مقالات و تحليلات

بخصوص ولد أبريد الليل / بقلم: محمد السالك ولد بَهيْت

محمد السالك ولد بَهيْت / كاتب موريتاني

منذ عدة أيام، أو لنقل بشكل أكثر تحديداً، منذ أن أعلن دعمه للمرشح سيدي محمد ولد بوبكر، يتعرض المثقف والسياسي المخضرم محمد يحظيه ولد أبرد الليل، لحملة تشويه مُبرمجة، وهو ما يتطلب من وجهة نظري، تقديم نوع من الرد. لكن، الهدف هنا ليس الدفاع عن ضحية بحجم شهرة ولد أبريد الليل، فهو على أي حال، يبقى غنيًّا عن أي تدخلات من هذا النوع، مهما كانت وِدية، لأنه في موقع الاقتدار الأكمل للرد بما يكفي، إذا دعت الحاجة إلى ذلك. وإنما نتوخى من هذا الرد أن يتم فقط وضع الأمور في سياقها المناسب.

ولعل ما يؤكد صحة ما نحن بصدده هو أن هَذَيان المُتحاملين حاليا على محمد يحظيه، لن يكون له أي تأثير على صلابة سمعة الرجل، لأن هذا البعد هو المستهدف أكثر من خلال الحملة. لكن هيهات، فسيبقى سيلُ السِّباب والتشويه الموجه بشكل مثير للشفقة ضده، مثل فرك تمثال من الرخام بالقطن المنقوع بزيت “آرگان”، ولن يزيده إلا لمعانا وتألُّقًا.

وبوتيرة تقدم القافلة حسب المثل، سينقطع ويختفي ذلك الهذيان، تمامًا مثل الدوافع الانتخابية التي أُطلق خدمةً لأهدافها ضمن إستراتيجية فاشلة للاتصال؛ وسيظل محمد يحظيه واقفًا، عاليَّ الهامة.. سليمًا، معافى، تماما كما ينتصب أبو الهول متحديا عاديات الزمن، وسوء الأحوال الجوية و.. سوء النية.

لكن هذه الحملة، التي تم تخطيطها وتنسيقها بإحكام ضد ولد أبريد الليل، ما تزال تثير شيئا من الغرابة لأكثر من سبب، خاصة بالنظر إلى أن غالبية من شاركوا فيها هم أشخاص يفترض بأنهم لألف سبب وسبب، يخضعون لواجب التحفظ، بل الأصح أن نقول واجب الصمت المُطبق، حتى لا يذكِّروا الآخرين بأنفسهم، وحتى لا يُقيموا الحجة والدليل على الحقيقة التي بات يعرفها الجميع بالفعل، بشأن “تعدد مواهبهم” و”ازدواجية” استخداماتها.

ومهما يكن، فالمواهب شيء ضروري بالتأكيد في مُقام كهذا، لأن النيل من ولد أبريد الليل أو على الأقل خدش فروتة السياسية، باستعمال سكاكين ثانوية مثل أبواق الإعلام الرسمي، وشبيحة المخابرات، التي تنشط على شبكات التواصل الاجتماعي، والعملاء المندسين في صحافة البشمرگة، لا يُجدِي نفعا وليست له فعالية تذكر لتحقيق الهدف. لذا، فقد أصبح من اللازم لإلحاق الضرر بولد أبريد الليل، أولاً أن تتم محاصرته في بعده الحقيقي من أجل تقزيمه. وهذا يعني التصدي لحل مشكلة تلك الصورة بالغة الرمزية، وذلك الوهم البصري الذي يميز هذا الرجل، ويجعل منه شخصية فريدة من نوعها، بكاريزما ومواصفات خاصة للغاية.

كما يتوجب أيضًا في هذا الصدد، حل المعادلة التي تعطي الحجم الحقيقي لهذه الشخصية، من خلال حساب أبعادها غير القابلة للاختزال، والمستعصية على إدراك بعض المُسْتَكتَبين ومن يقف في الخلفية وراء أعمالهم المنحطة.

إنها مهمة في غاية الصعوبة، وقد تُعدُّ من جملة الإنجازات العشرة العظمى التي قام بها “هرقل”، بالنظر إلى أن ولد أبريد الليل قامةٌ مرتفعة. فهذا الرجل يعتلي صهوات التأمل في الأشياء، فوق أعالي القمم الشاهقة للتصورات والمفاهيم، التي يتعذر -في الحقيقة الوصول إليها- من خلال مقارباتنا نحن معشر الزواحف التي تدب على أديم الأرض، والتي لا يحكمها سوى قوانين الانتقاء الطبيعي.

لقد قال الفيلسوف “نيتشه” في من هم بمكانته من الرجال : “إن ما نفعله ليس مفهومًا دائمًا، فغالبا ما يكتفي الآخرون حياله بالمدح أو الذم. وكلما ارتفعنا، كلما بدا أننا أصغر بالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون الطيران”.

أما على المستوى الذي نوجد نحن فيه، أي هنا على الأرض، حيث يمكننا الوصول إليه، يظل محمد يحظيه نُصبًا معماريا معقدا، حيث تم بناؤه وفقًا للتقنيات القديمة لهندسة الشعوب العالمة، كالآزتيك، والمايا والفراعنة. وقد أضفت عوامل أخرى مثل الفن القوطي، وعبقرية عصر النهضة، ومحبة الحكمة لدى البيظان، على هذا الطِّراز المعماري المتميز، تقاسيم خاصةً، جعلت منه لغزًا محيِّرا من حيث الإطار المفاهيمي، لكنها منحته في نفس الوقت، صلابة خارقة في قوة البناء، تتحدى “غرز” المطارق، والأزاميل، والأقلام المنقوعة في محابر الجهل والجبن.

لذا، فنحن مطمئنون، بأنها ليست المرة الأولى، ومن المؤكد بأنها لن تكون الأخيرة، التي يتم فيها استهداف ولد أبريد الليل، من قِبَل قنَّاصة ذوي دوافع تهوِي إلى مَظَانِّ الشك والريبة. لكنها كذلك، لن تكون المرة الأولى، ولا الأخيرة، التي سيخرجُ فيها هذا الرجل سالِمًا من بين مصائد نصبها له أتباع سحرة مُبتَدِئون، تدربوا حديثًا على فن الإضرار بالآخرين كمهنة للعيش.

كما يُمكننا أيضًا طمأنة السيد ولد أبريد الليل، بأن الهدف الرئيس من خلال حملات التشويه والسَّب التي يتعرض لها، ليس مجرد شخصه ولا أخلاقه السياسية فحسب، بل المستهدف، وراء هذه الضجة، هو أساسًا موقفه السياسي الشجاع لصالح مرشح التغيير، السيد سيدي محمد ولد بوبكر.

في عين السياق، يتنزل هذا الموقف غير الودي بطبيعة الحال، والذي قد يبدو أمرا مشروعا، من جانب خصوم في حالة متقدمة من اليأس، بينما يتعين عليهم أن يقدموا للناخبين نفس الأسطوانة القديمة والمشروخة حتى النخاع، التي دأب المطبلون وأبواق حزب الإتحاد من أجل الجمهورية على اجترارها.

ومن المناسب هنا أن نفهم ردة الفعل السلبي لنظام يحتضر، وقد يبدأ قادته في هذيان يتغذى على مقولة الخُواف والاضطهاد القهري. وهي حالة ذهنية متقدمة أدت إلى تفاقمها -بكل تأكيد- تصريحات ولد أبريد الليل وما يتمتع به الرجل من مصداقية وقدرة على التبصر، إضافة إلى قدرته في تعبئة أناس كثيرين ظلوا مخلصين له أو متضامنين معه، لأسباب متعددة وإن كانت ليست بالضرورة أيديولوجية.

من جهة أخرى، صحيح بأن من الأفضل أن لا يتكلم المرء أثناء الأكل، لأن ذلك قد يكون مخالفا لقواعد الذوق السليم وحسن المخالطة. لكن الصحيح أيضا وبنفس القدر، هو أن تؤخذ النسبية هنا بعين الاعتبار، لأن شهية رئيس مجلس إدارة، بافتراض وجودها أصلا- رغم أن لدينا أسبابا جدية للشك في ذلك على الأقل بالنسبة للسيد ولد أبريد الليل- لا يمكن أن تقارن بالشهية التي لدى وزرائنا، حيث يرفلون في الإستمتاع بالمزايا والمنافع المرتبطة ليس بوظائفهم فحسب، وإنما بالمؤسسات والشركات العمومية التابعة لوصاية قطاعاتهم، بشكل لا يخلو في كثير من الأحيان، من سوء تسيير، ناهيك عن السعي للتخلص منها في نهاية المطاف من أجل محو أي آثار قد تمكن من متابعة ومساءلة المعنيين، وهم يترنحون قبل سقوطهم المحتوم نحو الجحيم.

بعد أن قدمتُ هذه التوضيحات، يبقى أن أقول بأن ولد أبريد الليل – كما هو المعروف- لم يكن لديه أي شيء يخفيه. أمَا وقد تسرَّع آخرون في انتقاد مروره كرئيس سابق لمجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الصحي، فما هو المانع من إجراء مراجعة وتدقيق لهذه المؤسسة من أجل معرفة الحقيقة، وتحديد المسؤوليات فيما يتعلق بأي تظلمات قد تبدو مفترضة، وتقديم المسئولين عنها للمساءلة القضائية؟

كما قد تكون هذه الخطوة أيضًا، فرصة للمضي قُدمًا في طريق الشفافية من خلال مراجعة وضعية مؤسسات أخرى مثل سونمكس، والمرحومة ENER و ATTM و SOMAGAZ و SMH والوزارات، وحرس السواحل و MSP ، وكذا بعض الشركات الخاصة التي يجري أحيانا في الإعلام الخلط بينها بشكل خطير مع مؤسسات مملوكة للدولة في نوع من تغييب الحدود الفاصلة بين الأملاك العامة والخاصة.

إن دعم ولد أبريد الليل لولد ولد بوبكر، إنما ينبع من المنطق السياسي الوحيد الممكن في مثل هذه الظروف. وهو القدرة على المواجهة مرفوع الرأس، دون أي نظرة في مرآة الرؤية الخلفية. ولا شك بأن لهذا الدعم ما يبرره، لأنه، على عكس العديد من الشخصيات العامة، ليس لدى سيدي محمد ولد بوبكر أي شيء يخفيه، وبالتالي، بإمكانه بكل ثقة أن يقود حملته دون ماكياج ولا مساحيق للتجميل.

ولعل هذا المرشح ينتمي إلى سياق الرجال الذين قال عنهم جان جاك روسو في أطروحته أميل أو في التعليم : “الرجل الصادق هو بطبيعته رياضي يحب القتال عاريا، لأنه يحتقر براقع الزينة التي لم توجد أصلا إلا لإخفاء بعض التشوهات”.

أما وقد قِيلَتْ الحقيقة بهذا الشأن.. فيا أقلام القيل والقال، تحركي، وسنكون لكِ بالمرصاد.. واللبيب تكفيه الإشارة !

 

———————-

* ترجمة محمد السالك ولد إبراهيم

 

 

 

المقال الأصلي منشور بالفرنسية في صحيفة القلم بتاريخ 30 إبريل 2019

“A propos de Ould Breidelleil”/ Par Mohamed Saleck Beheite

http://www.lecalame.info/?q=node/8661

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى