الأخبارمقالات و تحليلات

جهنَّم العجم.. وقودها العرب / خالد عمر بن ققه

خالد عمر بن ققه / كاتب وصحفي جزائري

«جهنّم».. ذلك المصطلح الذي يؤرقنا بعد أن أصبح متداولًا على نطاق واسع في ظل الصراع الدولي الرّاهن، خاصة في منطقتنا، فحضوره الدنيوي ألغى من ذاكرة الأمم المعاصرة معناه الديني كما هو لدى أهل الكتب السماوية، الأمر الذي جعل منه خطابًا يوميًّا متداولًا يتعدَّى التهديد والوعيد، ليتحول إلى إفناء البشر بفعل يعيدناـ في حالة من النُّكُوص الظَّاهر والمستفزـ إلى مرحلة ما قبل مرحلة التوحيد، حيث تجبُّر قلة من البشر استفردت بتحكم في مصائر الناس.

 

ليس هناك أي مبرّر لاستعمال المصطلح من طرف العجم والعرب، لأنه يتعلق بثلاثة عناصر جوهرية، يكمن من خلالها رفض تبعات المصطلح وتطبيقاته العملية، في سياق الفعل البشري المتوحش خلال الأزمات الكبرى التي ناءت البشرية بحملها اليوم، كما هو ظاهر في منطقة الشرق الأوسط، ومناطق أخرى من العالم استفحل فيها الاستكبار العالمي، والعناصر الثلاثة هي:

 

أوّلًاـ أن مصطلح «جهنَّم» يخصّ الإله دون البشر لجهة الحكم عن الأفعال، إذ لا أحد يملك أو يحق له استحضار المصطلح عند إحداثه الفساد في الأرض أو شنه الحرب، حتى لو كانت مشروعة.

 

ثانيًا- أنه «حُكْم قيمة»، وهذا يجعل من الاتفاق حوله أمرًا مستحيلًا، لأن ضحاياه في رد فعلهم ومواجهتهم يرون فيه- حسب معتقداتهم- طريقا للجنة.. صحيح أن هذه المسألة خلافية بين البشر، لكن هناك إقرار بوجودها.

 

ثالثا- أن«جهنم» مسألة غيبيَّة، تخصًّ الذي يؤمنون بالآخرة، والبعث، والنشور والحساب، والخلود، ولا يعقل إحضار الغيب ضمن زخرف القول غرورًا في حياة البشر.

 

وبعيدًا عن الجانب النظري لمصطلح «جهنَّم»، فإن استحضاره في العمل العسكري، خاصة الذي يحمل طابعًا عدائيًّا، في اللحظة الأمريكية- الإسرائيلية الرّاهنة، يبيّن توسُّع دائرة الحروب في المنطقة بتحويل حياة الناس- وفيهم الأبرياء منهم- إلى جحيم، في مسعى مقصودٍ إلى تحقيق النهايات الحتميّة لثوابت الجغرافيا المتفق عليها دوليًّا، سواء عند فرض السيطرة أو الإبادة والتهجير، ويأتي هذا كلّه بالترهيب دون الترغيب، ما يعني تشكيل خرائط جديدة ليس فقط للدول، وإنما لتوزيع السكان داخلها، في إعلان صريح لعودة السيادة الاستعمارية.

 

 

جهنم الأمريكية- الإسرائيلية لا تساق لها بعض دولنا العربية لتدخلها جزاء لما اكتسبت، إنما تحل فيها، ثم تنطلق منها، ودخولها لا يعني فقط رفضها للسياسة الأمريكية- الإسرائيلية الظالمة، وإنما لكونها اختيرت لتقدم قربانا للآخرين حتى يتم التفاوض معهم وإبعادهم عن ويلات الحروب، كما هو الشأن مع إيران.

 

نحن العرب ندفع اليوم ثمن وجودنا على أرضنا- إن بقينا فيها- وندفع أيضا ثمن الصفقات المتبادلة بين القوى الدولية المُتكَالِبة على المنطقة، فمن يريد أن يحافظ على أمنه القومي المحلي، يجد فينا ضالته ليقدمنا قربانا، ومن يسعى لحماية دولته وقوته العسكرية يجدنا أضحية مزجاة، كما هو الأمر بالنسبة لإيران في حفاظها على قوتها ووجودها وبرنامجها النووي كما سبق الذكر، ومن يجري صفقات تتعلق بمصير دولته في السلم والحرب يتخذ منا سبيلا لذلك، كما فعلت روسيا في الدولة السورية، وكل هذا يتم عبر فتح أبواب «جهنم البشرية» علينا.

 

المدهش، أن بعضًا منا يبدو غير مكترث لما يحصل لاعتقاد زائف منه، يتلخص في أنه بعيد، لكن الحقيقة التي تبدو جليَّةً في العمل العسكري الأمريكي على اليمن، وغدًا على غيره من الدول الأخرى، هي أن جهنم الأمريكية- الإسرائيلية تتمدد في المنطقة، وتأخذ من جهنم الآخرة عبارة «هل من مزيد؟»، ولن ينجو منها العرب إلا بتوبة نصوح، بدايتها من رفضهم أن يكونوا وقود النار الأمريكية- الإسرائيلية، على مستوى الفعل.

المصدر : الكاتب + المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى