الوزير الفلسطيني السابق المحلل الاستراتيجي د. ابراهيم ابراش يكتب : المخرج الأقل سوءاً
نعرف ويعرف كل العالم أن دولة الاحتلال اليهودي الصهيوني تمارس حرب إبادة وتطهير عرقي وقادتها مجرمو حرب باعتراف منظمات حقوقية دولية وانهم مطلوبون للمحاكمة في محكمة الجنايات الدولية ،ونعلم كما يعلم العالم أن جيش الاحتلال دمر ٨٠% من قطاع غزة بالإضافة الى حوالي ربع مليون ما بين شهيد وجريح ومفقود وأسير ومعاق جسديا وعقليا، ومع ذلك لم يحدث أي حراك دولي أو إقليمي أو عربي جاد لوقف هذه الجرائم حتى قرارات الأمم المتحدة والقمم العربية والإسلامية بقيت حبراً على ورق، كما لم نسمع صوتاً لإيران أو تركيا حتى لم تفكر أية دولة عربية مُطبعة بقطع علاقاتها مع اسرائيل أو مجرد التهديد بذلك، هذا ناهيك عن استمرار الانقسام الفلسطيني وفشل النظام السياسي الرسمي وكل محاولات التفاهم على موقف موحد لمواجهة الخطر الوجودي الذي يواجه شعبنا وكل القضية في غزة والضفة.
بالرغم من كل ما سبق يستمر من يصفون أنفسهم قادة حركة حماس في تصريحاتهم الاستفزازية وغير العقلانية والبعيدة عن الوقع والتي لا تعير أي اهتمام بحياة الناس المعذبين في القطاع ولا حتى بما يخطط له العدو بدعم واشنطن لتهجير أهالي غزة طواعية أو قسراً، وكأنهم بهذه التصريحات يستدعون العدو لمواصلة حربه واستكمال مخطط التهجير.
عندما نقول إنها تصريحات مستفزة فحتى نتجنب توجيه اتهامات أخرى يرددها أهالي غزة وكثير من شعبنا والمتابعين للشأن الفلسطيني في الخارج وهي اتهامات تصل لدرجة اتهام الحركة بالتواطؤ مع العدو بقصد أو بدون قصد.
فما الجديد عندما يكرر قادة حماس القول طوال أكثر من 17 شهرا أن العدو يتحمل مسؤولية ما يجري من موت ودمار واستهداف المدنيين ويطالبون دول العالم بالتدخل لوقف العدوان، وفي نفس الوقت يطلقون الصواريخ ويتحدثون عن الانتصارات التي تحققها المقاومة ويستعرضون قواتهم أمام الفضائيات اثناء تسليم المخطوفين الإسرائيليين؟ ! وأي غباء واستخفاف بالعقول عندما يقولون إن العدو نكث بوعوده وأخل باتفاق الدوحة! ولا نعرف متى كان اليهود يلتزمون بعهودهم ،منذ بداية التاريخ وكما ورد في القرآن الى تجربة اتفاق أوسلو واتفاقات الهدنة بين حماس وإسرائيل خلال الحروب السابقة؟ كما لا نعرف ماذا يقصد قادة حماس و(منحليها السياسيين) عندما يصرحون إن حماس ستقاتل حتى آخر طفل في غزة! بينما قادة الدول والجيوش وحركات التحرر الوطني يصرحون ،إن اضطروا لذلك، إنهم سيقاتلون حتى آخر قائد وجندي ومقاتل دفاعاً عن الوطن والمواطنين والأطفال والنساء، وجيش الاحتلال يقوم بحرب شرسة ويخسر جنودا وعتادا حتى يحرر الأطفال والنساء المختطفين عند حماس!!! ولا نعرف ما قيمة النصر الذي سيتحقق ومعناه وهدفه إن قاتلت حماس حتى آخر طفل فلسطيني، إلا اذا كانت ستهدي النصر الى قادة إيران ومحور المقاومة الشيعي!
وأي استهتار بعقول الشعب عندما تصرح بعض قيادات حماس بعد لقاء مسؤول أمريكي ببعض قادتهم في الدوحة، إن الحركة أجبرت واشنطن على الاعتراف بها والتفاوض معها ليس فقط على قضية المخطوفين بل حول قضايا إستراتيجية تخص مستقبل القضية الفلسطينية والشرق الأوسط ويعتبرون هذا إنجازا ونصرا لهم، فيما سلاح واشنطن من طائرات وصواريخ هو الذي دمر غزة وقتل عشرات الآلاف وواشنطن تهدد بل وتشتغل بجد لتهجير أهالي غزة كما اعترف اخيرا خالد مشعل؟!
في ظل هذه الأوضاع الميدانية حيث الموت والجوع والبرد والمرض يفتك بشعب فلسطين في غزة، وفي ظل هكذا تصريحات وارتباك في مواقف وتصريحات لقادة حماس تجمع ما بين الغباء والاستهتار بأرواح الشعب ومستقبل القضية… أليس من الأجدر والأقل ضرراً أن تسلم حركة حماس سلاحها وتسلم كل المخطوفين ما دامت تعلم إنها ستسلمهم في النهاية ولكن بثمن أفدح من دماء ابناء شعبنا؟
نكرر ما قلناه مراراً إن حركة حماس مجرد حزب أو حركة سياسية ولا تمثل كل الشعب الفلسطيني كما لم يفوضها الشعب بخوض هذه الحرب والقيام بطوفان الأقصى، وحتى إن كانت حركة مقاومة فهي ليست المقاومة بالإجمال، وبالتالي غيابها من المشهد أو استسلام ما تبقى من مقاتليها سيكون الأقل ضررا على الشعب والقضية إن كان سيوقف حرب الإبادة ويمنع التهجير، كما أن استسلام مقاتليها وخروجها من المشهد لا يعني استسلام الشعب الفلسطيني أو نهاية مقاومة الاحتلال.
هذا مقترح لحل مؤقت للخروج من المأزق الراهن المترتب عن الطوفان وحرب الإبادة وبعد وقف الحرب يجب التفكير بحل أشمل لأزمة النظام السياسي برمته لأن الخلل ليس عند حماس فقط بل أيضا في وعند منظمة التحرير ونهجها، من خلال عملية تغيير وتطهير شاملة، قبل البحث عن حل لمشكلتنا مع العدو.