فضاء الرأي

مهرجانات ثقافة سخافة../شيخنا سيدي محمد

في الوقت الذي تزخر فيه مورتانيا المنارة والرباط برجال العلم والثقافة والفكر، وما يقدمونه من إبداع وابتكار على مختلف الأصعدة العلمية والثقافية والفكرية نجد أن هناك أيادي خفية أو قوى تسعى لتجاهل دور أهل العلم والثقافة والفكر وطمس انجازاتهم وتسطيح دورهم، فبدل أن تكون  المهرجانات الثقافية منبر مفتوح  لابداعات أصحاب العلم والثقافة والفكر نجدها تزخر بالتفاهات والسخافات،التافهة
وحين تلقي نظرة خاطفة علي لوائح منظمي هذه المهرجانات و من يتم تمويلهم ورعايتهم رسميا فإنك لن تجد مثقفين ولا دكاترة ولا اساتذة هم من يتصدرون المشهد بل ستجد دمي تحركها قبيلة او جهة او عرق او طائفة او سياسي افني عمره يتقلب بين المناصب خلال أنظمة الولاء والطاعة العمياء التي  حكمت  البلاد منذوا فجر الاستقلال وحتي اليوم
وعلي الرغم ان هذه المهرجانات حين نلقي منها ما يحدث من انحلال للأخلاق ومفاسد للمجتمع وتدمير لعادات وتقاليد واضرار بالولاية المضيفة فلن يبقي لديها ما تقدمه
وهو ما  يعكس مدى قلة الوعي في مجتمعنا الذي قبل أن يكون قطعة شطرنج في مهرجانات تافهة خالية من المضمون والمحتوى والهدف، مما مكن  أصحاب هذه المهرجانات من الحصول على شهرة كبيرة و اصبحوا نجوماً من لا شيء، فأي انحطاط وتخلف وجهل يعيشه مجتمعنا الذي جعل من التافهين نجوماً، فحققوا شهرة لم يحققها أو يحلم بها رجال العلم والثقافة والفكر وصدق من  قال: “انظر إلى الأشخاص الذين يقدّرهم المجتمع سوف تعرف الاتجاه الحضاري السائد في ذلك المجتمع ومصيره”. هذا للأسف هو حالنا من ترويج للتفاهة وترميز للتافهين، وتجاهل للعلم والثقافة، وتسطيح لرموزها، فاليوم إذا خرج عالم أو مثقف أو مفكر برؤية أو منهج لا تجد من يلقي بالاً لإبداعاته هذه، فنحن نعيش فعلاً عصر التفاهة والسخافة والانحطاط، فلا دعم ولا تشجيع ولا تقدير للعلماء والمثقفين والمفكرين في مجتمعاتنا في حين أن المغمورين يحظون بالإعجاب والرعاية و التمويل والتشجيع رغم تفاهة ما يقدمون، إن مما لا شك فيه أن هناك قوى تسعى إلى نشر التفاهات والجهل والسخافات وبرعاية رسمية من خلال مهرجانات التهريج التي تعد اليوم من أقوى وسائل التأثير على المواطن في موريتانيا من خلال دورها في تشكيل آراء الناس وأذواقهم وتوجيههم إلى ما تريد تحقيقه من أهداف في مجتمعنا ، فماذا قدم أصحاب مهرجانات التهريج للمجتمع الموريتاني حتى يحظون بهذه الشهرة ويحققون هذا الانتشار؟! ونحن في هذا المقام لا نلقي اللوم عليهم  الخلل ليس فيهم  إنما الخلل كل الخلل في النظام الذي يمول ويرعي والجمهور الذي يتابع هذه التفاهات ويروج لها وينشرها حتى تصبح  وكأنها ابتكارات أو إبداعات أو انجازات حققت وتحقق للمواطن الموريتاني ما يصبو إليه من تقدم ورقي، فتشجيع التفاهة بلا شك تدل على أغفال دور العقل، وقلة الوعي، وتوجيه الاهتمام بسفاسف الأمور، وهذا الذي عليه مجتمعنا اليوم على وجه الخصوص من نشر وترويج ودعم للتفاهة والاهتمام بها يبين واقع مؤسف نعيشه اليوم يتمثل بالفجوة الكبيرة بين مجتمعنا وبين العلم والمعرفة، فلا تجد  اليوم إلا القليل ممن يكون على استعداد لأن يقضي وقته في قراءة كتاب، أو نشر علم أو تدريسه، وإنما باتت جل الأوقات تقضى على التصفح لوسائل التواصل الاجتماعي وليت هذا التصفح يكون لأمر مفيد أو نافع للمجتمع وإنما هو تصفح للتفاهات مشاهدةً وترويجاً ودعماً،
، فلماذا كل هذا الاهتمام والمتابعة بهكذا أمور في حين أن المثقف وصاحب الفكر والرأي والحكمة يواجه الإهمال والتجاهل، فلا يجد التشجيع والدعم لإبداء رأيه، أو نشر علمه، أو عرض فكرته، أو مشاركة خبرته، فليس المهم اليوم أن تكون مثقفاً المعياً، أو أن تتعب نفسك بالقراءة والكتابة والبحث لكي تصل إلى فكرة وحكمة تفيد المجتمع، وليس المهم أن تقضي وقتك في المختبرات لتجري تجربة ناجحة لإيجاد نظرية علمية، أو تقضي وقتك لتحل معادلة مستعصية على الحل، حتى تحصل على الشهرة والإعجاب والاهتمام، فالشهرة والنجومية من نصيب أصحاب التفاهة وحدهم وليس لغيرهم. فيا ترى لماذا التفاهة تنتشر بسرعة كهشيم النار في الحطب في حين أن المحتوى العلمي والثقافي والفكري لا يحظى بهذا الانتشار، لا شك ان هناك توجيه رسمي لنشر التفاهات والترويج لها وتجاهل للعلم و للثقافة والفكر فهذا التوجه مقصود ويقف وراءه من يسعى للتحكم بمصير الشعب من خلال تكريس التفاهة والسخافة والترويج لها، لشغل الشعب عن واقعه ومصيره وإلهاءه بسفاسف الأمور دون عظائمها، فمتى يفيق مجتمعنا من سباته ويستيقظ من نومه ليرى حاله وما وصل إليه من انحطاط وسحطية؟!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى