الأخبارمقالات و تحليلات

11 علاجاً لأزمة الديون الدولية / د. محمود محيي الدين

د. محمود محيي الدين
المبعوث الخاص للأمم المتحدة لأجندة التمويل 2030. شغل وظيفة النائب الأول لرئيس البنك الدولي لأجندة التنمية لعام 2030، كان وزيراً للاستثمار في مصر، وشغل منصب المدير المنتدب للبنك الدولي. حاصل على الدكتوراه في اقتصادات التمويل من جامعة ووريك البريطانية وماجستير من جامعة يورك.

في حوار جرى في الفاتيكان، الشهر الماضي، بمناسبة تدشين تقرير اليوبيل عن أزمتي الديون والتنمية، كان قد كلف بابا الفاتيكان الراحل فرانسيس فريق عمل اقتصادياً وقانونياً بإعداده برئاسة الاقتصادي الحائز على «جائزة نوبل» جوزيف ستيجليتز، أثير تساؤل عما إذا كانت القروض المتراكمة على البلدان النامية لأغراض الإنتاج أم هي للاستهلاك؟ وذلك باعتبار أن قروض تمويل الإنتاج أنفع للاقتصاد وأقدر على سداد أقساطها من عوائدها، أما إذا كانت للاستهلاك، أو لغير قطاعات الإنتاج، فستهدر بلا عائد.

وقد آلت أمور الاقتراض إلى وضع صارت فيه القروض الجديدة تُستجلب لسداد أعباء قروض قديمة، فلا هي أسهمت في تمويل الاستثمارات المنتجة، أو شاركت في سداد نفقات الاستهلاك. هذه من ملامح الأزمة الصامتة للديون الدولية التي جعلت المقترضين يستمرون في حلقة الاستدانة، وإن تجاوزت خدمة الديون من الموازنات العامة ما يُنفق على التعليم والصحة، خصوصاً بعدما وصل عبء تكلفة فوائد القروض وحدها إلى ما يقترب من الضعف خلال السنوات العشر الماضية. وكأن هذه البلدان اختارت ألا تتخلف عن سداد الديون بتخلفها عن تحقيق أهداف التنمية.

وقد اشتركت أطراف متعددة في الوصول إلى هذه الأزمة فاتبعت بلدان نامية نهج الاستدانة، بدايةً من عهد انخفضت فيه أسعار الفائدة، فلم تتحوط كما ينبغي ضد تغيّر أسعار الفائدة أو اضطرابات سعر الصرف، أو قصر آجال الاستحقاق. وكان الأولى بهذه الحكومات أن تضبط موازناتها وتحشد مواردها المحلية، وأن تعدل نموذج النمو المتبع ليعتمد على الاستثمارات الخاصة حيث تتميز وتربح، ومنها تحصّل ضرائبها، وأن تدعوها للمشاركة في مشروعات البنية الأساسية والطاقة، التي تشكل أغلب احتياجات التمويل، بدلاً من اللجوء للاستدانة بتبعاتها.

يذكرنا مارتين جوزمان الأستاذ بجامعة كولومبيا ووزير الاقتصاد الأرجنتيني الأسبق، في مداخلته بمنتدى باريس الذي عُقد منذ أيام، بأن المسؤولية ممتدة أيضاً إلى الدائنين الذين قدموا قروضاً وهم على علم بارتفاع مخاطر عدم السداد، فبالغوا في رفع أسعار الفائدة مقابل المخاطر، ثم تقاعسوا عن تخفيف أعباء الديون عندما صارت المخاطر واقعاً.

كما لا يمكن للمؤسسات المالية الدولية أن ترتدي مسوح البراءة، فهي ضالعة في الأزمة شريكاً في بطء إجراءات التسوية بين الدائنين والمدينين في حالة إعادة الهيكلة. كما تسامحت بتوجيه تمويلها الميسر طويل الأجل لدول نامية على شفى التعثر لتستخدمها في سداد ديون القطاع الخاص، بدلاً من التنمية.

لذا أصبح لزاماً أن تُعد إجراءات التعامل مع الديون وفقاً لعدة اعتبارات، منها ضرورة التمييز بين حالات نقصان السيولة، وحالات عدم القدرة على السداد، وكذلك هيكل المديونية وطبيعة الدائنين بين قطاع خاص وحكومي، وعلينا إدراك أن التعرض لمخاطر الديون ليس قاصراً على البلدان منخفضة الدخل، بل تطول الدول متوسطة الدخل أيضاً، وأن من مجمل 54 دولة أفريقية هناك 31 دولة متوسطة الدخل. أخذنا هذه الأمور في الاعتبار كمجموعة كلفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لوضع حلول عملية لأزمة المديونية. وضمت هذه المجموعة تريفور مانيول وزير مالية جنوب أفريقيا الأسبق، وباولو جينتيلوني رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق، ويان وانغ الأستاذة بجامعة بوسطن، وكاتب هذه السطور. راعينا أيضاً أنه لكي تتحقق الفائدة المرجوة لا ينبغي فقط تحري السلامة العلمية للمقترح فهذا شرط ضروري، أما الشرط الكافي فهو القابلية للتطبيق عملياً خصوصاً في ظل الاضطرابات الجيوسياسية. وقد انتهت المجموعة إلى المقترحات الآتية مقسمة إلى ثلاثة مستويات:

«النظام» المالي العالمي

1. التدعيم المالي لآليات إتاحة السيولة وتخفيف أعباء الديون في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على أن تشمل البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل.

2. تطوير إطار مجموعة العشرين لمعالجة الديون ليشمل البلدان متوسطة الدخل، وإيقاف تحصيل الأقساط أثناء إعادة هيكلة المديونيات، مع اختصار مدد التفاوض، وتحفيز مشاركة دائني القطاع الخاص من خلال آلية صندوق النقد الخاصة بالإقراض حال وجود متأخرات في السداد.

3. تفعيل متوازن لإجراء إيقاف خدمة الديون في أوقات الأزمات والصدمات المهددة للقدرة على السداد.

4. مراجعة تحليل استدامة الديون للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، سواء للدول منخفضة أو متوسطة الدخل.

5. إعادة توجيه فوائض حقوق السحب الخاصة غير المستغلة واستخدامها في ضخ السيولة، وإعادة شراء الديون، وتدعيم القدرة التمويلية للمؤسسات التنموية الدولية.

التعاون الدولي خصوصاً بين بلدان الجنوب:

1. تأسيس مركز للمعلومات والدعم الفني والابتكار المالي لتقديم النصح بما في ذلك فيما يتعلق بآليات مبادلة الديون.

2. تأسيس منتدى للمقترضين للتشاور والتنسيق في المحافل والمنظمات الدولية وتدعيم إمكاناتهم المؤسسية.

3. دفع قدرات وحدات إدارة الديون.

مقترحات على مستوى الدولة:

1. تدعيم المؤسسات والسياسات للتعامل مع مخاطر السيولة وأسعار الصرف والفائدة بما ذلك ضوابط الاقتراض بالعملة المحلية.

2. تطوير نوعية المشروعات القابلة للاستثمار وتعبئة الموارد المحلية والمشاركات الدولية من خلال منصات متخصصة.

3. تخفيض تكلفة التمويل والمعاملات المتعلقة بمبادلة الديون وأدوات الابتكار المالي وربطها بالسياسات العامة وخطط التنمية والتخلي عن نهج الصفقات المتناثرة.

حتى يتحقق المرجو من هذه المقترحات في تخفيف أعباء الديون القائمة، ومنع أزمات قادمة، يجب أن تطبق بفاعلية في إطار تعهدات التمويل التي تجري مناقشتها مع كتابة هذه السطور في إشبيلية بإسبانيا، من خلال فعاليات المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية.

 

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى