افتتاحية الصدىالأخبارمقالات و تحليلات

شكرا دولة الكويت / محمد عبد الرحمن المجتبى

محمد عبد الرحمن المجتبى / المدير الناشر رئيس التحرير

أعلنت الحكومة الموريتانية مؤخرا خبرا سعيدا يتعلق بتسوية ملف من أكثر الملفات الاقتصادية في البلاد تعقيدا وحساسية ، لا لكونه يثقل كاهل الدولة اقتصاديا ويعيق مسارها التنموي فحسب، بل لكونه ظل مصدر  إحراج وازعاج لنا مع أشقائنا الكويتيين، الذين لم يبخلوا على تنمية موريتانيا منذ عدة عقود بتمويلاتهم السخية، ومساعداتهم الانسانية التي وصلت كل أرجاء البلاد وفي شتى المجالات.

ويكفي طول أمد “أزمة ملف الديون” ليتضح لنا عمق العلاقات من جهة، وتاريخ العطاء الكويتي لموريتانيا من جهة أخرى، رغم ما شاب علاقاتنا من شوائب كدرت صفوها في بعض الأحيان خاصة بعد حادثة غزوة العراق للكويت ، لكن مياه الود عادت لمجاريها الدبلوماسية والشعبية مبكرا، وطوت الكويت صفحة القطيعة وواصلت تنسيقها الاخوي ودعمها التنموي لموريتانيا

وظلت دولة الكويت مشكورة سباقة للدعم التنموي لبلادنا رغم التراكم الخطير للديون، و رغم الأساليب المستفزة لتسيير الملف من بعض انظمتنا المتعاقبة، خاصة نظام الرئيس السابق حيث قرر في بداية عهده تجاهل الملف، وحاول إحراج الشقيقة الكويت بالضغط على دول أخرى بالتدخل لديها لشطب الديون، و في نهاية مأموريته حدث ما حدث من إحراج مؤسف  لا يليق خلال زيارته لدولة الكويت بتاريخ 22 /04/2019م  حيث قابل الحفاوة الكويتية باعلان محرج وهو على أرض الكويت بحصول تسوية بشطب الديون لا علم للطرف الكويتي بها مما اضطر الكويت محرجة للتوضيح والتصويب ..

اليوم تثبت الكويت للشعب الموريتاني من جديد حبها العميق لموريتانيا وشعبها وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك حرصها المسؤول على تنمية موريتانيا وتطورها و ازدهارها ، وذلك من خلال هذه التسوية التي حصلت على مستوى ملف الديون المؤرق لموريتانيا  والمحرج للكويت ، فالكل يعلم أن قوانين الكويت لا تسمح بشطب الديون ، كما يعلم الكل أن تنازل أي دولة مهما كانت عن تطبيق قوانينها هو بمثابة تنازل عن سيادتها ومصداقيتها، وبالتالي لم يكن من اللائق مطلقا أن تطلب حكومات موريتانيا  السابقة من الكويت التخلي عن ديونها وشطبها، لأن الأمر يتعلق بمخالفة صريحة لقانون دولة تحترم نفسها وشعبها.

لكن الكويت اليوم مشكورة تتنازل عن 95بالمائة من فوائد الديون و تجدول أصل الدين على عقدين من الزمن وتستثمر فيما تبقى من الفوائد ، والحقيقة أن هذه التسوية تعني دعما كبيرا وكبيرا جدا وغير مسبوق لتنمية البلاد ، وتعني بلغة الأرقام أن الكويت ضخت مليارات الأوقية في خزينة الدولة الموريتانية ، وتعني أن موريتانيا شعبا وحكومة ستبقى ممتنة لدولة الكويت و  تعني ذلك الحب الاستثنائي لدى أشقائنا الكويتيين

لقد سجلت موريتانيا في الماضي الكثير من ملامح الخصوصية لدى الكويت، ففي ثمانينيات القرن الماضي شيدت الكويت مستشفى ضخما في مدينة “تجكجة” كان فريدا من نوعه وتخصصاته في شبه المنطقة ، وعندما زارنا وفد من وزارة الصحة الكويتية لاعادة تأهيله سنة 1998م وجده قاعا صفصفا، وقرر إعادة التشييد من جديد، لكن ديناصورات الفساد في  وزارة الصحة الموريتانية- آنذاك لا سامحهم الله-  حالوا دون ذلك، حيث اشترطوا تسليم التمويل فقط والوزارة ستتولى الأمر ،( وكلنا يعلم ما ستقوم به الوزارة لو حصلت على التمويل آنذاك ، وما تجربة مستشفى الشيخ زايد منا ببعيد)

وعندما نلقي نظرة على المشاريع الانمائية في البلاد منذ الاستقلال وحتى اليوم سنجد أن أكثر من 70بالمائة منها ممولة من طرف الصناديق العربية، وسنجد أن الصناديق الكويية قدمت حظ الأسد من تلك التمويلات ولعلها هذا  ما فاقم تراكم الديون.

والواقع أن دعم الكويت لموريتانيا يحتاج لملفات متخصصة ولا يمكن حصره في زاوية محدودة الحروف و الأسطر ، أما المشاعر الودية الكويتية اتجاه موريتانيا فتحتاج لمجلدات للافصاح عنها ولعل أروع تجلياتها وألصقه في قلوب وعقول الموريتانيين هو حرص الأمير الراحل الشيخ صباح ألاحمد الصباح طيب الله ثراه على الحضور للقمة العربة في موريتانيا وهو في سنه وصحته المعروفة.

وقبل الختام يسعدنا في صحيفة “الصدى” الموريتانية المستقلة أن نتقدم لدولة الكويت الشقيقة بأحر آيات الشكر والامتنان على هذه التسوية الأخوية السخية ، لهذا الملف المؤرق والحساس ، كما نهنئ الحكومة الموريتانية على النجاح ، في التوصل لهذا الحل المرضي للطرفين في أجواء ودية تحترم الخصوصيات وتقدر الاكراهات.

عاشت الصداقة الموريتانية الكويتية

حفظ الله بلداننا من كل الشرور والآفات

المصدر :

زاوية “قلم رشاش” بصحيفة الصدى الاسبوعية المتسقلة الصادرة بتاريخ الاثنين 21محرم 1443هـ الموافق 30/08/2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى