الرأيفضاء الرأي

سؤال الدولة (1) / السيد محمد حماه الله

السيد محمد حماه الله

سؤال الدولة لم يكن سؤالا أساسيا إنما نتيجة لطبيعة الفكر والمجتمع لذا ينبغي أن يوجه التساؤل الى الفكر مباشرة 
الفكر الإسلامي و الفكر العلماني
فالفكر الوضعي يفرز دولة وضعية والفكر الإسلامي يفرز دولة إسلامية ، التجربة الوضعية تفرز دولة وضعية والتجربة الدينية تفرز دولة دينية ، المجتمع العلماني تكون دولته علمانية والمجتمع الإسلامي يبني دولة إسلامية.
إذن نحن ابتداءا أمام تمايزان للفكر والإجتماع الإنساني يختلفان في قبلياتهما وأهدافهما وطريقة بناء أنساق التفكير في كليهما .
الحالة الوضعية : هي حالة الإعتراف بالواقع والحس والمادة دون سواهما ترى الحقائق عبر المشاهدة والإختبار الحسي فقط ،وهي في جوهرها تنشأ عن حركة أحادية تبدأ بالإنسان /الفرد لتنتهي عنده .
فالوضعية كما نظر لها اوغست كونت في القرن التاسع عشر وكما نشأت منذ قدم البشرية هي عدم الإعتراف إلا بما يمكن للمشاهدة والتجربة أن تبرهنه أي الإعتراف بالمحسوس والملموس في عالم المادة لذا فكل الأشياء يجب أن تجسد في الوضعية وتأخذ شكلا وحجما بما في ذلك ال”رب” نفسه
العالم الدنيوي هو كرسي الرب هو مركز الأكوان وعيسى عليه السلام لم يعد مرسلا ونبيا وإنما رب تجسد واختبر .
فالفكر الوضعي لا يرضى برب لا يراه ولا يلمسه ولا يحسه .
فآلهة الوضعية يجب أن تكون وضعية أيضا أصنام، حيوانات، شموس، حكام، طبيعة، …الخ والإنسان في الحالة الوضعية لا يمكن أن يكون إلا فردا معبودا أو حيوانا متطورا أو آلة متقدمة .
أما الحالة الإسلامية فتختلف في مقدماتها وقبلياتها ونهاياتها ونتائجها فهي لا تنكر المحسوس والمتجسد والتجربة والمادة ابتداءً بل تعترف بكل هذه الأشياء وتسعى لمعالجتها وموضعتها بأفضل شكل ممكن بمعنى إبقائها تحت السيطرة فلا تفلت أو ترتد أو تسود فالإسلام لا يعترف بألوهية المادة أو المشخص بإعتباره مرجعية نهائية أخيرة .فلا يرى ألوهية لا للمادة ولا للإنسان ولا للطبيعة ولا للأكوان فلا ألوهية في الإسلام إلا لله سبحانه وتعالى خالق السموات والأرض والأكوان والحيوات والأشياء كلها “ليس لأوليته إبتداء ولا لأزليته إنقضاء” “هو الأول لم يزل والباقي بلا أجل” “لاتقدره الأوهام بالحدود والحركات ولا بالجوارح والأدوات” “الظاهر لا يقال مما والباطن لا يقال فيما ” “لم يقرب من الأشياء بإلتصاق ولم يبعد عنها بإفتراق”

أما الإنسان في الحالة الإسلامية فهو المستخلف المكرم على جميع الخلائق والمسخر له جميع ما في الأرض ليتحقق فيه وبه إرادة الخير الأولى المتجسدة عن الله سبحانه وتعالى
إنه ليس فقط الإنسان الفرد بل هو أيضا إضافة إلى ذلك الإنسان/النفس أو الإنسان/الفطرة هو الإنسان الإجتماعي أو الإنسان المدني هو الإنسان الذي يكدح إلى ربه كدحا فيلاقيه. والذي علمه الله الأسماء وأودع فيه من الصفات والخصائص ما أودع فالإنسان هو ظل الله في الأرض وخليفته عليها
إستظلال بشروط وإستخلاف بقيود إعرف نفسك تعرف ربك وإعرف ربك تعرف نفسك
فالإسلام يعظم الإنسان لكنه لا يقف عنده ولا يجعله مركزا وإنما يضعه مركزه اللائق ما بين ثلاثية الوجود
الله
الكون
الإنسان
وعبر هذا المركز فقط تتكشف إمتزاجات الإنسان ما بين الملائكية والحيوانية وتجسدهما الإنساني في زكاوته بتذكيره كيف خلق وكيف بدأ الخلق وإلى أين المصير فالإنسان أبعد ما يكون عن الاحادية الآلية بل هو مركب معقد متنوع الحركات متعدد الإتجاهات يحمل الأضداد والتكامل سواء في داخله أو في تفاعله مع المحيط .
إذا تحول الإنسان إلى مركز إلى بداية ونهاية إلى ربوبية كما تريد الوضعية فإنه لا محالة سيطغى لإستغانه عن المحيط الذي سيضحى هامشا تابع لا حول له ولا قوة يقول تعالى :(إن الإنسان ليطغى أن راءه أستغنى) والإنسان الذي سيطغى هو الإنسان/الفرد /الحاجة/الرغبة/الوحشية على حساب الإنسان/النفس/العقل/الفطرة/النظام وعلى الإنسانية جمعاء فالإنسان الذي قال فيه تعالى:(إني جاعل في الأرض خليفة) هو نفسه الذي يمكنه (أن يفسد ويسفك الدماء)

يتبع

المصدر : الكاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى