الأخبارفعاليات

الدكتور الشيخ ولد الزين يلقي محاضرةعن التصوف فى المؤتمر الدولي للتصوف في ندوة نظمها الوقف السني بالعراق

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على النبي الكريم
كلمة الدكتور الشيخ ولد الزين ولد الامام
فى المؤتمر الدولي للتصوف الذى نظمه الوقف السني بالعراق
تحت عنوان
كيف يسهم منهج التصوف فى وحدة الأمة !

أود فى مبتدإ مداخلتي أن أشكر الله أولا وأخيرا على ما أولى من الكرم والفضل نحمده ونستغفره ونستهديه ونستزيده من النعم الظاهرة والباطنة فهو المتكرم على خلقه سواء منهم من آمن ومن كفر و من أقر ومن جحد ..
نستزيده فى النعم توسلا له بالرحمة المهداة محمد صلى الله عليه وسلم فما لنا من ملجئ ولا مندوحة سواه ..
بعدهذا فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله وإننا لشاكرون من جمع هذا الجمع ورتب هذا المؤتمر وسعى فى حصوله معالي الأستاذ الدكتور مشعان الخزرجي رئيس ديوان الوقف السني حفظه الله .. وشاكرون للعراق حكومة وشعبا وممتنون للحضرة القادرية المباركة استضافتها أعماله ..
أيها السادة والعلماء المشاييخ الكرام جئتكم من شنقيط الذين قال قائلهم :
إن لم يكن شنقيط فيه زمزم
فله فى العلم أصل أقدم
لست خير من يمثل بلاد شنقيط لكن ربما بفضل الله وببركة هذه الحضرة المباركة حضرة سيدي عبد القادر الجيلاني تأتي الواردات فتغني عن المكتسبات ..
ليس غريبا أن يقود العراق الأمة فقد قادها لقرون ..
وليس غريبا أن يجتمع أهل التصوف هنا أليست هذه دار قطب الأقطاب سيدي عبد القادر الجيلاني ..
لا غرو إذن أن نجتمع هنا من أجل النظر فيما يرفع من الشهود الحضاري للأمة وفيما يوحدها وهذه المرة لمدارسة ما يمكن أن يساهم به التصوف والمتصوفة فى وحدة الامة والرفع من مكانتها وحضورها وشهادتها على العالم ..
ليس من الضروري البحث فى تعريفات التصوف فلم يترك السلف للخلف مزيدا فلقد ملئت التصانيف ودبجت المؤلفات فى تعاريفه بما لا مزيد
عليه ..
فالتصوف أضحى مثل الماء ولله در سيدي خليل عندما حد الماء الطهور بقوله فى المختصر : هو ما صدق عليه اسم الماء بلا قيد ..
كذاك التصوف فى تصورنا اليوم هو ما صدق عليه اسم تصوف بغض النظر عن عوارضه وأحواله وإمداده واستمداده ..
ذلك لأن الإنشغال بالعوارض والماهيات والإمداد والإستمداد سيشغلنا عن قصدنا وهو كيف يساهم ما صدق عليه اسم التصوف عموما من حيث المنهج والخواص العامة فى وحدة الأمة الاسلامية اليوم وهل يمكن أن يساهم فى نهضتها ؟
بالنسبة لي اعتبر ان منهج التصوف قد يكون مفيدا لخواص مهمة تخصه دون غيره من المدارس الإسلامية : أ
فأما الخاصية الأولى فهي الاعتراف بالآخر وعدم احتكار الحقيقة
وأما الخاصية الثانية فهي إلزامية القدوة لأن الشيخ ركن لا غنى عنه فى التصوف ..
وأما الثالثة فهي حيث اعتماد السلمية كمنهج للإصلاح عند المتصوفة ..
أظن أن استدعاء هاته الخواص قد يكون مفيدا لما فيه الأمة ..
فأما الخاصية الأولى وهي عدم احتكار الحقيقة والإعتراف بالآخر فمردها عند أهل التصوف هو أن أمرهم مبني على الواردات لا على المكتسبات
ولئن كان التنافض حاصلا فى المعارف فى بعض الأحيان فإنه مستبعد فى الواردات ولقد قال تعالى 🙁 كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاؤك ربك محظورا ).
فالواردات الإلهية غير متناهية وربما خص المتأخر بما لم يخص به المتقدم و ما لم يخص به المعاصر والعالي والنازل الى منتهى المنازل والأماكن والأزمنة ..
و أما الخاصية الثانية فهي إلزامية القدوة من شيخ وأستاذ ووالد مربي وفى سياقنا هذا أود مناقشة مسلمة لهما تأثير وأي تأثير على ما نحن بصدده ..
فلقد شاعت مسلمة مفادها ( أعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق
بالرجال )
وهذه المقولة قد أسست لثقافة شاعت فى الأوساط العلمية والثقافية نتج عنها انفراط عقد الأمة فتحللت من المرجعيات الروحية والعلمية وأضحت رؤوس الأمة تزيد على عدد أفرادها ..
بالنسبة لمنهج التصوف فلا بد من شيخ مجيز ومن لا شيخ له فالشيطان شيخه
ولقد قال ابن عاشر
يصحب شيخا عارف المسالك
يقيه فى طريقه المهالك
يذكره الله إذا رآه
ويصل العبد الى مولاه
إن غياب المشيخة سواء كانت علمية أو صوفية وغياب الاهتمام بالقدوة أثر كثيرا على الأمة فأدى ذلك الى تصدر أقوام يريدون الإصلاح حسب زعمهم لكنهم يتنكبون سبيله فى اغلب الأحيان ..
ولعل استدعاء مركزية الشيخ والمربي والأستاذ والفقيه ومركزية العلم قبل العمل قد تكون مفيدة للأمة بعد خرجت على الامة فئام من الناس ينعقون مع كل ناعق يؤثر فيهم الانترنت والفيسبوك أكثر مما يؤثر فيهم الوالد والشيخ والاستاذ والمربي ..
وأما الخاصية الثالثة وهي خاصية المسالمة والموادعة للخلق والسعي لإصلاحه بالحسنى والكلمة الطيبة والأسوة الحسنة
فإننا نريد التأكيد على أهميتها من خلال نقض مقولة أما مقولة اعتبرها الشاعر أبوتمام مسلمة أو كالمسلمة عنما قال :
السيف أصدق أنباء من الكتب فى حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف
فى متونهن جلاء الشك
لعله من المهم الإقرار بأن مسلمة أبي تمام لها شواهد في ماضي البشرية وواقعها تسندها وتؤكدها لكنه هناك أيضا من شواهد تاريخ البشرية بل ومنهج الأخيار من الرسل والأنبياء والمصلحين فيه من الشواهد ما ينقضها بل ويجعل الإصلاح السلمي و خيار الموادعة حتى مع الأعداء هو الخيار الصحيح بل هو أشد إيلاما لهم من حد السيف ولعق السم الزعاف ..
بل إن هذا المنهج كان دائما أكثر جدوائية في تحقيق أهداف أصحابه في أحيان كثيرة ..
ولعل المنهج الصوفي والتصوف هم أكثر المدارس الاسلامية اتصافا والتزاما بالسلم والمسالمة والموادعة ..
والذى نريد أن نخلص اليه فى نهاية المداخلة هو القول أن منهج التصوف بني أول ما بني على خواص مهمة قد يكون استدعاؤها فى حاضر الأمة اليوم مفيدا ومن تلك الخواص احترام الآخر وعدم احتكار الحقيقة وكذا وجود المرجعية المتبعة والمنهج المؤسس على الموادعة مع الخلق أجمعين ..
و أظن أن هذا المنهج تحتاجه الامة اليوم أكثر من أي وقت مضى ..
ولعل غياب هذا المنهج هو الخلل الذى منه أتيت الأمة من كل مكان …
والله ولي التوفيق
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بغداد 7فبراير 2024

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى