تقارير ودراساتمقالات و تحليلات

تركيا المنتشية بالانتصار في “عفرين” ، هل ستواجه الولايات المتحدة في “منبج”؟؟ / عبدالناصر سنكي

عبدالناصر سنكي/ كاتب صحفي تركي

كان الصديق والعدو والقريب والبعيد ينتظر الخطوة أو الخطوات المقبلة لتركيا لما بعد دخولها مدينة عفرين السورية مع الجيش السوري الحر، وتحريرها من مقاتلي حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري المدعومين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية،  ولم يتأخر الإعلان عن ذلك كثيرا، فقد وضع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان النقاط على الحروف وأعلن أن الجيش التركي لن يتوقف في عفرين ، بل سيتوجه نحو مدن منبج وعين العرب وتل أبيض وحتى القامشلي في شمال سوريا وهي المدن التي تسيطر عليها قوات حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) ووحدات حماية الشعب الكردية السورية  (YPG) ، وقال إردوغان إن الجيش التركي قد يدخل مدينة سنجار في شمال العراق والقريبة من الحدود السورية، وقال إنه طلب من الحكومة العراقية بعدم السماح لحزب العمل الكردستاني (PKK) بإقامة قنديل أخرى في إشارة إلى جبال قنديل التي يتخذها مقاتلوا الحزب الكردي التركي الانفصالي قواعد لها في شمال العراق، وقال إن لم تستطع حكومة بغداد فعل ذلك، فإن الجيش التركي سيداهم منطقة سنجار ذات ليلة ويقوم بتنظيفها من المسلحين الارهابيين حسب وصف إردوغان، وتمنى على الحكومة العراقية إن كانوا أصدقاء فعلا لتركيا بتقديم التسهيلات اللازمة لذلك، وإذا طال أمد هذه المسألة فإن الجيش التركي يمكن أن يطلق عملية عسكرية أخرى في تلك المناطق شبيهة بعملية غصن الزيتون التي أطلقها لتحرير عفرين.

كل هذا الكلام الذي ذكرته آنفا هو تعبير عن موقف تركيا المنتشية بالانتصار على من تعتبرهم تهديدا لأمنها القومي في شمال سوريا، وتعدهم امتدادا لحزب العمال الكردستاني التركي الذي تقاتله الحكومة التركية منذ أواسط العقد الثامن من القرن الماضي، من أجل القضاء عليه، ولكنها لم تنجح حتى الآن، ويبدو أن أمد حربها على ذلك الحزب الذي تصنفه تركيا والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة في خانة الارهاب سيطول، في ظل المعطيات الإقليمية والدولية الحالية، وبالتالي فإن حربها ضد حزب الاتحاد الديموقراطي السوري يبدو أنها ستطول أيضا، طالما لم تحل الأزمة السورية، والشواهد تقول إنها لن تنتهي قريبا في ظل الصراع الأمريكي الروسي الايراني التركي الكردي في الأراضي السورية، ناهيك عن بعض القوى والدول الأخرى التي تقتات سياسيا وعسكريا من هذه الأزمة.

وإذا ما عدنا إلى تركيا وانتصارها في مدينة عفرين ، وتوعد رئيسها رجب طيب إردوغان بالمضي إلى “منبج” ، أعتقد أن ذلك لن يكون يسيرا ، في ظل عدم وصول الحليفين الأمريكي والتركي إلى اتفاق حول تلك المدينة التي تتواجد فيها القوات الأمريكية إلى جانب قوات حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري، وكانت الحكومة التركية تأمل في أن تصل إلى صيغة اتفاق مع الطرف الأمريكي خلال لقاء وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو ونظيره الأمريكي المقال ريكس تيلرسون هذا الأسبوع، لكن إقالة الرئيس دونالد ترامب لتيلرسون المفاجئة خلطت أوراق الجانبين لا سيما التركية، وجاء تعيين “مايك بومبيو” وزيرا للخارجية في الحكومة الأمريكية ليعقد الأمور أكثر فأكثر، فالأتراك يعلمون جيدا أن “بومبيو” لن يكون مثل سلفه تيلرسون في تناوله لملفات المنطقة، ولكي يدرسوه جيدا ، ويعرفوا نواياه، أعلن وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو تأجيل لقائه مع نظيره الأمريكي لبعض الوقت ، لبحث موضوع إدارة مدينة “منبج” السورية.

والمعروف أن هناك انعدام ثقة بين الحليفين التركي والأمريكي في عدة ملفات ، أهمها وأبرزها الملف السوري، فأنقرة تنتقد وبشدة دعم واشنطن حزب الاتحاد الديموقراطي بمختلف أنواع الأسلحة، وتقول : كيف لعضو في حلف الشمال الأطلسي – ناتو – أن يوجه سلاحه بيد إرهابيين إلى عضو آخر في الحلف، بينما تقول الولايات المتحدة أنها تدعم الحزب الكردي السوري بالأسلحة لمقاتلة تنظيم داعش، لكن على أرض الواقع ومن خلال الأسلحة التي استولى عليها الجيشين التركي والسوري الحر في مدينة عفرين اتضح أن السلاح الأمريكي استخدمه المقاتلون الأكراد ضد الجيش التركي، في خضم هذه التداخلات السياسية والعسكرية ، يبدو أن أنقرة ستفكر مرارا قبل تنفيذ وعيد رئيسها إردوغان بالتوجه نحو مدينة “منبج”، لأن أي مواجهة لجيشها مع الجيش الأمريكي في سوريا ستكون عواقبها وخيمة.

عبدالناصر سنكي/ كاتب صحفي تركي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى