وا أسفاه يا عراق! / الدكتور سامي عبد المهدي المظفر

وا أسفاه على وطنٍ باتت جراحه زادًا، ودموعه نشيدًا، وتاريخه خرائط ممزقة يلوكها الغرباء!
وا أسفاه على أمةٍ كانت منارة الدنيا، فأصبحت مادةً لتهكم الأمم، وأضحوكة لجهلة التاريخ!
وا أسفاه على زمنٍ انقلبت فيه الموازين،
فصار الحق باطلاً، والباطل يُزفُّ كالعرسان في موكب المجد،
وصار الشريف منبوذًا، والدنيء على العروش جاثمًا،
وتولّى أمرَ الناس من لا خُلق له، ولا عقل، ولا ضمير!
أين نحن من زمن العلم والحضارة؟
أين بغداد التي كانت تسابق الشمس في إشراقها؟
لقد قال المعري – وليس ببعيدٍ عن نكبتنا اليوم:
“ألعلمُ يرفعُ بيتاً لا عمادَ لهُ،
والجهلُ يهدمُ بيتَ العزِّ والشرفِ.”
فأي بيتٍ للعلم بقي لنا؟
قد تهاوى التعليم العالي، وتكسّرت جدرانه،
وباتت الشهادات تُباع في سوق الخواء،
والمناصب تُمنح للموالين لا للمؤهلين،
والمسؤول لا يسأل، بل يُصفق له الحاشية ويطلى وجه الفشل بمساحيق الوطنية الكاذبة.
انتشرت الفرقة، ساد الهوان،
غابت القيم، وغابت النخوة،
وبدلاً من رجال الدولة، تسيد المشهد صعاليك السياسة،
ورجال المصالح، وعبدة المناصب.
في هذا الوطن، باتت اللغة مشوشة،
الحق يقرره الأبعدون، لا العلماء،
والجهل يُتوج، والعلم يُقصى،
والسفيه يعلو صوته فوق صوت الحكمة،
والغوغائي يزاحم المفكر،
والهتاف أعلى من التأمل،
والسوقية أعلى من الرقي.
أما السياسة، فحدث ولا حرج!
كذبٌ بوجهٍ مبتسم،
نفاقٌ يلبس ربطة عنق،
ورقصٌ على جراح الناس،
كأنهم في كرنفال دائم،
يلعبون بمصائر الشعب كما يلعب الأطفال بالحجارة على ضفاف دجلة.
إنها بلادٌ تُنهب باسم الدين، وتُباع باسم الوطن،
وتُختصر في وجوهٍ لم تعرف الحياء، ولا سمعت بشيء اسمه ضمير.
⸻
فيا عراق، أيها الطاعن في المجد والحزن معًا…
أما آنَ لك أن تنهض؟
أما آنَ للأحرار أن يقولوا كلمتهم؟
أما آنَ للحكمة أن تعود، وللعدل أن يُقام، وللعلم أن يُرفع فوق الرايات لا تحتها؟
أما آنَ أن يُكتب على بوابات بغداد:
“هنا يولد المجد من رماده، وهنا لا يموت العراق!”