كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر / بقلم : ا.د كريم فرمان
إن مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض أنها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات أو حضور مناسبات والتمتع بمزايا وتسهيلات عدة.
السفارة من أعقد و أصعب الوظائف لأنها ترتبط بمهمة الدبلوماسية التمثيل والتفاوض نيابة عن البلد.
كان لي صديقا سفيرا مميزا وموهلا تأهيلا علميا عاليا فهو تحصل على الماجستير من جامعة هرفارد والدكتوراة في العلاقات الدولية من جامعة كامبردج وامتلك رصيدا من الخبرة والممارسة ليس أقلها انه أعتمد سفيرا لبلده في كندا ومع ذلك فشل في مهمته وعندما سألته يوما عن السبب أجابني لقد كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر!!
نعم مع توفر متطلبات التأهيل واللغة الأجنبية والممارسة على السفير أن يتحلى بالصبر ورباطة الجأش في المواقف المختلفة. يذكر أحد سفراء السودان الذي ذهب لتقديم أوراق اعتماده إلى امبراطور اثيوبيا هيلا سيلاسي في القصر الامبراطوري “استقبلني مدير التشريفات وأجلسني في بهو الانتظار ثم انسحب وفي هذه الاثناء كنت وحيدا وإذا بدخول أسد كبير الحجم إلى البهو وأخذ يقترب مني شيئا ثم شيئا وأنا تسمرت في مقعدي ونشف دمي وبدأت بقراءة الشهادة فماذا عساني أن أفعل في هذا الموقف المفاجيء هل أصرخ وعلى بعد أمتار ينتظرني الامبراطور حتى عاد مدير التشريفات ونهر الأسد المدرب يبدو جيدا وخرج فطلبت قدحا من الماء ثم أدخلت على الامبراطور لتسليم أوراق اعتمادي وكان مبتسما ويبدو أنها كانت لعبته المفضلة ويرى المشهد عبر زجاج مضلل فهمس لي كنت شجاعا وصبورا سعادة السفير.!!
يقول الراحل الشيخ جميل الحجيلان السفير السعودي السابق لدى فرنسا إذا اتقنت فن الحوار فانت اجتزت ثلثي النجاح في السفارة.
مؤكد أن فن الحوار ومتى تتكلم ومتى تنصت مهارة أيضا.
ويقول أستاذنا في جامعة بنسلفانيا برفسور تيري رامسي على الدبلوماسي الناجح أن يتكلم كثيرا ولا يقول إلا القليل!!
صحيح هذا لأن كلمات السفير تسمع وتدقق وتحلل من طرف مسؤولي الدولة المستضيفة.
والسفير لأنه يمثل رئيس الدولة بصفته فانه على تماس مباشر مع وزارة خارجيته يتلقى منها التعليمات و أحيانا تأتيه تعليمات مباشرة وفورية من الملك أو الرئيس خصوصا في تطورات عاجلة وطارئة.
ذكر لي السفير العراقي السابق لدى تركيا طه الجبوري بأنه خلال الحرب العراقية الإيرانية و”بينما كان رئيس وزراء تركيا آنذاك توركوت أوزال يقوم بزيارة إلى طهران وهو موقف استفز العراق ولكن بعيد منتصف الليل رن هاتف منزلي طويلا فاستيقضت لعل امرا هاما واذا وكيل الخارجية التركية يقول لي بحزم سعادة السفير ارتدي ملابسك فورا وتعال للخارجية الان السيد الوزير هنا ينتظرك لامرا خطير!!
ذهبت واذا الوزير يخاطبني بتوتر سعادة السفير إن السيد رئيس الوزراء توركوت اوزال حياته في خطر داهم لأن الصواريخ العراقية تنهال على طهران وبالقرب من فندق اوزال حتى تهشم زجاج غرفة نومه!!
يرجوني باسم الحكومة التركية والصداقة أن اتصل الآن بالرئيس صدام حسين هاتفيا وابلاغه الطلب..”
يضيف الجبوري إنها ليست مسألة سهلة في توقيت غير مناسب وأين أجد الرئيس صدام فتناولت الهاتف واتصلت على القصر الجمهوري لأخبر المرافق الخافر بالأمر والالحاح عليه أن يصلني بالسيد الرئيس أو ينقل له الطلب المستعجل، وبعد ربع ساعة جاء الاتصال من بغداد بموافقة الرئيس على وقف إطلاق الصواريخ لمدة ثلاث ساعات لكي يغادر اوزال طهران. حمدت الله وشكرته على تجاوز ذلك الموقف الصعب.
عادة تختار الدول سفراءها وفقا لتقاليد معينة مدى قرب السفير المرشح من ثقافة البلد المبعوث اليه من ناحية التاريخ والثقافة والاهتمام وليس له اشكال او موقف سلبي من ذلك البلد ،ولكن الطريف في اختيار السفراء ما كان يطلبه العقيد الليبي الراحل معمر القذافي من مواصفات حيث ذكر عبد الرحمن شلقم وزير الخارجية الليبي الأسبق أن العقيد القذافي طلب مني ترشيح سفير إلى السودان يكون اسمه عمر البشير لعل الإسم يلامس وترا عاطفيا لدى الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير.
وكذلك طلب مني ترشيح سفير إلى موريتانيا يكون اسمه معاوية يشبه اسم رئيس موريتانيا الأسبق معاوية ولد الطايع، ويضيف شلقم ان مثل اسم معاوية نادر في ليبيا إلى أن وجدنا أحدا يحمل الاسم في جنوب ليبيا يعمل مدرس ثانوية و أرسلناه سفيرا الى نواكشوط ولكن للأسف فان الأول فشل في مهمته ولم يقابل البشير الا مرة واحدة عند تقديم أوراق اعتماده أما الثاني فترك نواكشوط بعد عام واستقال!
السفير وظيفة غاية في التعقيد والمهام لأن أي تقصير أو خطا يحسب على دولته وليس شخصه رغم كل المزايا والحصانات والظروف.
الاختيار الناجح هو الوسيلة الأسلم لنجاح السفير في تحقيق هدف التكليف له. كفاءة وتأهيل وممارسة ومهارات كلها عتاصر النجاح.