مقالات و تحليلات

المستشار القانوني الشاعر الاماراتي الدكتور حبيب بولاد يكتب “للصدى”: شواهد تاريخية لقبيلة بني ياس (ج/4)

  1. المستشار القانوني الشاعر الاماراتي الدكتور حبيب بولاد

    أن دور العائلة الحاكمة والشخصيات القبلية الأخرى المهمة ركيزة أساسية في المجتمع الاماراتي ولم يكن ذلك يشكل ظاهرة غريبة لأنه في كل مجتمع معاصر.. ولكن المجتمع الاماراتي لايزال مجتمعا قبليا وقيمه جوهري ولم يتقبل انتقال السلطة الى قادة ضعفاء فقادتهم يحققوا معايير عالية جدا ويحافظوا على استدامة هذه المعايير .. قد تميز المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان منذ طفولته بدراية تامة بتفصيلات تاريخ قبيلة بني ياس وكان وعيه السياسي المبكر من دراسته لتجارب الحكام الناجحين وامتداد السلطة القبلية من خبرة التاريخ والمحافظة على ولاء القبيلة وامتلاك الجرأة والشجاعة والاقتناع بما يفعل والقدرة على تفجير طاقات شعبه وتوحيد أفراد القبيلة على اختلاف مصالحهم ..
    قد تعين الحاكم الجديد لامارة أبوظبي في عام 1909 الشيخ طحنون بن زايد بن خليفه الملقب بزايد الكبيرفي حين كانت قبائل الصحراء تنظر الى الشيخ زايد الكبير بوصفه الرجل القوي .. وقد تراجعت الموارد الاقتصادية للحكام نتيجة لتدهور التجارة في حقبة مابعد الحرب العالمية الأولى بينما أزدادت حاجة القبائل الى الدعم والمساعدة وقد أدت الضغوط المتصاعدة الى رد فعل مؤثر في صميم تحالف بني ياس اذ أختفت السلطة المستقرة وتعاقب على حكم ابوظبي عدة من الحكام لفترات قصيرة .. ففي حين حاكما واحدا قد حكم ابوظبي لمدة اربعة وخمسين عاما خلال فترة من 1855 لغاية 1909 وهو الشيخ زايد الكبير .. بعد ذلك فقد توالى على حكم امارة ابوظبي اربعة حكام في فترة مدتها تسعة عشرة عاما وكان ذلك بين ( 1909 .. 1928 ) الشيخ طحنون بن زايد من 1909 لغاية 1912 بعده حمدان بن زايد من 1912 لغاية 1922 وتولى أخواه الحكم على فترات متقاربة وهما سلطان بن زايد من عام 1922 لغاية عام 1926 وبعده صقر بن زايد من عام 1926 لغاية 1928 ولم ينتهي استقرار الحكم الا في عام 1928 عندما تولى حكم ابوظبي الشيخ شخبوط بن سلطان ..
    في المرة الاولى التي دونت فيها أحداث التاريخ لعهد شهادات الميلاد وحفظ السجلات المكتوبة كانت تحفظ في الذاكرة ولا يوجد من يذكر اليوم او العام الذي ولد فيه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان .. غير أن أرجح التقدير أنه قد ولد في العام الأخير من الحرب العالمية الأولى في عام 1918 وترعرع في هذه الظروف العصيبة والمتقلبة .. لكن التاريخ فتح صفحته ليسجل على سطورها أحداث خاصة بحياة المغعفور له الشيخ زايد آل نهيان في رحلته أثناء طفولته بصحبة المغفور لها والدته من أبوظبي الى العين .. كانت هذه الرحلة محزنة لأنه لم يرى والده حيا بعدها .. ففي 12 يوليو من عام 1926 عهد المغفور له الشيخ سلطان والد المغفور له الشيخ زايد آل نهيان الى ابنه الاكبر شخبوط بحماية الأسرة التي تظم زوجته المغفور لها الشيخة سلامة بنت بطي آل حامد وابنه الأصغر زايد فأرسلهم الى مكان آمن في العين ولم يبقى معه في أبوظبي سوى ابنه الثالث خالد .. بعد أيام فارق الحياة المغفور له الشيخ سلطان وبعد نحو عامين من وفاته تولى الحكم الشيخ شخبوط الابن الأكبر للمغفور له للشيخ سلطان كما تولى رعاية أخوته الصغار وخاصة أصغرهم سنا المغفور له الشيخ زايد ..
    مع انتقال المغفور له الى العين عام 1926 وخلال فترة حياته بين أهل أمه من القبيسات من نواة بني ياس .. نشأ المغفور له في بيئة بدوية عربية خالصة وكان يستمع للهموم القبلية والمناقشات اليومية المتعلقة بقضايا الحرب والعادات والتقاليد والاعراف العربية الأصيلة .. لقد كان المغفور له شابا قويا نشيطا وصبورا وكان أكثر من المحارب وشجاعته وأنه كان يمتلك السمات التي تمكنه من زعامة ابوظبي .. وفي شبابه الذي أمضاه في العين حرص المغفور له على معرفة الرجال الذين قاتلوا الى جوار جده زايد الكبير ويستمع الى آرائهم وحكاياتهم وذكرياتهم وأكتشف من ذلك كله أن جده الذي لم يستطع أن يراه ويلتقي به فقد جمع فضائل حكام الصحراء بشجاعة وعدالة وأمانة وذكاء وعايش بالتجربة العملية يوما بعد يوم وهذه الصفات توافرت لادارة شؤون القبيلة وأدرك المغفور له أن رجال القبيلة يمكن قيادتهم ولكنهم لايقبلون أن يساقوا ..

وللحديث بقية ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى