الأخبارمقالات و تحليلات

دستور أهل القبلة لبناء الجسور بين المذاهب! د. محمد السعيد إدريس

عاد بنيامين نيتانياهو رئيس حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلى للحديث عن جدية مسعاه لتأسيس «نظام الشرق الأوسط الجديد» الذى يريده، والذى حتما سوف يكون، من منظوره الخاص «نظاما صهيونيا». وعندما يعود نيتانياهو للحديث عن ثقته فى قدرة إسرائيل معتمدة على الجنوح الأمريكى الجديد الذى يقوده الرئيس ترامب لفرض هذا النظام فإنه يقصد بذلك احتواء كل من القوتين الإيرانية والمصرية، بعد كل ما جرى تدميره بالحرب الإجرامية التى تشنها إسرائيل بدعم أمريكى مطلق فى قطاع غزة، ثم لبنان، وتدمير أغلب قدرات حزب الله، ثم إسقاط النظام فى سوريا، وتدمير إسرائيل لكل القدرات العسكرية والإستراتيجية السورية. تاريخيا توصل قادة كيان الاحتلال إلى مجموعة من ثوابت الأمن القومى الإسرائيلى، أبرزها منع وجود أى قوة فى الجوار الإقليمى الإسرائيلى يكون بمقدورها تهديد أمن ووجود إسرائيل. وكان التركيز بصفة أساسية على ثلاث دول عربية هى بالتحديد: مصر وسوريا والعراق. عندما صاغ القادة المؤسسون لكيان الاحتلال الإسرائيلى نظريتهم الأمنية كانت كل من إيران وتركيا صديقتين لإسرائيل، بحكم خضوعهما للهيمنة الأمريكية والتحالف مع أمريكا ضد الاتحاد السوفيتى فى سنوات الحرب الباردة. كانت إيران تحت حكم الشاه، رجل أمريكا فى الخليج، وكانت تركيا عضوا، ومازالت فى حلف شمال الأطلسى (الناتو) ومن ثم كان البلدان صديقين، بل وحليفين لإسرائيل، ولم يكن هناك من يقود الصراع ضد إسرائيل، طيلة تلك الفترة خاصة بعد تفجر ثورة 23 يوليو 1952 بزعامة جمال عبدالناصر، ولم يكن فى المنطقة من فى مقدوره التصدى للمشاريع الأمريكية والإسرائيلية غير مصر وسوريا والعراق خاصة ابتداء من عام 1958. وعندما نجحت أمريكا فى إغراء مصر لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، بهدف إخراج مصر نهائيا من محور الصراع ضد إسرائيل، صدمت الولايات المتحدة بتفجر الثورة فى إيران فى فبراير من نفس العام 1979، وتحول إيران مباشرة فى ظل النظام الثورى الجديد (نظام الجمهورية الإسلامية) إلى عدو لكل من أمريكا وإسرائيل. وكان تفجير الحرب العراقية ـ الإيرانية، إحدى سياسات أمريكا للقضاء على الثورة الإيرانية، وعندما اضطرت إيران والعراق للقبول بوقف هذه الحرب «اللعينة» عام 1988، كانت الأساطيل الأمريكية قد دخلت إلى الخليج تحت غطاء حماية أساطيل النفط واتجهت الولايات المتحدة إلى العمل ابتداءً من تلك الفترة إلى احتواء كل من إيران والعراق معا وفقا لما سمى «سياسة الاحتواء المزدوج»، للخلاص من الدولتين معا، ثم جاء الغزو العراقى للكويت فى أغسطس 1990 ليعطى للولايات المتحدة فرصة مواتية لتشكيل تحالف دولى لتحرير الكويت، ثم الاتجاه عام 2003 إلى غزو العراق واحتلاله تحت ذريعة القضاء على أسلحة الدمار الشامل لدى العراق. وبعد التدمير الأمريكى الكامل للعراق بدأ الاتجاه الأمريكى نحو احتواء سوريا ابتداء من الضغط على سوريا للقبول بتفكيك تحالفها مع إيران لإبعاد إيران عن حزب الله، وعندما فشل هذا الضغط كانت الحرب الإسرائيلية ـ الأمريكية عام 2006 لتدمير حزب الله وإنهاء أى نفوذ إيرانى فى لبنان. وابتداء من عام 2011 جرى تدمير ليبيا واليمن وسوريا وتقسيم السودان والآن بعد كل ما حدث بعد هجوم طوفان الأقصى من تدمير لـ«محور المقاومة» وإخراج إيران من سوريا ولبنان، بعد إسقاط النظام السورى لم يبق غير إيران ومصر كعائقين أمام طموح نيتانياهو مدعوما من ترامب لفرض السيطرة الإقليمية الإسرائيلية، بما تعنيه من توسع فى ضم كل ما بقى من أرض فلسطين وما يمكن ضمه من دول الجوار ابتداءً من سوريا . هل هناك من رد مصرى إيرانى على ذلك؟ السؤال مهم وتوقيته أهم، سواء من منظور مراجعة أوضاع العلاقات المصرية ـ الإيرانية، أو من منظور التصدى لمخطط الصراع المذهبى الجهنمى الذى تعيشه الأمة منذ عقود طويلة مضت وخاصة مخطط الصراع السنى الشيعى الذى تحول إلى صراع عربى – إيرانى، بكل أسف انصياعا لدعوة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، التى دعت فى أوج الحرب الإسرائيلية ـ الأمريكية على لبنان عام 2006 إلى إجراء تغيير جذرى فى معادلة الصراع الإقليمى وتحويله من صراع عربى إسرائيلى إلى صراع عربى إيرانى، والتأكيد أن هذا لن يتم إلا بفرض الصراع المذهبى السنى الشيعى، وبعدها جرى «شيطنة إيران» والحديث الرسمى العربى عن «الهلال الشيعي» علما بأن إيران كانت دولة شيعية فى عهد الشاه وكانت صديقة بل وحليفة لأمريكا وإسرائيل ودول عربية، ولم يحدث وقتها أى «تكفير» للشيعة على النحو الذى ظهر بعد سقوط الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية ما يؤكد أن هذا الصراع السنى الشيعى هو فى الأصل صراع سياسى ليس له أى علاقة بالدين، ومن هنا تأتى أهمية مبادرتين عربيتين تحدثتا بشجاعة عن مواجهة حقيقية لصراع المذاهب الإسلامية ودعت إلى وحدة الأمة تحت راية الإسلام الحنيف. الدعوة الأولى وردت على لسان فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر فى مؤتمر عقد فى مملكة البحرين (فبراير الماضي) تحت عنوان «الحوار الإسلامي». فقد قدم شيخ الأزهر اقتراحا لعلماء الأمة المجتمعين بوضع ميثاق وتسميته «دستور أهل القبلة»، ويتصدره الحديث الشريف الصحيح: «من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذاكم المسلم الذى له ذمة الله وذمة رسوله». أما الدعوة الثانية فجاءت من «مؤتمر مكة» (6 ـ 7 مارس الحالى) تحت عنوان «نحو مؤتلف إسلامى فاعل»، حضره عدد من كبار مفتى وعلماء المسلمين، فقد تبنى هذا المؤتمر «موسوعة المؤتلف الفكرى الإسلامي» واعتمد الخطة الإستراتيجية والتنفيذية لوثيقة «بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية». الدعوتان الكريمتان: دعوة «دستور أهل القبلة» ودعوة «بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية» إذا أخذتا بجدية من عموم المسلمين يمكن أن تكونا كفيلتين بإنهاء موجة «التكفير» بين المسلمين، ووأد فتنة الحرب بين المذاهب، وتوحيد الأمة عندها يمكن تلمس أفق عربى وإسلامى للخروج من النفق المظلم الذى تعيشه الأمة العربية والإسلامية تحت وطأة الاستكبار الأمريكى والإسرائيلى.

.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى