الأخبارالصدى الثقافيفضاء الرأي

رواية “سائح في موطنه” !!! / بقلم الكاتبة والإعلامية سهام عبدالله 

الكاتبة والإعلامية / سهام عبدالله .

تتمحور الروايةحول شخصية فتاة تُدعى سهام، تربت في السعودية ثم انتقلت إلى وطنها الأم موريتانيا, لتكتشفه كالسائح، منبهرة بعاداته وتقاليده العريقة والغريبة عليها.

الفصل الأول: جذور بعيدة
لم تتذكر سهام يومًا ملامح العاصمة انواكشوط، فقد غادرتها وهي في شهرها الأول، تحملها ذراعا أمها على عجلٍ نحو الاستقرار في مكة المكرمة. كانت طفلة صغيرة، لا تعرف من وطنها سوى شهادة ميلاد تحمل اسم موريتاني ، وكلمات عابرة يتحدث بها والداها حين يشتد بهما الحنين.
نشأت في مكة، حيث الأبواب مفتوحة
على الحرم، وحيث يسمع قلبها الأذان
خمس مرات في اليوم من كل الجهات.
كان العالم كله يمر أمام عينيها وهي طفلة؛
حجاج من آسيا وأفريقيا وأوروبا، لغات لا تحصى، وجوه لا تشبه بعضها، لكنها كانت تجد في ذلك
كله انسجامًا عجيبًا.
وفي بيتها، كان اسم موريتانيا يعود بين حين وآخر كظلّ بعيد.
والدها يتحدث عن الصحارى التي لا تنتهي،
وأمها تحكي عن الخيام وقصص واحداث قديمه والليالي المقمرة.
لكن هذه القصص بدت لسهام أقرب إلى حكايات خرافية منها إلى واقع ملموس.
ومع ذلك، كان أكثر ما يربطها بذلك الوطن البعيد، أحاديث أبيها الطويلة عند المساء.
كان يجلس بجوارها ويأخذها في رحلةٍ عبر الزمن، يحدثها عن أصل قبيلتهم “أولاد أبييري”،
وعن عراقتها الممتدة إلى آل البيت الكرام.
كان يخبرها أن جدّه ربّاه على الرماية وركوب الخيل والإبل، وعلى الصبر وتحمل الأسفار في عمق الصحراء. وكان يحدثها عن رحلات الصيد الطويلة، وكيف كانوا يطاردون الغزلان والمهى اللتي يسمونها غزلان الوحش بسبب الخطوط السوداء اللتي على جلدهاوالطيور يصطادونها بالبندقية، فيغدو الصيد فنًا وتراثا مثلما هو رزق.
ويروي لها قصصًا عن أبناء عمومتهم الذين انتصروا في حروب القبائل، وعن المجد الذي كان يحمله اسمهم بين العربان. وكان يكرر بفخر أن قبيلتهم لم تكن فقط ذات بأس في الحرب بل فيها العلماء ، كانت ذات حكم وسلطة؛ إذ حكم البلاد ابن عمهم المختار ولد داداه يومًا ما.
ولم يكن ينسى أن يزرع في وجدانها صورةً أخرى عن موريتانيا، وعن مدينة بوتيليميت اللتي نشا فيها اجدادها وتخرج منها كبار العلماء والأدباء والمثقفين والمفكرين فقد رسخ ايضاً في ذهنها ان موريتانيا ليست صورة البدو وحدهم، بل صورة بلاد العلم والفقهاء، بلادٍ يُولد فيها الطفل فينشأ حافظًا للقرآن في سن السابعة، ثم يحمل معه المتون والعلوم الإسلامية، ويترعرع على الدواوين الشعرية، حتى تصير البلاغة والفصاحة جزءًا من دمه.
.
كانت سهام تصغي لهذه القصص بشغفٍ صامت، يملأ قلبها بالفخر لكنها لا تجد له ملامح أمام عينيها. كانت تشعر كأنها تحمل ميراثًا لم تره قط، ميراثًا أكبر من طفولتها في مكة، وأوسع من أحلامها الصغيرة.
حتى جاء اليوم الذي تغيّر فيه كل شيء… جلست أمها إلى جوارها وقالت:
“سهام… جدّاكِ في نواكشوط يطلبان أن يرياكِ. يريدان أن تعيشي معهما بعض الوقت… إنهما يشيخان يا ابنتي، ويخافان أن يرحلا دون أن يعرفا حفيدتهما.”
تسارعت أنفاس سهام. شعرت أنها تُسحب فجأة نحو جذور لم تعرفها، نحو وطن لم يبقَ منه في قلبها سوى قصص أبيها . وضعت يدها على قلبها، وهمست بخوفٍ صغير:
“أمي… أأنا عائدة إلى وطني، أم ذاهبة إلى غربة جديدة؟”
ابتسمت الأم ابتسامة غامضة،
“ستعرفين يا سهام… أن الوطن ليس مكانًا تسكنينه، بل مكانًا يسكنك.”
كانت تلك الليلة طويلة على سهام. نظرت من نافذتها إلى مآذن مكة وهي تلمع تحت ضوء القمر، وشعرت أن روحها تنقسم بين عالمين: عالمٍ نشأت فيه وأحبته، وعالمٍ غامض ينتظرها في الأفق البعيد… نواكشوط.
(تتواصل..)

 

المصدر : صفحة الكاتبة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى