الأخبارفضاء الرأيقضايا المجتمع

خبزنا الذي يأكلنا! / بقلم/ م. محفوظ بن أحمد

محمد محفوظ ولد أحمد / كاتب صحفي موريتاني

الخبز هو أساس التغذية في العالم منذ القدم، وقد أصبح من أهم مكونات الغذاء اليومية في المدن والقرى الموريتانية.

 

كثيرا ما أتساءل أين تلك النكهة المميزة والرائحة الزكية للب الخبز… التي كنت عهدتها في خبز “حجَّار” بالعاصمة، في السبعينيات، ثم كان شيء منها في أرغفة مخبزة “روتاتيف” الأولى الشهيرة في “توجنين”، في الثمانينيات؟

 

كدت أتهم “ذوقي” و”شمي” بأن العلة منهما… لولا أني سمعت تقارير عن التراجع الهائل في جودة الخبز في دول اشتهرت بصناعة هذا الغذاء وتراقب بحزم ويقظة سلامة أغذية شعوبها. فأفزعني ما ذا سيكون الحال هنا حيث لا رقيب ولا شفيق !

 

تتطلب جودة الخبز قبل كل شيء دقيقا جيدا، ثم صناعة متقنة، ثم بيئة نظيفة للحفظ والتوزيع… فأين هذه عندنا؟

 

1- الدقيق : دقيق القمح هو المادة الأساسية في الخبز، وهو يجب أن يخضع لمقومات جودة القمح نفسه، وتبدأ باختيار الحَب الجيد من المزارع الأفضل، ثم مراقبة بقايا المبيدات الكيماوية، والحشرات، وتأثير التعبئة والتخزين على حبوب القمح نفسها، ثم جودة الطحن، ونقاء الدقيق وإحكام عبواته، والعناية بحفظه…

 

فهل لدينا الوسائل والإرادة والمتابعة لهذه الخطوات؛ وما هي قصص بيع وتوزيع مخزونات القمح الفاسد والمتغير بسبب التخزين المكشوف في بعض مخازن، بل حظائر، مفوضية الأمن الغذائي وغيرها…؟

 

ومن الملاحظ أن المطاحن الموريتانية تستورد القمح، ربما الأرخص، في حاويات ضخمة وتنقله في شاحنات قلابة مكشوفة؛ مثل تلك التي تنقل الرمل والمحار والقمامة… إن لم تكن منها؟ !

 

2- الصناعة : هي مرحلة التصنيع في المخابز. وهنا معظم الكوارث ! حيث لا تلتزم معظم المخابز الموريتانية الآلية (ولا اليدوية طبعا) بمعايير السلامة فضلا عن معايير الجودة؛ بل يَستخدم معظمها عمالا من الشارع لا خبرة لهم ولا تأهيل.

 

ولا تخضع صناعة الرغيف نفسه لضوابط الوزن، والعجن، والتخمير، والتمليح، والإنضاج في الفرن… فيأتي كل ذلك بشكل عشوائي يتباين داخل المخبزة الواحدة؟ !

 

وفي الغالب “يتخير” أصحاب المخابز أرخص أنواع الدقيق، وأرخص أنواع الخميرة، وأرخص أنواع الملح… ثم يسكبون الماء المشبع بالكلور من الحنفية أو “البريـﮔـة” أو “لمبلكة” على الأرجح…

 

وهناك حكايات جدية، يدعمها طعم وروائح بعض الخبز، عن استخدام بعض المخابز للملح الملوث الرخيص الذي يجمعه بعض “التيفاية” من ترسبات مستنقعات سباخ انواكشوط الغربية التي هي مكب للنفايات !

 

 

 

 

3- التخزين والتوزيع :

 

إذا قمت بزيارة بعض المخابز من الداخل فستلاحظ مستوى القذارة واللامبالاة في تخزين ونقل الخبز، الذي يُلقى ساخنا على الأرضية القذرة مباشرة، قبل أن يشحن في صندوق أي سيارة، بما فيها سيارات الأجرة العادية…

 

وفي الواقع لا تحتاج زيارة المخبزة؛ بل يكفيك ما ترى في المتاجر من إلقاء للخبز وتكديسه على أي سطح وسخ دائم، مكشوفا للذباب والغبار والأيدي… طوال النهار والليل !

 

ولعل البعض يتذكر ما قامت به السلطات في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من محاولة تخصيص أكشاك وأماكن خاصة لبيع الخبز. فكان ذلك من “الإنجازات” التي تتطور وتتقدم بالإهمال والتراجع والإعدام، ليظل فشل السلطة العمومية يُعيد كل شيء إلى الفوضى، أو إلى الوراء على كل حال !

 

4- بقي أن نتساءل عن العنصر الأهم وهو الرقابة الصحية والغذائية من الجهات المختصة : لنجد أن رتبته صفر، بل لم يعد وجود عملي لتك الجهات فيما يبدو !

 

وبهذا يكون التطرق إلى تفاصيل جودة الخبز ودقة أوزانه وسلامة قشرته ولون لبه وطعمه… الخ، ضرب من الرفاهية الخيالية في هذه الربوع المصوحة !

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى