الأخبارالاقتصاد والتنميةمقالات و تحليلات

الصكوك السيادية: أداة لتمويل التنمية بحاجة لمراجعة شرعية / الهادي بن محمد المختار النحوي


الهادي بن محمد المختار النحوي / كاتب وخبير في الصيرفة الاسلامية ، إطار سامي في البنك الاسلامي للتنمية

نستعرض في هذه الفقرات تطور الصكوك السيادية وأهميتها في تمويل مشاريع التنمية كما سنتوقف عند بعض ما تثيره من إشكالات شرعية.

وتأتي هذه الفقرات تعقيبا على ما تفضل الأستاذان الفاضلان إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا وشيخنا بشير حول توجه المغرب لإصدار الصكوك.

تعريف الصكوك

عرفها المعيار الشرعي الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بأنها :”وثائق متســاوية القيمة تمثل حصصًا شــائعة في ملكيــة أعيان أو منافع أو خدمات أو في موجودات مشــروع معين أو نشاط استثماري خاص، وذلك بعد تحصيل قيمة الصكوك وقفــل باب الاكتتاب وبدء اســتخدامها فيما أصدرت من أجله.”

أما عملية التصكيك فقد عرفتها المعايير أيضا بأنها ” تقسيم ملكية الموجودات من الأعيان أو المنافع أو هما معا إلى وحدات متساوية القيمة وإصدار صكوك بقيمتها”.

كانت الحكومات تلجأ إلى الإستدانة من الأسواق المحلية أو الدولية عن طريق إصدار سندات لتعبئة الموارد أو تلجأ إلى نظام “البناء والتشغيل والتحويلBOT” لتمويل المشاريع التي لا تسطتيع تلك الحكومات تمويلها من الموازنة العامة لكن هذا النظام طويل المدة وفيه بعض المخاطر.

وربما يكون من أسباب اللجوء إلى الصكوك تفاقم ظاهرة الدين وما يكتنفها من مخاطر وتأثير على الخطط التنموية بسبب خدمة الدين الخارجي ، وقد تسببت السندات التقليدية في ارتفاع ملحوظ في الديون على مستوى العالم إذ بلغ حجم الديون في العالم نتيجة إصدار السندات 100 ترليون دولار ( تقرير صندوق النقد الدولي 2013).

ولما انتشرت المالية الإسلامية ، بدأت الصكوك تظهر بصفتها أداة لتعبئة الموارد ، وقد لا يكون توجه بعض الحكومات إليها لاعتبارات شرعية بالأساس وإنما لأنها منتج يضاهي السندات التقليدية .

وهكذا بدأت الإصدارات الأولى للصكوك سنة 2000 حيث كان السودان من أوائل الدول التي تصدر صكوكا، ولهذا الغرض صككت الحكومة السودانية بعض الأصول واستثمرت حصيلتها في مشاريع مدرة للدخل وفق نظام المضاربة لتوزع على المستثمرين حصة من عوائد المضاربة، لكن هذا النوع من الصكوك فيه مخاطر ولذلك قد لا يقبل عليها المستثمرون.

بحثت الجهات المهتمة بالصكوك عن أداة أخرى أقل مخاطرة ، فاختاروا الإجارة للبائع ( المالك) ،ومن أمثلة ذلك تصكيك البحرين للمطار الذي باعته إلى “شركة ذات غرض خاص”لتؤجره هذه على الدولة إجارة منتهية بالتمليك ، فالحكومة حصلت على الموارد لتعيد الأموال بعد انتهاء التأجير. وهكذا حصلت الدولة على الموارد المالية وبقي الأصل في ملكيتها. ومثلت هذه الصيغة 75% من الإصدارات السيادية في مرحلة معينة.

ولأن هذه الطريقة ربما كانت عليها بعض الملاحظات الشرعية فقد ابتكرت طريقة أخرى هي الصكوك المركبة ( من عقدين : مثلا مرابحة 80%، مضاربة 20%) وذلك لضمان العائد في حال سجل الجزء المخصص للمضاربة خسائر.

وقبل الأزمة المالية العالمية كانت صكوك الشركات هي الأكثر انتشارا لكن الإصدارات السيادية راجت بعد الأزمة المالية العالمية سنة 2008 وأصبحت تمثل النسبة الأكبر من الإصدارات وإن تأثرت في مرحلة معينة بسبب توقف بنك نجارا – البنك المركزي الماليزي – عن إصدار الصكوك المحلية قصيرة الأجل. ( محمد السحيباني : دور الصكوك السيادية وشبه السيادية في تمويل مشروعات البنية الأساسية المدرة للدخل).

وقد بلغت قيمة الصكوك السيادية بنهاية 2015م 437 بليون دولار أي ما يمثل 57% من إصدارات الصكوك ، أما الصكوك شبه السيادية فقد بلغت نسبتها 9.7% وهذا تطور واضح لحجم الإصدارات السيادية ، إذ أن الغلبة قبل أزمة 2008 كانت لصكوك الشركات بنسبة 70%.

أما في سنة 2017 فقد بلغ حجم الإصدارات 76 بليون دولار اي ما يمثل 83% من الإصدارات مقابل 79% سنة 2016 و67% سنة 2015

وتمت الإصدارات سنة 2017 في 16 بلد كلها أعضاء في منظمة التعاون باستثناء هونج كونج.

( تقرير مجلس الخدمات المالية الإسلامية – كولالمبور 2018)

 

أنواع الصكوك

تنقسم الصكوك من حيث الجهة المصدرة إلى

– سيادية : تصدرها الحكومات

– شبه سيادية : تصدرها المؤسسات الدولية أو المؤسسة التي تملكها الدولة

– صكوك الشركات : تصدرها الشركات

كما تقسم الصكوك من حيث إمكانية تصرف حملتها فيها إلى صكوك مدعومة بالأصولAsset backed sukuk) وهذه تخول حملتها التصرف في الأصول في حالة الإخفاق وصكوك قائمة على الأصول(Asset-based sukuk)وهي التي لا تنقل الملكية فيها باسم حملتها ولا يحق لهم التصرف في الأصول.

وقد تصدر الصكوك بالعملة المحلية أو بعملة رائجة مثل الدولار وتطرح في السوق الدولية.

إشكالات شرعية

أثارت الصكوك الكثير من الجدل بين فقهاء المصرفية الإسلامية واعتبر بعضهم أنها تشبه في خصائصها خصائص السندات التقليدية كما صرح بذلك الشيخ تقي عثماني سنة 2008 الذي اعتبر أن 85% من الصكوك لا تلتزم بالأحكام الشرعية.

ومن المآخذ على الصكوك مسألة حقيقة تملك المستثمرين وتصرفهم في الأصول وضمان رأس المال مع العائد كما أوضح الشيخ تقي عثماني.

وإن كانت المسالة عولجت بناء على التفريق بين الملكية النفعية(beneficial ownership) والملكية القانونية (Legal ownership)استئناسا إلى ما ذهب إليه القانون الإنجليزي من التفريق بين الملكيتين.

يقول الدكتور عبد الباري مشعل :

“.. رغم التقارب بين مفهوم الملكية النفعية في القانون البريطاني والملكية النفعية في الصكوك، غير أن هنا فارقًا جوهريًا في الصكوك طبقًا للدراسة التي أعدتها أكاديمية إسراء، وهو أن المالك النفعي في الصكوك ممنوع من التصرف في الأصول، وهذا المنع يتناقض مع أحكام القانون العام البريطاني المصدر لهذا النوع من الملكية، أيضًا لا يحقق الآثار الشرعية للتملك. وفي ضوء هذه الإيضاحات فإن الملكية النفعية في الصكوك القائمة على الأصول – Asset-based sukuk ليست ملكية معتبرة من الناحية الشرعية، وستكون العلاقات بين حملة الصكوك المصدر علاقة مديونية مشابهة للعلاقة الموجودة في السندات التقليدية.”.

الشركة ذات الغرض الخاص

كما أن الشركة ذات الغرض الخاص التي يعتمد عليها في العملية برمتها تثير الكثير من الإشكالات.

وهي حسب القانون الأردني ” الشركة التي يتم إنشاؤها لغرض تملك الموجودات التي يمكن أن تصدر مقابلها صكوك إسلامية”.

فإذا أخذنا مثلا مسألة الاستقلال فسنرى ، في حقيقة الأمر، أنها ليست مستقلة وإنما هي امتداد للمؤسسة المنشئة للصكوك ، بل يذهب بعض المختصين إلى أنه ليست موجودة وجودا حقيقياوهي مجرد ورقة في درج مكتب وإن كاننت بعض الفتاوى تعتبرها شخصية مستقلة وكذلك القانون الإنجليزيبينما في القانون الفرنسي هي ليست موجودة أصلا لأن القانون الفرنسي لا يفرق بين الحقوق الاقتصادية والحقوق القانونية .

وهناك علامات كثيرة تؤكد أن الشركة ذات الغرض الخاص ليست مستقلة منها :

– صغر حجم رأس المال الذي ربما لا يتجاوز 100 دولار

– عدد الموظفين لا يتجاوز في بعض الحالات شخصين : مدير ومحاسب

– عقد الوكالة الذي يوقع بين الشركة ذات الغرض الخاص والمؤسسة المنشئة لتولي إدارة العملية لأن الشركة ذات الغرض الخاص ليست لديها الوسائل ولا القدرة على ذلك.

– الاعتماد الكلي على الشركة الأم حتى في الإدارة ، فالشركة المنشئة توقع عقد إدارة مع جهة مختصة لمراجعة وإدارة نشاط الشركة ذات الغرض الخاص.

لماذا تلجأ الحكومات إلى إصدار الصكوك السيادية ؟

اعتادت الحكومات والشركات على إصدار السندات التقليدية لتعبئة الموارد والحصول على الأموال لتغطية عجز الموازنة أو تمويل المشروعات ، لكن لماذا اللجوء إلى الصكوك رغم ما ما تتلبس به من شبها شرعية وما يكتنفها من تعقيدات وإجراءات طويلة ومتطلبات فنية وقانونية وخاصة بالنسبةلحكومات أو جهات خارج العالم الإسلامي؟

تلجأ الحكومات والشركات إلى الصكوك لأسباب عديدة منها :

– اعتبارات شرعية سواء بالنسبة للمصدر أو المستثمر أو كليهما معا

– استقطاب مستثمرين من مناطق محددة مثل دول الخليج

– الصكوك تعطي للمستثمر أرباحا أعلى من السندات التقليدية

– أن يبلغ المستثمر سقف الائتمان في النظام التقليدي

– تطوير سوق المال

 

وقد مكنت الإصدارت السيادية الحكومات من تمويل مشاريع بنى تحتية مهمة ما دفع عجلة التنمية الاقتصادية وأدى كذلك إلى زيادة دخل الفرد كما هو الحال في ماليزيا التي كانت تجربتها رائدة في مجال إصدار الصكوك.

ومع ما تثيره الصكوك من إشكالات شرعية فقد أثبتت أنها تخدم التنمية وهي لحد الآن البديل المتاح للسندات التقليدية ، فلذلك ينبغي تشجيع التجربة والسعي لإصلاحها بدل الإعراض عنها وانتقادها على نحو سلبي لأن البديل وقتها هو السندات التقليدية التي هي الربا بعينه.

وفي إفريقيا يتوجه المغرب إلى طرح أول إصدار للصكوك، بقيمة مليار درهم (105 ملايين دولار). وكذلك سبقته دول إفريقية أخرى مثل السنغال التي أصدرت صكوكا سنة 2016 بقيمة 150 مليار فرنك إفريقي، ويمكن لموريتانيا أن تحذو حذو الدول الإفريقية وغيرها لتعبئة موارد مالية ولذلك مكاسب وفوائد متعددة منها :

– تعزيز تجربة التمويل الإسلامي في موريتانيا

– تمويل المشاريع الكبرى

– عدم اللجوء إلى الاستدانة الخارجية

– منح فرصة للبنوك الإسلامية في موريتانيا لاستخدام فوائضها من السيولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى