قضية الهجرة غير الشرعية تثير المخاوف و تحدث الإنقسام في الرأي العام /. اباي ولد اداعة
يجمع كل المراقبين الوطنيين علي أن قرار ترحيل السلطات الموريتانية للمهاجرين غير الشرعيين في إتجاه دول الإنطلاق أو المصدر خطوة قانونية تصب في مصلحة الوطن ،
تدخل ضمن مسؤوليتها و صلاحيتها بما يعزز السيادة الوطنية و يؤكد ضرورة إحترام القانون .
مع مراعاة ضوابط حسن المعاملة و شروط و توصيات الإتفاقيات و المعاهدات الإقليمية و الدولية بشأن الهجرة غير الشرعية.
تأتي هذه الحملة في ظل ماتم ضبطه و إكتشافه مؤخرا علي مستوي الوكالة الوطنية لسجل السكان من تلاعب و تزوير و تساهل في حالات تجنيس غير قانونية كبيرة و كبيرة جدا حصل بموجبها أجانب علي أوراق وطنية بالتمالؤ و التواطؤ مع بعض مسؤولي و عمال الوكالة ،
رغم مزاعم القائمين علي شأنها بأن جميع الوثائق الرسمية في البلاد مؤمنة بأحدث التقنيات و الإجراءات صارمة و شفافة .
بينما يري بعض المحللين بأن الإجراء الذي أعتمدته السلطات الأمنية بشأن المهاجرين يعد نتيجة حتمية لمآلات حالة الغموض الذي أكتنف الإتفاق المبرم أنذاك بين الإتحاد الأوروبي و موريتانيا فيما بات يعرف بصفقة إيواء و توطين المهاجرين الأفارقة .
و التي سبق و أن نفتها السلطات العمومية علي لسان أمين عام وزارة الداخلية حينها .
في ظل الحديث عن تراجع و تخلي الإتحاد الأوروبي عن إلتزاماته بشأن هذا الإتفاق في أحلك الظروف .
و أمام تجاهل التناقض الحاصل الذي تعيشه و تفرزه مجموعة القيم الغربية ،
بين ما تدعيه من إلتزام و إحترام لحقوق الإنسان و ما تقترفه في حق شعوب إفريقيا من جرائم ضد الإنسانية ،
بالتأكيد كل البلاوي و الفضائح تأتي دوما من أوروبا.
في حين شملت هذه الحملة عناصر من جنسيات إفريقية مختلفة من دول الجوار و جنوب الصحراء .
دخلت البلاد متسللة دون المرور بنقاط العبور و المنافذ المعهودة التي حددتها السلطات الموريتانية
أو التقيد و الإلتزام بالقوانين و النظم المؤطرة لدخول البلاد و شروط الحصول علي الإقامة .
في الوقت ذاته حصل آلاف الأفارقة و مئات الأسر و العوائل بموجب إجراءات مبسطة علي تصاريح إقامة بشكل قانوني دون عوائق أو عراقيل تذكر ،
مما سمح لهم بالتحرك و مزاولة أعمالهم و أنشطتهم بكل حرية دون إعتراض من أي كان ،
جلهم من رعايا الجارة الجنوبية السينغال و الشرقية مالي .
سرعان ما اندمجوا داخل الوطن بفضل إلتزام السلطات الموريتانية بمضامين الإتفاقيات الثنائية و سماحة و بساطة . مجتمعنا المنفتح و المسالم الذي يحترم كل الثقافات و الديانات .
إلا أن بعضهم لا يهتم بالتجديد السنوي لبطاقات الإقامة مما يعرضهم في مثل هذه الحالات للوقوع في وضع غير قانوني قد يستوجب الرحيل إذا ما أطال أمده .
صحيح أن العلاقة بيننا و دول الجنوب ممثلة في السينغال ومالي متينة و قوية
علي غرار دول الشمال ( المغرب و الجزائر ) .
يأتي ذلك ضمن روابط إجتماعية و دينية و مصالح تاريخية و جغرافية مشتركة و مصير واحد .
و قيم إجتماعية و ثقافية و علاقات حسن جوار مثالية .
إضافة إلي الدور التاريخي الذي لعبته الطرق الصوفية في كل من موريتانيا و السينغال و مالي من خلال نشر تعاليم الدين الإسلامي و إشاعة ثقافة التسامح و التآخي و التقارب بين شعوب المنطقة و تعزيز الوحدة و تكريس تخليد المواسم الدينية و الروحية عبر التواصل مابين الأتباع و الموريدين من جهة و مشايخ الطرق الصوفية من جهة أخري .
في الوقت ذاته أثار موضوع ترحيل المهاجرين غير الشرعيين جدلا كبيرا و تداعيات و نقاشات واسعة داخل الوطن و في المحيط الإقليمي عبر منصات و وسائل التواصل الإجتماعي
انقسم الشارع الموريتاني بموجب هذا الجدل ما بين مؤيد داعم للموقف الرسمي للسلطات متبنيا فكرة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين رافضا إستباحة الأراضي الموريتانية من أجل توطين و إيواء المهاجرين بغض النظر عن جنسياتهم و أصولهم .
فأرض موريتانيا لأهلها فقط .
مستدلا بالمأثور الشعري :
كل أرض لأهلها شام
وشمامة لأهلها شمامة .
بينما عارض البعض من أبناء الوطن الخطوة التي أقدمت عليها السلطات و ذهب إلي أبعد من ذلك بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان
لعله حق أريد به باطل .
حيث وصفوها بالعنصرية اللونية ،
في محاولة يائسة من أصحاب النعرات العرقية و دعاة الفتنة و التفرقة و الإنفصال للنيل من سمعة الوطن و تشويه صورته وتحريك الشارع الإفريقي ضده و قصد الإضرار بمصالح أبناء جاليتنا في إفريقيا ضمن تحامل كيدي و تهويل مفتعل غير مسبوق،
بعد ما فشلوا في إقناع البرلمان الأوروربي بنفس مسوغات الكذب و المزاعم المغلوطة.
لكن هيهات !
عن أية عنصرية لونية يتحدثون ؟
و أين كان هؤلاء الحقوقيون ؟
حينما شهدت الجارة الشرقية مالي فوضي عارمة نتيجة الصراع المسلح و غياب الدولة المركزية في بعض المناطق و فقدان السيطرة علي الأراضي و إتساع دائرة الحرب بين النظام مدعوما بقوات فاغنير الروسية ضمن صراع نفوذ فرنسي روسي و الحركات الإنفصالية المسلحة و الإرهابية من جهة أخري .
في الوقت الذي جوع و حوصر فيه الشعب المالي من طرف أبناء جلدته و من داخل محيطه الإفريقي ،
لم تتردد موريتانيا أنذاك في إتخاذ موقف الحياد إتجاه الصراع الدائر علي غرار موقفها الثابت من القضية الصحراوية رغم ما قام به الجيش المالي من إستهداف ممنهج و وحشي لفصائل إقليم أزواد ذات الجذور و الأصول العربية .
بل ظلت إلي جانب الشعب المالي من مواقع مختلفة و في حالات إنسانية و إجتماعية و إقتصادية متباينة بحكم العلاقات الثنائية التاريخية و حسن الجوار .
كما لعبت ايضا دورا بارزا في كسر الحصار الذي فرضته المجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا
( الإيكواس ) علي الشعب المالي بسبب الإنقلاب العسكري أنذاك .
كما أبقت حدودها البرية و الجوية مفتوحة معها رغم المطالب الدولية بإغلاقها ،
فيما تم إيصال البضائع و المؤن و تصدير المنتوج المالي عبر الموانئ الموريتانية.
كيف نتنكر لهكذا مواقف نبيلة و نصف أصحابها بالعنصرية ؟
نعم من حق كل مواطن شاء معارضة سياسات الحكومة و الأنظمة ،
لكن ليس من حقه إطلاقا معارضة و معاداة الوطن تحت أي مظلة أو ظرف كان .
فإذا كان حب الوطن واجبا علي كل فرد إتجاه وطنه ،
فهذا الواجب ينبغي أن يدفعنا إلي أن نعزز حالة الإنتماء للوطن و أن نتكاتف و نتعاون و نتآلف لبناء وطننا و الوقوف صفا واحدا في مواجهة كل التحديات المحتملة .
حفظ الله موريتانيا