الأخبارتقارير ودراسات

بين قطر وغزة… البرلمانان العربي والأفريقي بين صرخة سياسية جديدة وتكرار سيناريو قديم

في القاهرة، خرج رئيس البرلمان العربي محمد بن أحمد اليماحي، ورئيس برلمان عموم أفريقيا تشيف شارومبيرا، ببيان مشترك عقب اجتماع طارئ، ندد بما وصفاه بـ”الاعتداء الغاشم” لكيان الاحتلال على دولة قطر، وباستمرار حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.

لغة البيان جاءت قوية، تدين وتستنكر وتطالب المجتمع الدولي بالتدخل، بل ذهبت إلى حد الدعوة لتجميد عضوية “برلمان الاحتلال” وإلغاء حق الفيتو في مجلس الأمن. لكن السؤال الأعمق هنا: هل نحن أمام موقف جديد بالفعل؟ أم أننا بصدد إعادة إنتاج لخطاب عربي وأفريقي قديم لم يترجم إلى أفعال؟

مقارنة تاريخية: بيانات بلا أثر

من يتتبع مسار البيانات العربية والأفريقية منذ عقود، يجد تشابهًا كبيرًا في العبارات والقرارات:

  • قمة الخرطوم 1967: خرجت بـ”اللاءات الثلاث” (لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف)، لكنها لم تمنع توسع الاحتلال لاحقًا.

  • الجامعة العربية 2002 (مبادرة السلام العربية): عرضت انسحابًا كاملاً مقابل اعتراف شامل، لكن المبادرة بقيت على الورق ولم تجد تجاوبًا.

  • بيانات الاتحاد الأفريقي: ظل يؤكد على دعم فلسطين وحقها في تقرير المصير، لكن لم نشهد أي إجراءات عملية كتجميد علاقات أو فرض عزلة دبلوماسية.

  • البرلمان العربي نفسه: أصدر مئات البيانات منذ الانتفاضة الثانية وحتى حرب غزة 2021، كلها صيغت بنفس القوالب من الإدانة والشجب، دون تغيير ملموس في موازين القوى.

إذن، البيان الحالي ينسجم مع خط تاريخي طويل من “اللغة القوية” التي لا تترجم إلى آليات تنفيذية.

البعد السياسي والرمزي

مع ذلك، لا يمكن تجاهل أن صدور بيان عربي-أفريقي مشترك له رمزية خاصة: فهو يعكس تلاقي إرادتين إقليميتين، في وقت يشهد فيه النظام الدولي انقسامات عميقة، وحيث يتنامى نفوذ الجنوب العالمي. دعم جنوب أفريقيا لملف فلسطين أمام محكمة العدل الدولية ليس تفصيلاً عابرًا، بل مؤشر على أن أفريقيا قد تتحول إلى مركز ثقل بديل للشرعية الدولية.

لكن هل يكفي هذا التلاقي العربي-الأفريقي لإحداث تغيير؟ هنا تبرز الأسئلة الجوهرية:

  • إذا كان الاحتلال قد تجاهل بيانات من مجلس الأمن نفسه، فهل سيأبه ببيانات برلمانية رمزية؟

  • كيف يمكن للبرلمانين أن يتجاوزا حدود الخطاب إلى ممارسة ضغط سياسي واقتصادي وقانوني حقيقي؟

  • ألا يكشف هذا التكرار لعقود من البيانات عن أزمة عجز في النظام العربي والأفريقي، أكثر مما يعكس قوة موقفهما؟

أزمة الفيتو… وأزمة البدائل

البيان دعا إلى إلغاء حق النقض في مجلس الأمن، باعتباره تحول من أداة لحفظ الأمن إلى أداة لحماية الاحتلال. هذا المطلب مشروع، لكنه يصطدم بواقع أن النظام الدولي ما زال رهينة موازين القوى بعد الحرب العالمية الثانية.

وهنا سؤال آخر يفرض نفسه: إذا كان العرب والأفارقة يدركون استحالة تعديل النظام الدولي في المدى المنظور، فلماذا لا يبادرون إلى بناء أطر بديلة أكثر استقلالية وفاعلية، بدل الاكتفاء بالمطالبة بإصلاح غير واقعي؟

الخلاصة: صدى الماضي يتكرر

البيان العربي-الأفريقي الأخير ليس الأول ولن يكون الأخير، لكنه يكشف المعضلة نفسها: خطاب قوي بلا أدوات تنفيذية.

هو يكرّر صدى بيانات سابقة من الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، لكن دون أن يجيب عن الأسئلة الصعبة:

  • ما العمل بعد الإدانة؟

  • كيف يتحول التضامن إلى إستراتيجية ضغط حقيقية؟

  • وهل يستطيع الجنوب العالمي أن يشكّل كتلة وازنة تقلب موازين السياسة الدولية في الملف الفلسطيني، أم سيبقى الأمر في حدود الرمزية والشعارات؟

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى