الاحتفال بالمولد النبوي / البشير ولد بيا ولد سليمان

الحكم : سنة حسنة طيبة مباركة , و الدليل من الكتاب و السنة : الآية الكريمة : ” من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ….” و الحديث الشريف : ” من سن سنة حسنة فله أجرها ….” , فأما الآية الكريمة فهي ككل آي القرآن الكريم صلاحيتها مستمرة أزلية و ليست مقيدة بزمن الصحابة , و مثلها الحديث الشريف ,و ليس المقصود فيه ” من أحيا ” كما أول أحدهم و هو تأويل خاطئ ، فرسول الله صلي الله عليه و سلم أوتي جوامع الكلم و الفصل في القول و هو يعيي تماما ما يقول , فلم يقل من أحيا بل قال من سن , بمعني من جاء بجديد , بسنة جديدة , بعمل خير جديد , و هذا لا يعني أنه عليه الصلاة و السلام قصر او ان الدين لم يكتمل , فذاك فهم سقيم للدين و اعتراض علي كلام الله و رفض لترغيبه : ” من جاء بالحسنة “
- تحت مظلة الآية الكريمة : ” من جاء بالحسنة ” تندرج سنن و حسنات كثر , فالمظلة ترغيب من الله و حث علي المجيئ بالحسنات ، عززه الصادق المصدوق بقوله : ” من سن سنة حسنة ” , وإحياء المولد النبوي هو احدي هذه الحسنات بل و أجلها و افضلها ، فطوبى لمن جاء بهذه السنة المباركة و طوبي لمن أحياها , و أما من يجرم صاحبها و يقذفه بالبدعة في الدين , فالعيب كل العيب علي من يقول ذلك , فأين الضلال في إحياء الناس المولد بحلقات الذكر و المدائح و التذكير بشمائل المصطفي صلي الله عليه وسلم سيرته وسيرة آل بيته الاطهار و صحبه الاخيار والتزاور وتبادل الهدايا و,…فأين البدعة (كل بدعة ضلالة ) فأين الضلال في هذا ؟ ، وما المانع شرعا من ادراج المولد تحت مظلة الآية : من جاء بالحسنة ، و مظلة الحديث من سن سنة حسنة ، فأين المشكل ؟ وأين الحسنات التي جاء بها المسلمون ؟ , من الحسنات ( السنن) التي جاء بها المسلمون المتأخرون إضافة الصلاة علي الصحابة الي صيغة الصلاة علي رسول الله صلي الله عليه و سلم اذ ان الأصل هي الصلاة الابراهيمية التي لا ذكر فيها للصحابة , فجزى الله خيرا من جاء بهذه السنة الحسنة فأضاف الصحابة رضي الله عنهم الي صيغة الصلاة علي النبي صلي الله عليه و علي آله و سلم .
- حجج باطلة يمنعون بها احتفالات المولد :
1/ لا يجوز لأن الصحابة لم يعملوه , و هي حجة باطلة و قاعدة غير صحيحة و ليست من قواعد الشرع الاسلامي و لا من اصوله ، انما القاعدة الصحيحة هي : عمل الصحابة و ضرورة التقيد بعملهم فكل الامة الإسلامية مقلدة متبعة للصحابة في ما عملوه و أما ما لم يعملوه فللامة الخيار في تركه او أخذه شرط تقيده بضوابط الشرع الإسلامي المعروفة ( لا فجور , لا فسوق ,لا اختلاط , لا اسراف, لا تبذير, لا غيبة ، لا نميمة … )
2/ لا يجوز لأن الفاطميون هم أول من احتفل به ، حجة باطلة ، فليكن الأمريكيون او الفيتناميون او الصينيون او غيرهم , فذاك لا يفقده أحقيته ، فالحق يظل حقا و الصواب يظل صوابا سوآءا من أين جاء او من جاء به .
3/ لا يجوز لأنه هو نفسه اليوم الذي توفي فيه عليه الصلاة و السلام , حجة باطلة , كذبها القرآن الكريم بصيغة الثناء علي يوم المولد و يوم الوفاة ، علي لسان سيدنا عيسي عليه السلام , يقول جل و علا : ” وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ” فذاك عيسى بن مريم , فيوم مولده هو يوم موته و هو يوم سلام من الله , يحتفل به المسيحيون و المسلمون أولى بالاحتفال به مثل يوم عاشوراء ” نحن اولى به منهم ” كما قال رسول الله صلي الله عليه و سلم , و من الحسنات و السنن المباركات :
- التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم حيا و ميتا : سنة طيبة مباركة والدليل في الكتاب و السنة : يقول جل و علا : ” حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله و رسوله انا الي الله راغبون ” فهل بموته صلي الله عليه و سلم انتهت صلاحية هذه الآية الكريمة ؟ كلا بل ان كل كلام الله محفوظ و صالح لكل زمان , الآية : حسبنا الله ( هنا قوة العقيدة ) سيؤتينا الله من فضله و رسوله (هنا الوسيلة ) انا الي الله راغبون , فرسول الله هو وسيلتنا حيا او ميتا , و أما الدليل علي التوسل من السنة (سنة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ) التي أمرنا رسول الله صلي الله عليه و سلم بالعض عليها بالنواجذ , فقد توسل بالعباس ليمطر الناس فامطروا و كان ذلك بحضور عثمان و علي و العديد من كبار الصحابة رضي الله عنهم و لم ينكروا ذلك علي عمر و لم يتهموه بالبدعة ( كل بدعة ضلالة ) , فهل هؤلاء الذين يمنعون التوسل أحرص علي دين الله من عمر بن الخطاب و أصحاب رسول الله صلي الله عليه و سلم ؟ … فامشوا الهوينا يا هؤلاء , و اعلموا ان هذا الدين ما شاده احد الا غلبه .
- زيارة المدينة المنورة بنية زيارة القبر ( قبر رسول الله صلي الله عليه و سلم) سنة حسنة طيبة مباركة ، و من يعترض علي ذلك متخذا حديث ” لا تشد الرحال الا الي ثلاثة مساجد ” فقد تقول علي رسول الله صلي ودلس علي المسلمين ، إذ لا علاقة لهذا الحديث بزيارة القبور لا من حيث اللفظ و لا من حيث المعنى .
- زيارة النساء للمقابر سنة طيبة مباركة و الدليل هو زيارة أمنا عائشة رضي الله عنها للبقيع ليلا لما كانت تتتبع رسول الله صلي عليه و سلم و الحادثة معروفة : فلم ينكر عليها او يمنعها من زيارة القبور بل أقرها علي ذلك و علمها ما نقول عند زيارتنا للقبور فنقول : السلام عليكم ديار قوم مؤمنين … فمنع النساء من زيارة القبور هو اعتراض علي سنة رسول الله صلي الله عليه و سلم التقريرية و رفض لترغيبه : ألا فزوروها أي المقابر ( رجالا و نساءا) واللفظ عام .
- دفاعا عن مظهر وجهه الشريف صلي الله عليه و سلم : شارب خفيف محفوف ولحية كثة مهذبة معطرة غير متطايرة و لا مبعثرة ذاك هو مظهر وجهه الشريف , و أما ما يفعله البعض , فيخوفون الأطفال بمظهرهم المخالف للفطرة البشرية : شارب حليق مستـأصل نهائيا علي الصفر ولحية كبيرة و هي مثلة كما قال إمامنا مالك ، و تشويه لخلق الله ، و مع ذلك يزعم اصحابها انها السنة, و هو ادعاء باطل و قدح في مظهر احسن خلق الله خلقا بفتح الخاء و خلقا بضم الخاء , فرسول الله صلي الله عليه و سلم لا يخالف الفطرة ولا يخوف الأطفال و من الفطرة البشرية التي فطر الله عليها الرجال و المألوفة عند كل الأمم ان الرجل بشاربه و لحيته فكيف يتجرأ هؤلاء علي رسول الله صلي الله عليه و سلم و يستأصلون الشارب نهائيا و يقولون انها سنة النبي صلي الله عليه و سلم ، فهيهات ، هيهات ، فرسول الله صلي الله عليه و سلم جميل المظهر ، لا يخالف الفطرة و لا يخوف الأطفال ، و الملاحظ هو ان من المسلمين اليوم من يحلق وجهه كاملا و منهم من يبقي علي شاربه و يحلق لحيته و لكن لا أحد من هؤلاء يدعي السنة في ذلك , و أما هؤلاء الذين يستأصلون الشارب نهائيا و يبقون علي اللحية كثة كبيرة , فهم وحدهم من يدعون انهم يطبقون السنة ولكن السنة منهم براء
و الدليل من الكتاب و السنة , يقول جل و علا : ” محلقين رؤوسهم و مقصرين ” ، اللفظ محلقين من حلق و هي الاستئصال النهائي للشعر بينما في مسألة الشارب فقد ذكر الحديث الشريف الألفاظ : القص ، الانهاك ، الحف ، الجز ، و لم يرد حديث واحد ( في الشارب ) بلفظ الحلق الذي معناه قياسا علي الآية الكريمة الاستئصال النهائي .
- في ذكرى المولد , نقاش : الموسيقي والغناء حرام، فمن قال لكم ذلك ؟ ، المحرمات في الاسلام معروفة معدودة علي اصابع اليد ، و ليس الإنسان من يحرم ، انما الذي يحرم هو الله يقول جل و علا : ” ان انكر الأصوات لصوت الحمير” تلك مسلمة قرآنية , فطرة , فطر الله عليها الانسان يكره صوت الحمير ، في حين يطرب بالفطرة لسماع الأصوات و الانغام العذبة الجميلة , زغزغة العصافير و خرير الماء و أصوات الغابة و … ديننا لم يأتي ليعلمنا قساوة القلب فلا نطرب للجمال و للصوت و اللحن الحسن ، و لم ياتي الاسلام ليقتل مشاعرنا و حواسنا و لنحارب فطرتنا وغرائزنا البشرية و لكنه جاء ليهذب تعاملنا مع غرائزنا و فطرتنا البشرية.
- أمة وسطا ( أمة الاسلام ) ، ” لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داوود ” قالها الصادق المصدوق لأبي موسي الأشعري لما سمعه يتلو القرآن فطرب لصوته و استحسنه ، و رسول الله صلي الله عليه و سلم لا يكذب و لا يجامل في قول الحق ، و يعي تماما ما يقول , فقال مزمارا و لم يقل صوتا ، وقال مزامير(بصيغة الجمع ) و لكل ذلك معناه و دلالته و سوآءا قصد بالمزمار الصوت و بالمزامير الأصوات او الآلات فالحديث كله جاء في صيغة مدح لا صيغة ذم , فالشاهد هو ان نمشي الهوينا ، و ان نعلم ان الله لم يطالبنا بقساوة القلب او ان نتنكر لفطرتنا التي فطرنا عليها و هي تجاوبنا الفطري العفوي مع الموسيقي و النغمات الجميلة التي تجعلنا نشعر بالراحة و الطمأنينة و تفتح أمامنا آفاق الأمل و التفاؤل بالخير ، بل يحرك بعضها الذكريات و يدفع الي التأمل في الدنيا و الزهد فيها و يذكر بالرحيل و الفناء , فأين الحرام في كل ذلك ؟
- في ذكرى المولد , نقاش مع صديقي المسيحي جورج : لا يا جورج , هذا غير صحيح فلا توجد في الإسلام عقيدة تثليث ولا يوجد في القرآن الكريم و لا في السنة نص يقول ان التوحيد ثلاثة أنواع ( الألوهية، الربوبية ، الأسماء و الصفات ) او ان الشرك ثلاثة أنواع شرك أكبر و شرك أصغر و شرك متوسط او خفي ، فكل هذه الانواع لا أساس لها من الصحة.
بل ان القاعدة السليمة في العقيدة هي أن أي أمر يتعلق بالله فلا تعدد فيه و لا تنوع و لا تجزؤ ، فالتوحيد يتعلق بالإيمان بالقلب بالعقيدة فهو واحد و هو كلمة الحق قولا واعتقادا ” لا اله الا الله “، و أما المصطلحات الألوهية و الربوبية والاسماء و الصفات فهي مفاهيم كغيرها مستنبطة من القرآن الكريم مثل العقاب و الحساب و الجنة ، والنار و الصراط … و كذلك الشرك فهو واحد و هو ان يشرك مع الله اله آخر, فلا يوجد في الاسلام شرك كبير او صغير او متوسط , الشرك بالله ظلم عظيم و هو واحد و يتعلق بالقلب وبالعقيدة , و الشرك كالموت, فلا يقال موت كبير و آخر صغير و لا موت أفضل من موت ولا شرك افضل من شرك , فلا تفاضل في الشرك ، الشرك نوع واحد ، و أما المسائل التي توقع في الشرك فأنواعها كثيرة منها الكبير و الصغير وغيره.
- ختاما في ذكرى مولد خير الأنام ، فلا أحد يعبد محمدا و لا قبر محمد و لا يوم مولد محمد صلي الله عليه و سلم ، و ليس تقليدا للمسيحيين و لكن تقديرا لخير الخلق ، و تثمينا لحكمة الله في أيامه ، فيوم الجمعة سيد الايام و يوم مولد عيسي و موسي و مولد نبينا محمد صلي الله عليه و سلم , و كل أيام ميلاد الأنبياء ، أيام مباركة مميزة ، و أهمها و أعظمها عند الله هو يوم ميلاد محمد صلي الله عليه و سلم ، فكيف لا يفرح به العالم ؟ بل يفرح و يحتفل .
المصدر : الكاتب