الأخبارفضاء الرأي

حينما يستشهد الشيطان بالآيات والأحاديث! حسين لقرع /كاتب جزائري

في وقاحة غير مسبوقة، واستهتار شديد بدماء الفلسطينيين، واستخفاف واضح بعقول الأحرار في العالم، ألقى جيش الاحتلال الصهيوني مناشير على أهل شمال غزّة يحمّلهم فيها ضمنيّا مسؤولية تفاقم الجوع في شمال القطاع، من خلال قطع الطريق أمام المساعدات الإنسانية المتّجهة إليه، ونهبها وسرقتها وكذا القيام بأعمال فوضى، ليتنصّل بذلك، مرّة أخرى، من مسؤولية ارتكاب مجزرة شارع الرشيد التي وقعت الخميس الماضي وأودت بحياة 150 فلسطيني وأصابت المئات بجروح مختلفة، ويحمّلها للسكان الذين تسبّبوا في “الفوضى” التي أفضت إلى وقوع تدافع شديد ودهس أدى إلى وقوع هذا العدد المرتفع من الضحايا!

أول ما يلفت الانتباه في منشور جيش الاحتلال استشهاده بهذه الآية الكريمة “يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم”، وطالب السكان بإفساح الطريق للمساعدات الإنسانية لتصل إلى المحتاجين في شمال غزة، والامتناع عن “النهب والسرقة وأعمال الفوضى” وختم منشوره بـ”وعظهم” وتذكيرهم بحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلّم: “كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه”!
لو جاء هذا “الوعظ” من بعض فقهاء غزّة وشيوخها، لكان عاديا ولما لفت انتباه أحد؛ فهذه مهمتهم، وهم مسؤولون أمام الله عن عامة الناس، أمّا أن يأتي “الوعظُ” من جيش الاحتلال ويستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، فهذا هو العجب العجاب؛ فهل يعقل أن يأمر الشيطان بالمعروف وينهى عن المنكر؟ هل يعقل أن ينهى جيش الاحتلال سكان غزة عن “نهب” شاحنات المساعدات الغذائية، كما يدّعي، والحال أنّ جنوده لا يكفّون عن نهب بيوت المهجّرين الفلسطينيين وتصوير ذلك وبثّه على مواقع التواصل بكلّ افتخار وتبجّح وصفاقة؟ وقبل ذلك، هل يحقّ لمن ارتكب أبشع الجرائم بحق الأطفال والنساء وقتل نحو 37 ألف مدني، باحتساب العالقين تحت الأنقاض، ودمّر البيوت على رؤوس سكانها وهدم المستشفيات والمدارس والمخابز وخزانات المياه وجرف مساعدات الأغذية وأطلق النار على شاحنات الإغاثة ومنع دخولها إلى غزة، قصد نشر المجاعة وإجبار 2.2 مليون فلسطيني على الرحيل من أرضهم… هل يحقّ لمثل هذا الجيش أن “يعظ” غيره ويعطيه دروسا في الأخلاق؟
إذا كان هناك تدافع شديد على الشاحنات للظفر بكيس دقيق، فإنّ هذا ليس من عادة الفلسطينيين، بل فرضه عليهم تفاقم الجوع بمرور الأيام ومنع دخول ما يكفي من مساعدات.. قبل الحرب، كانت نحو 500 شاحنة تدخل يوميا إلى جميع أنحاء غزة، ومع ذلك، كان أهلها يشكون نقص المساعدات بفعل تواصل الحصار الصهيوني منذ 17 سنة كاملة، أما بعد الحرب، فلم يعد الاحتلال يسمح سوى بدخول 85 شاحنة يوميا، أغلبها يتركّز في جنوب القطاع، في حين يرفض إدخال شاحنات إلى الشمال عقابا لنحو 700 ألف فلسطيني تحدّوه وتشبّثوا بأرضهم وبيوتهم المهدّمة ورفضوا النزوح إلى الجنوب كما طلب منهم، وكان من الطبيعي بعد كل هذا التجويع الممنهج للأطفال والنساء، وشحّ كميات الغذاء التي تدخل يوميا إلى القطاع، أن يتدافع الرجال، وخاصة في الشمال، على أيّ شاحنة دقيق تصل إلى المنطقة، فالمسغبة شديدة والأطفال يبكون من الجوع وبعضهم بدأ يفقد حياته، فلماذا يلوم الاحتلال السكان على تدافعهم الشديد على شاحنات الدقيق بدل أن يلوم نفسه على رفضه دخول ما يكفي حاجياتِ السكان، عقابا لهم على احتضانهم المقاومة وأملا في تهجيرهم إلى مصر؟
إنّ تحميل الفلسطينيين مسؤولية مجزرة الرشيد وكذا نهب شاحنات الدقيق المتّجهة إلى شمال القطاع، وإظهارهم بمظهر قطّاع الطرق واللصوص، هي صفاقة ووقاحة وابتذال أخلاقي لا حدود له لهذا الجيش الفاشي المجرم الذي يتّخذ التجويع الجماعي للفلسطينيين سلاحا قذرا في هذه الحرب، ثمّ يرمي بالمسؤولية على الضحية، على طريقة “رمتني بدائها وانسلّت”.
ما يجري في غزة من تقتيل وتجويع ممنهج سيبقى وصمة عار في جبين العالم كله.. لا يعقل أن يعجز العالم عن إغاثة سكان القطاع ويكتفي بالتفرّج عليهم والاحتلال يقتلهم كل يوم بالرصاص والقذائف أو الجوع والأمراض في عملية إبادة غير مسبوقة.. والغريب أنّ دولة كبرى كالولايات المتحدة تدعّم الاحتلال وترفض الضغط عليه لوقف الحرب وفتح المعابر على مصراعيها للمساعدات الإغاثية المستعجلة، ثم تقوم بإنزال جوي لفتات المساعدات على غزة، إنها كمن يقتل القتيل ويسير في جنازته!

الشروق أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى