الأخبارفضاء الرأي

أوقفوا العنف اللفظي / محمد الأمين الفاظل

يشرفني كثيرا أني أدرتُ نقاشا مع الأخ الفاضل المدون الموريتاني الأكثر متابعة الطالب عبد الودود لمدة ساعة وربع دون أن يستخدم أيُّ واحد منا كلمة مسيئة في حق الآخر، رغم التباين الكبير في آرائنا حول بعض القضايا التي ناقشنا، وهو تباين  قد يصل إلى 180°.

أذكر حينها أني كنتُ أتلقى اتصالات عديدة من أخوة وأصدقاء أفاضل، دقائق قليلة قبل أن تبدأ الحلقة، يطالبونني بالانسحاب من قبل أن تبدأ المناظرة، وهذا هو أسوأ تشجيع، أي أن تُطالب من تشجعه أن ينسحب من قبل “المعركة”، ولكني كنتُ أرفض كل تلك الطلبات، وكنتُ واثقا أنه بإمكان الطالب عبد الودود ومحمد الأمين الفاضل أن يديرا نقاشا راقيا، يختلفا فيه بقوة، ولكن دون أن يسيء أي منهما للآخر، وقد نجحا في نهاية المطاف في ذلك، والفضل يرجع أولا للطالب. 

تؤكد تلك المناظرة أن بإمكان أي شخصين آخرين أن يديرا نقاشا راقيا دون أن يسيء أي واحد منهما للآخر حتى ولو كانت آراؤهما ومواقفهما متباينة تماما.

على المستوى الشخصي فإني – كغيري من المهتمين بالشأن العام – منزعج تمام الإنزعاج من تنامي العنف اللفظي، ومن اتساع وانتشار لغة السب والشتم في مواقع التواصل الاجتماعي.

نحن الآن نربي أبناءنا وشبابنا، وهم جمهور مواقع التواصل الاجتماعي، على أسوأ عبارات السب والشتم، ونلقنهم على أن الخلاف في الأراء والمواقف لا يُدار ولا يُعبر عنه إلا بالتنابز بالألقاب وبالشتائم واستخدام كل أسلحة العنف اللفظي.

كثيرٌ من نخبنا المؤهلة لفتح نقاش جدي وراق من مختلف الاتجاهات والآراء انسحبت من هذه المواقع، أو اكتفت في أحسن الأحوال بالتفرج، مما يزيد الأمور تعقيدا…

إن استمر الحال على هذا الحال، فقد تفاجؤون بعد سنوات قليلة بجيل كامل لا يتلفظ فيه أحد إلا بشتيمة، يسلم عليك الواحد منهم بشتيمة، ويودعك بإساءة، حتى وإن لم يكن يعرفك مسبقا، ولا بينك وبينه ما يستدعي كل تلك الشتائم والإساءات.

قد تقتضي مصلحتي السياسية، على الأقل مؤقتا، وأنا ممن يُحسب حاليا على النظام الحاكم، أن أشجع هذا التنابز القائم بين صاحبي الحسابين الأكثر متابعة في موريتانيا، حساب الطالب وحساب “الطاقم المتخفي” الذي يديره سيدي ولد أكماش، فاستمرار الحسابين على هذا النهج  سيشغلهما لفترة عن نقد النظام، ولكن المشكلة هي أني لا أفكر بهذه الطريقة، فأنا من الذين يضعون في قضايا الشأن العام، المصلحة العامة أولا، ومصلحة الخندق السياسي الذي أنتمي إليه ثانيا، ومصلحتي الشخصية ثالثا. فإذا كان هذا التنابز بين صاحبي الحسابين الأكثر متابعة، والمحسوبين على المعارضة يفيدني سياسيا بشكل مؤقت، إلا أنه سيضر البلد كثيرا، فهذا الأسلوب سيشيع العنف اللفظي، وسيزيد من استخدام لغة السب والشتم في صفوف شبابنا، وسيبعد المزيد من النخب الجادة عن هذا الفضاء، وهو ما ستنتج عنه كوارث خطيرة في المستقبل القريب قبل البعيد.

نعم، أنا منشغل جدا منذ فترة بهذا الخطر القادم، وأرى أن التصدي له أصبح اليوم هو أولوية الأولويات، ولدي بعض الأفكار القابلة للتنفيذ، وسأعرضها إن شاء الله على بعض المهتمين بالشأن العام من مختلف الاتجاهات والتخندقات، وأرجو أن نوفق جميعا في تنزيل تلك الأفكار على أرض الواقع ، وسيكون في ذلك مصلحة كبيرة للبلد.   

فهل هناك من هو مستعد للمشاركة ولو بالرأي؟

المصدر : الكاتب 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى