ماذا بقي لفرنسا من دروس تقدمها للعالم في الديمقراطية؟ / محمد مسلم
بتكليف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، السياسي اليميني، ميشال بارنيي، لتشكيل الحكومة بعد أزيد من شهرين من أزمة سياسية خانقة، تكون فرنسا قد خسرت الكثير من الأشياء، أبرزها أنها لم تعد مثالا يحتذى به في احترام القيم الديمقراطية، ومن ثم لم تعد مؤهلة لإعطاء الدروس للآخرين على هذا الصعيد.
وعلى الرغم من أن ميشال بارنيي ينتمي لحزب “الجمهوريون”، الذي لم يحتل لا المرتبة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة، إلا أنه أصبح بين عشية وضحاها رئيسا للحكومة بقرار سياسي من الرئيس الفرنسي، اعتبر من قبل القوة السياسية الأولى “الجبهة الوطنية الجديدة”، خروجا عن التقاليد الديمقراطية المتوارثة في فرنسا، و”سرقة” للإرادة الانتخابية للفرنسيين، داعين إلى “أقوى تعبئة ممكنة” يوم السبت السابع من سبتمبر 2024، ضد ما سموه “انقلاب القوة”.
ووُصف قرار ماكرون بـ”الانقلاب”، لأنه اختار شخصية سياسية من الحزب الذي احتل المرتبة الرابعة في الانتخابات التشريعية التي جرت في 30 جوان المنصرم، لقيادة الحكومة، وهو ما جعل النائب جيروم لوغافر عن حزب “فرنسا الأبية” يعتبر تكليف بارنيي بأنه اختيار مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف، الذي احتل المرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية.
وغرد جيروم لوغافر عبر منصة “إكس” قائلا، إن رئيس الحكومة المكلف كان دائما محترما لدى حزب “التجمع الوطني” أو الجبهة الوطنية المتطرفة سابقا، وقريبا من برنامجه اليميني المتطرف خاصة فيما يتعلق بملف الهجرة، وبالتالي أصبح لدينا حكومة ماكرون لوبان في فرنسا.
كما اعتبر رئيس الحزب الاشتراكي (أحد أحزاب التكتل اليساري) أوليفيي فور، على منصة “إكس”- ما صدر عن ماكرون، بأنه “الإنكار الديمقراطي الذي وصل إلى ذروته، رئيس وزراء من الحزب الذي جاء بالمركز الرابع ولم يشارك حتى في الجبهة الجمهورية ضد اليمين المتطرف” ملخصا القضية في كونها “أزمة نظام”.
ويوصف قرار ماكرون بأنه ضربة موجعة للتقاليد الديمقراطية في فرنسا، فالتكتل السياسي الفائز في الانتخابات التشريعية هو التيار اليساري بكل أطيافه، في حين أن رئاسة الحكومة عادت للتيار اليميني بما فيه الجناح المتطرف، الأمر يدلل على قوة النكسة التي تعرضت لها صورة فرنسا في العالم، وهي التي تحاول في كل مرة إعطاء الدروس للآخرين عندما يتعلق الأمر بالانتخابات وانتقال السلطة في بلدان العالم الثالث.
ومهما حاول الساسة في فرنسا مستقبلا تبرير ما حصل، فلن يستطيعوا أن يقنعوا أيا كان، لأن التقاليد الديمقراطية تقتضي إعطاء الفرصة للحزب أو التكتل الفائز في الانتخابات لتشكيل الحكومة، وعندما يفشل في ذلك، ينتقل إلى الطرف الذي حل ثانيا في الانتخابات، كما حصل في إسبانيا، حيث كلف ألبيرتو نونيث فايخو، باعتباره رئيس “الحزب الشعبي” الفائز في الانتخابات التشريعية، وعندما فشل في نيل ثقة البرلمان، تم الانتقال للخيار الثاني، ممثلا في بيدرو سانشيز، الذي عاد للحكومة لأنه نجح في تحقيق النصاب المطلوب، فعاد للحكومة وهو الذي خسر الانتخابات، ولذلك لم تتحول القضية في إسبانيا إلى فضيحة سياسية كما هو حاصل اليوم في فرنسا.
وتشير التقارير الإعلامية القادمة من باريس، إلى أن رئيس الوزراء الفرنسي المكلف سيضع على رأس أولوياته محاربة الهجرة، بل سيتخذ قرارا متطرفا وغير مسبوق، يتمثل في وقف الهجرة لمدة تتراوح ما بين ثلاث وخمس سنوات، وهذا يعتبر توجها يمينيا متطرفا لطالما دعا إليه حزب “التجمع الوطني” الذي أسسته عائلة لوبان منذ عقود ممثلا في الجبهة الوطنية، وبهذا يفرض على الفرنسيين برنامجا يمينيا متطرفا، رغم أن غالبيتهم صوت لبرنامج يساري يدافع بقوة عن الهجرة والمهاجرين. فماذا بقي لفرنسا من دروس تقدمها للآخرين في الديمقراطية؟
الشروق أونلاين