الأخبارصدى الاعلام

إنبعاث الدولة الوطنية المفاجأة السارة لجائحة “كورونا” / أحمدو ولد عبد الله

ترجمة :”الصدى”/

“إن الشيء الوحيد الذي علينا أن نخافه هو الخوف ذاته” كما قال الرئيس الأمريكي الأسبق لمواطنيه إبان فترة أكبر كساد اقتصادي عرفته البلاد آنذاك.

إن هذه المقولة التي مرت عليها تسع عقود تطرح ذاتها الآن والعالم يواجه جائحة كوفيد 19 وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة.

إن هذا المرض الذي لم تسلم منه لا الدول القوية ولا الدول الضعيفة فرض على الكل ذاته ككارثة عالمية وأجبر الناس على البقاء في منازلها.

لقد أجبرت قدرته الفتاكة الجميع إلى اعتماد الواقعية كمقاربة والابتعاد عن المغالطات والديماغوجية السياسية.

نظرا لكل ذلك يتطلب الأمر تحركا وطنيا بالأساس وكذلك ردودا مناسبة على المستوى العالمي على عكس أوبئة الابولا وانفلونزا الخنازير h1n1 التي بقيت محصورة في مناطق جغرافية ليس لها دور في عالم الاقتصاد والديبلوماسية الدولية، لم يكن كورونا 19 انتقائيا وضرب بسرعة هائلة كل الدول وخصوصا تلك الأكثر إنتاجية اقتصادية والأكثر تنظيما.

مع تراجع المسافات الجغرافية أمام وقع العولمة أصبح الجميع مصابا أو معافا في عزلة وأصبح أيضا لمفهوم الأمن بعد آخر جديد.

لم يعد الأمر مربوطا بتحرك الجيوش ضد عدو خارجي بعدته وعتاده، وإنما نشهد الآن أول تحد من تحديات المستقبل التي ستكون ذات طبيعة متباينة بيئية أو ذات صلة بالهجرة غير النظامية.

أمام هذا الوضع المفاجئ بدت آليات التعاون الإقليمي عاجزة عن مسايرة تطور الجائحة مع أن بعضها نظرا لما يسمع به من تجارب كفيلة بتمكينه من لعب دور مقبول اعتمد ردات فعل بدل القيام بمبادرات حقيقية تتماشى مع الأزمة وذلك عائد إلى رتابة نظمها والممارسات المتبعة بداخل تلك المنظمات من جهة وعدم الإدراك المبكر لخطورة التحدي الذي يمثله المرض وهو ما من شأنه أن يهدد كيان تلك المؤسسات أمام عمق الأزمة من جهة وتردد وغياب ردود سريعة من طرف التجمعات الإقليمية يحتم انبعاث الدولة الوطنية التي بخلاف القبيلة تقوم على مواجهة كل المخاطر لإنقاذ المجتمع.

لقد كانت ومازالت الدولة الوطنية أحسن متحرك لكل الجهود الرامية لصيانة الأمن الوطني وكذلك أمن الأفراد.

إن انبعاث تلك الدولة الوطنية هو أسعد مفاجآت فيروس كورونا المستجد.

بطبيعة الحال لا نقصد ذلك الغول عديم الرحمة وإنما نقصد الدولة الحديثة المحايدة المتواضعة عبر سلوك ممثليها الرسميين.

في مواجهة هذه الجائحة على الدول فيما بعد الاعتماد على قدرتها في التأثير بدل الجنوح إلى قهرهم، ويجب ذلك التركيز على الأولويات البراغماتية بدل الشعارات الديماغوجية التي أنجت الكثير من البؤس خصيصا في إفريقيا.

أمام هذا الهجوم المحقق يجب أن يكون الرد الإفريقي عملي وفعال وسريع استعدادا للحالة الخطيرة المنتظرة، يجب وضع الحلول المناسبة ليكون ذلك أولا عبر الحكومات الوطنية التي تمتلك على تفاوت مستوياتها القدرة على مواجهة الطوارئ عبر اكتشاف واستحضار تلك القدرات، ويكون ذلك أيضا عبر فرض السلوك القويم والمناسب للمرحلة بطريقة جدية وإبراز القدوة في ذلك على مستوى قمة الهرم السياسي للدولة، ويمكن في هذا الصدد الاستعانة بوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لكسب الرهان.

ثانيا: الاهتمام بالذين لا دخل قارة لهم أو ذوي الدخول المتدنية العاملين خصيصا في القطاع غير النظامي القرويين المتقاعدين والنساء ربات الأسر.

على المستوى الاقتصادي ستتأثر اقتصاديات إفريقيا بدرجات متفاوتة متينة لعدم تجانسها في الأصل وعليه يتطلب الأمر مقاربة فردية حسب كل حالة.

ستعرف بعض القطاعات ركودا محققا مثل النقل والمعادن والسياحة، بينما سيكون انخفاض أسعار البترول في صالح الدول المستوردة أي الغالبية العظمى من دول القارة على أن يؤثر ذلك سلبا على البحوث الرامية إلى استخراج واستغلال الغاز.

من جانب آخر من المتوقع أن يشهد القطاع الزراعي انتعاشا افتقده طويلا بسبب سياسات الدعم اللا مشروع على المستوى الدولي من جهة والمقاربات والخطط الديماغوجية المتبعة على المستوى الوطني من جهة أخرى، وهي أسباب مجتمعة أدت إلى عدم استفادة القطاع الزراعي من الاستثمارات الحديثة.

يمكن أيضا عبر الصرامة في تسيير الأموال العامة محاربة الفساد المنتشر وتحصيل أموال لم يتم التبويب عليها في السابق كما يتعين إعادة توجيه المبالغ المخصصة لخلاص ديون خارجية تحوم الشكوك حول سلامة وصولها وذلك من أجل ضخها في الاقتصاديات الوطنية.

وفي هذا المجال يمكن للمؤسسات المالية القارية مثل البنك الإفريقي للتنمية وآفز يكسم بانك Afiximbank يمكن لهذه المؤسسات تأمين دعمها المالي والفني في هذه المعركة.

على المستوى الدولي يتوجب التفاوض والتوصل إلى تعليق دفع فائدة الديون الخارجية، وعلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي دعم الجهود الوطنية في هذا المجال إذا أسند الأمر إلى خبراء حقيقيين (وهم موجودون بالفعل) يمكن الحصول على هبات وقروض موجهة لصالح الدول الضعيفة مثل دول الساحل.

ولتحقيق الهدف من كل ذلك لابد من الشفافية والسرعة عند استعمال تلك التمويلات.

إن تلك الجهود كفيلة بضمان دعم وثقة الشعوب في قادتها، وهو أمر ضروري لقادة يواجهون تحديات أخرى ضاغطة مثل الإرهاب والتهريب بكل أنواعه، ومن البديهي أن اتساع رقعة التهريب يضع عراقيل عدة لمجابهته ويمهد المناخ لانتشار الإرهاب والنزاعات الداخلية المرتبطة به.

“آه لو كان مقدورنا أن نعزل النزاعات” كما قال الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنتونيو غوتورش.

لكن الأمر ليس كذلك!

قد تتصاعد عمليات الهجوم واحتجاز الرهائن في منطقة الساحل حيث يسعى الإرهابيون على استغلال الحالة الضبابية وحالة الخوف الناتجة عن الواقع الراهن، وذلك عبر نشر الأخبار الكاذبة لتطمين أفرادهم المترددين ولخفض معنويات عزائمهم.

إن إجراءات العزل وحظر التجوال تفرض على قوات الأمن واجبات جديدة الآن عبر تضخم الرقعة لصالح المتطرفين، وقد عرف عن إرهابيي الساحل تماما كزملائهم في العالم كرههم لكل حدث يجعلهم لا يتصدرون المشهد.

وفي هذا المنحى وإذا ما استمرت مجابهة الجائحة في تصدرها للعناوين على المدى القصير فسيميلون إلى استخدامها في حربهم الدعائية ضد الغرب الذي سيبدو عاجزا عن مواجهة الأمر ومنتظرا التجهيزات ومعدات قادمة من الصين عبر روسيا، وهو ما يعبر عن قرب “الانتصار على المشركين في رحلتهم الأخيرة نحو الانحطاط السريع”. وفي الأخير يظل الانسجام وفاعلية ردود الحكومات الإفريقية بخصوص الجائحة ودعم المواطنين أمور كفيلة بتحقيق نقلة نوعية في محاربة الإرهاب، لكن للأسف في وضع غير مستقر كالذي نعيشه تبقى كل الاحتمالات مفتوحة.

وكما قال الرئيس روز فيلت “علينا أن نخشى من الخوف وحده”.

الـكوفيد 19 وكل الأوبئة القارية لن تتمكن إفريقيا من السيطرة عليها عبر العزل لوحده، لن نستطيع السيطرة على بؤرها وانتشارها إلا عبر اعتماد المزيد من الشفافية والانضباط وهي صفات تثبت اليوم أنها أفضل ضمان للصحة الجيدة للجميع أغنياء كانوا أم فقراء.

أحمدو ولد عبد الله /

وزير سابق للشؤون الخارجية بموريتانيا

مبعوث سابق خاص للأمين العام للأمم المتحدة لغرب إفريقيا

رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في الساحل والصحراء

 

المصدر:

النسخة الورقية من صحيفة “الصدى” الأسبوعية الصادرة بتاريخ 16شعبان 1441هـ الموافق 10إبريل 2020

المصدر الأصلي للمقالة :afrique la libre

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى