس)، تحت عنوان: “هبّة يتيمة”، أن ثلاثة أسباب تمنع “الهبة المحدودة” من أن تكون انتفاضة، فهي: 1- ليس لها قيادة. 2- أو مطلب سياسي موحد وواضح. 3- وليست شعبية.
أما “انتفاضة الأقصى الثانية” الحالية، فهي تتمتع بعمق شعبي واضح، وهدف مُعلن وواضح أيضًا، وقيادة.. فأهالي القدس رفضوا ولا يزالون يرفضون المرور عبر البوابات الإلكترونية، ويرفضون كافة بدائل هذه البوابات: آلات كشف المعادن، وأجهزة الكشف اليدوية.. وعبّر مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني عن هذا الرفض، قائلًا: “سنواصل الاعتصام خارج أسوار الحرم حتى إزالة البوابات الإلكترونية وإلغاء إجراءات الاحتلال بحق الأقصى”. وهذا يعني أن الأهالي يدركون جيدًا أن حكومة الاحتلال تسعى إلى فرض واقع سياسي على الأقصى بشكل خاص، وعلى القدس بشكل عام، ما يجعل الدفاع عن الأقصى هو دفاع عن العقيدة، وليس عن الأرض فحسب، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشّريفين ومعراج الرّسول صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن التخلي عنه، أو التقصير في الدفاع عنه. وهذا ما ثبُت فعليًا من خلال التصدي بالصدور العارية لقوات الاحتلال، وتنفيذ عملية”الجبارين” الثلاثة، وعملية الأسير الجريح: “عمر عبد الجليل” في مستوطنة “حلميش”، واللتين أكدتا وبشكل واضح على عدم الانصياع لإرادة المحتل، ترافق ذلك مع اعتبار الصلاة في الأقصى لمن يدخل عبر الإجراءات الإسرائيلية باطلة، والإبقاء على الصلاة أمام بوابات المسجد الأقصى، وفي الشوارع المؤدية إليه. كما أن الجماهير رفضت الرضوخ لبعض النخب والقيادات التي دعت إلى “عودة الهدوء”، وترك الأمر للمفاوضات مع حكومة بنيامين نتنياهو الذي يسعى وحكومته إلى تنفيذ مخطط السيطرة الفعلية على الأقصى. واعتُبر هدف بعض المذعورين بأنه يلتقي مع هدف الاحتلال الإسرائيلي في منع استمرار الانتفاضة، وقد نقلت صحيفة (هآرتس) العبرية عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله إن “هدفنا الاستراتيجي هو منع حدوث انتفاضة ثالثة…”. وهذا يُعبّر عن مدى المخاوف والمخاطر المتوقعة جراء الأحداث الجارية، ويُعزز ذلك، إعلان رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن، ولأول مرة وقف كافة الاتصالات مع “الجانب الإسرائيلي”، وهو ما رحبت به حركة الجهاد الإسلامي على لسان نائب أمينها العام، زياد النخالة، وسبقه تهديدات جدّيّة من فصائل المقاومة الفلسطينية بفتح جبهة غزة إذا تطورت الأمور، ليترافق ذلك أيضًا، مع تحذيرات إقليمية ودولية من خطورة ما يجري في المسجد الأقصى والقدس والانعكاسات الخطيرة المتوقعة وغير المتوقعة إذا ظلّت الأمور آخذة في الاتجاه التصاعدي..
رأي اليوم