إفريقي ومغاربيالأخبارتحقيقاتتقارير ودراسات

صفاقس التونسية تضج بشكوى سكانها… وأنين المهاجرين غير الشرعيين

مهاجرون في صفاقس بعد الاحداث فيها (أ.ب)

الصدى – متابعات/

 «مين فينا الظالم ومين فينا المظلوم»… مطلع أغنية شعبية تونسية قديمة يلخص الحيرة في مدينة صفاقس، التي تضج بشكوى سكانها وأنين المهاجرين غير الشرعيين، بعد أزمة اندلعت بين الطرفين في الأيام الأخيرة.

وتحولت المدينة الساحلية إلى نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين، بعدما ذاع صيتها كأقرب طريق للوصول إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، وأصبحت تجتذب آلاف الوافدين بعد وصولهم إلى تونس عبر المعابر الرسمية أو بالتسلُّل بصورة غير شرعية عبر الحدود البرية، على ما أوردت «وكالة أنباء العالم العربي» في تقرير لها، اليوم (السبت).

قبل الوصول إلى صفاقس، التي تبعد نحو 270 كيلومتراً جنوب العاصمة تونس، تظهر مجموعة من المهاجرين بجانب الطريق، في مشهد بات مألوفاً، بعدما أصبحت المدينة وجهة مفضلة للحالمين بالوصول إلى أوروبا.

 

وتتحمل صفاقس عبء الهجرة غير الشرعية في ظل توافد الآلاف من دول أفريقيا جنوب الصحراء، من أجل انتهاز فرصة العبور للأراضي الأوروبية هرباً من الظروف الاقتصادية الصعبة والصراعات الأهلية وتغير المناخ.

وأدى الارتفاع الهائل في أعداد الوافدين على المدينة إلى زيادة الاحتكاك بالسكان المحليين، قبل أن تتفجر الأوضاع باندلاع مواجهات بين الطرفين أسفرت عن سقوط قتيل من الأهالي، الأسبوع الماضي.

واشتكى السكان من فوضى واعتداءات وسرقة من الوافدين على المدينة، بينما يؤكد المهاجرون أنهم يتعرضون لمضايقات عنصرية وعنف وطرد من المنازل.

ويقول فوزي المصمودي وكيل الجمهورية في المحكمة الابتدائية بصفاقس: «كانت المشكلات سابقاً تتعلق بتنظيم الهجرة غير الشرعية، ومشكلات غرق المراكب والضحايا والجثث، لكن الآن (المشكلات) أخذت منعرجاً آخر بعد بروز توترات بين السكان والأجانب بسبب تكاثر أعدادهم بصورة ملحوظة، ما أدى إلى مواجهات تطورت بعد جريمة القتل، حيث طالب بعض الأهالي بترحيل المهاجرين وإخراجهم من مدينة صفاقس».

وفي حديقة بوسط المدينة، يجلس رجال ونساء وشبان وأطفال من المهاجرين من جنسيات أفريقية مختلفة في مجموعات، على وجوههم علامات التيه والحيرة والضياع.

 

مهاجر يحمل لافتة في صفاقس (أ.ف.ب)

وفي طقس صيفي حار، يفترش العشرات من هؤلاء الأرض، محتمين من أشعة الشمس الحارقة بظل الأشجار، بينما تتكدس عبوات المياه التي جلبتها منظمات حقوقية وأهالي لتروي ظمأهم بعدما ظلوا بلا مأوى إثر الاشتباكات التي اندلعت مع السكان قبل أسبوع.

وقال عثمان حيدرا، وهو من ساحل العاج، لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «نحن هنا، وكل العالم يعرف أننا نريد العبور لأوروبا والرحيل، ولو يتركون لنا المجال لعبور البحر ففي ظرف أسبوعين لن تجد صاحب بشرة سوداء هنا».

ووصف يوسوفا سيسي الوضع بأنه «مأساوي»، وقال إنهم يحتاجون إلى مساعدة المنظمات غير الحكومية لإنقاذهم. وأضاف: «لا نعرف إلى أين سيأخذوننا. يريدون إرسالنا إلى ليبيا أو الجزائر. إذا كنتم لا تريدوننا هنا، فأرسلونا إلى سفاراتنا، وسيرحلوننا إلى بلداننا. لا داعي لأخذنا ورمينا في الصحراء لنموت من الجوع والعطش».

 

وتابع: «لم نأتِ للبقاء في تونس بل للعبور إلى أوروبا»، مطالباً بتركهم يصلون إلى وجهتهم أو إرسالهم لسفاراتهم لتأمين عودتهم إلى بلدانهم، ورفض في الوقت نفسه ترحيلهم إلى الصحراء لمواجهة «الموت».

واشتكى سيسي، الذي قال إنه كان طالباً في بلاده قبل أن يقرر الهجرة بحثاً عن تحسين وضعه المالي، من مضايقات عنصرية قائلاً: «نحن بشر، ولا نستحق هذه المعاملة».

وأكد المصمودي وجود تجاوزات من السكان، وقال: «الثابت أن التجاوزات موجودة من بعض الأشخاص، وهذا يحدث في كل العالم. ولو تقدم أحد بشكوى فسيفتح تحقيق من دون استثناء، تكريساً للواجب، وتطبيقاً للقانون على كل الناس على حد سواء. ليس هناك فرق بين تونسي وأجنبي، كل مخالف للقانون يتم تتبعه مهما كان».

قنبلة موقوتة

مهاجرون في محطة قطار صفاقس قبل الرحيل الى اماكن اخرى(رويترز)

ويطالب سكان صفاقس السلطات التونسية بإيجاد حل للمهاجرين غير الشرعيين، مؤكدين أن المدينة «لم تعد قادرة على استيعابهم».

وقال منير بوجلبان: «الحقيقة هناك خطر كبير، وهذا مؤكد. هناك سرقة وسلب ونهب، ووصل الأمر إلى حد قتل شاب، كما وقع الاعتداء على شاب آخر يرقد حاليا في قسم الإنعاش»، مضيفاً أن «المدينة لا تتحمل أكثر، وغير قادرة على استيعاب مزيد من المهاجرين». وتابع: «لا نعرف هؤلاء وكيف وصلوا إلى صفاقس، ربما ينتمي بعضهم إلى مجموعة إرهابية».

واستطرد قائلاً في تعجب: «الحدود البرية مفتوحة، بينما الحدود البحرية مغلقة. يجب أن تجد السلطات حلاً للمهاجرين؛ بترحيلهم إلى بلدانهم أو فتح طريق البحر لهم للعبور إلى أوروبا».

 

ومضى قائلاً: «سيتحول الوضع إلى قنبلة موقوتة إذا طال الأمر، وإذا جاع هؤلاء المهاجرون فقد يضطرون للنهب. يجب توفير مكان للإقامة وأغذية ورعاية صحية وليس الاعتداء عليهم. يجب إيجاد حل وليس تركهم بهذا الشكل».

ويرى رئيس فرع «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» في صفاقس نعمان مزيد، أن الطرفين «ضحايا على حد سواء». وأوضح أن المهاجرين «هربوا من الفقر والبطالة في بلدانهم بحثاً عن حياة أفضل في النعيم الأوروبي، بينما فقد سكان صفاقس بعضاً من الأمن على الأنفس والأملاك».

وأكد مزيد أن الحل «هو حل سياسي، وتونس تعجز عنه. هو حل إقليمي، أي بمشاركة كل الدول وكل الأطراف مثل المنظمات الأممية والاتحاد الأوروبي والجزائر وليبيا وساحل العاج وكل البلدان الأفريقية».

وانتقد الناشط الحقوقي «عدم وجود خطة واضحة لدى السلطات لمواجهة الأزمة، رغم مطالبته بعدم ترك تونس تواجه الوضع بمفردها في ظل وضع اقتصادي صعب». وتابع: «يجب طرح مؤتمر دولي وإقليمي، كما دعا له رئيس الجمهورية، لمعالجة المشكلة من جميع الزوايا الإنسانية والقانونية والاقتصادية والمالية». واعتبر أن ترحيل المهاجرين إلى الصحراء على الحدود الليبية أو الجزائرية «ليس حلاً، بل ربما يرتقي إلى جريمة ضد الإنسانية».

وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، قالت إن قوات الأمن التونسية «طردت مئات من المهاجرين وطالبي اللجوء الأفارقة، بينهم أطفال ونساء حوامل، منذ الثاني من يوليو (تموز) إلى منطقة عازلة نائية على الحدود الليبية».

وبينما تضغط الدول الأوروبية بقيادة إيطاليا على تونس، لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين على أراضيها، وقعت الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي «مذكرة تفاهم» للتعاون في مجالات عدة، منها مكافحة الهجرة غير النظامية، بينما تخشى منظمات حقوقية من جعل البلد الواقع بشمال أفريقيا يلعب دور «شرطي الحدود»، وهو ما ينفيه الرئيس التونسي قيس سعيد.

 

المصدر :  «الشرق الأوسط»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى