الأخبارتقارير ودراساتصدى الاعلام

الإمارات وبايدن.. نحو احتواء رئيس جديد متحمس لمحو بصمة سلفه / مروان البلوشي

لقاء سابق بين بايدن والشيخ محمد بن زايد – أرشيف

الصدى – كيوبوست /

مقدمة: حتى لا نسئ قراءة بايدن:

وانتهى موسم جديد من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الأسابيع القادمة ستكون محمَّلة ببعض الفوضى، وستلعب نرجسية ترامب دوراً كوميدياً في عرقلة الانتقال السلس للسلطة؛ لكن بايدن سيستلم الرئاسة في نهاية الأمر، هناك العملية السياسية أكبر من الأشخاص. على أية حال، كيف سيكون تعامل إدارة بايدن مع الإمارات؟ هذا هو الهدف من هذه القراءة التحليلية.

 

يقول الرئيس الأمريكي الجديد إنه سوف “يداوي الجراح التي خلفها ترامب في الداخل والخارج”[1]، كما أنه صرَّح برغبته في إصلاح “علاقات الصداقة التي أضرها ترامب بشكل درامي”[2]. في الأقاليم الثلاثة التي تشهد حضوراً أمريكياً ثقيلاً (أوروبا، وشرق آسيا، والشرق الأوسط) لاحظنا تفاؤلاً كبيراً من الأوروبيين، أما في منطقتنا فقد برزت أصوات متفائلة من قطر وإيران والإخوان المسلمين، وبشكلٍ أقل تركيا؛ كلها تبشر بنهاية الإشكالات والمآزق التي خلفها عهد ترامب، وكلها تغرق في تفكير رغبوي يُمنِّي النفس بتقلب أحوال الإمارات والسعودية ومصر، ودول أخرى في المنطقة. لكن قبل أن نفحص احتمالات ذلك، لنلقي نظرة على واقع منطقتنا في السنوات الأخيرة.

 

الشرق الأوسط الذي خلقته الإمارات مع ترامب:

لدى مجيء ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2017، كانت توجهات جميع القوى الفاعلة في منطقتنا تقوم على أساسَين لا ثالث لهما؛ مضاعفة المكاسب والفرص وتخفيض حجم المخاطر والخسائر، وهذا انطبق على الجميع: الإمارات، وإيران، وتركيا، وقطر، والسعودية، وباقي دول الإقليم، بالإضافة إلى القوة الأجنبية المؤثرة؛ أعني للولايات المتحدة. وحتى نكون أكثر وضوحاً، فإن قائمة المخاطر احتوت على ملفات مثل: التمدد الإيراني والتركي، تجدد موجات الربيع العربي، مغادرة أمريكا للخليج. أما قائمة الفرص فكانت غنية بنقاط تقليدية تتكرر في كل زمان ومكان؛ مثل (الاستفادة من ضعف دولة إقليمية كبرى) أو كانت تحتوى على أمور مستحدثة أججت صراعات المنطقة؛ مثل (لجوء كثير من الدول إلى صراعات غير مباشرة عبر وسطاء ووكلاء وميليشيات.. إلخ).

 

التفاعل العنيف بين المخاطر والفرص الذي اشتعل منذ 2011 لم يدمر أجزاء واسعة من منطقتنا فحسب، ولم يغير فقط موازين القوى؛ بل جعل التقييمات الغربية لحاضر ومستقبل منطقتنا في حالٍ متقلبة من الضبابية والتردد أو الشك والضجر تجاه مخاوف حلفائها التقليديين أو الرغبة الشبيهة بالانقياد نحو ترتيباتٍ أمنية جديدة لمنطقتنا يتم فيها في الحقيقة ترجيح كفة محور على حساب محاور أخرى، هذا ما رأيناه من إدارة أوباما- بايدن وقوى غربية أخرى.

 

 

مع ترامب، مع وبعد مجيء ترامب تغيَّرت المعادلات؛ تم تثبيت حكم السيسي في مصر، لا تزال الحرب اليمنية مفتوحة الاحتمالات؛ ولكنها لن تخرج عن سيطرة….، تم وضع إيران في زاوية ضيقة بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، وتم تحجيم الدور القطري. كل هذا تم بجهود إقليمية أولاً وليس نتيجة تدخل حاسم من القوى العظمى الوحيدة في العالم، أعني أنه تم بجهود الإمارات أو حلفائها في المنطقة[3].

 

نحن ننسى أن تردد إدارة أوباما؛ بل ونظرتها السلبية إلى دول الخليج “التي تقفز مجاناً على أكتاف أمريكا”[4]، كما قال الرئيس الأمريكي، حفزت الإماراتيين على الاندفاع نحو أخذ الأمور بأيديهم، ومحاولة تثبيت أو تغيير الممكن في خرائط وتوازنات المنطقة. هذه الجهود نجحت لدرجة كبيرة، الصحيح أنها أدت إلى ردود فعل مستمرة من خصوم الإمارات وبعض هؤلاء هم أيضاً أصدقاء لواشنطن؛ لكن البيت الأبيض ركن -في أواخر عهد أوباما وفي عهد ترامب- إلى انتظار الفائز من صراع المحاور الإقليمية -أو لنقل الطرف الأقل إجهاداً أو الأذكى- ومن ثمَّ التعامل مع أجندته بالتبريك أحياناً أو بغض النظر أحياناً أخرى.

 

هذا ما لا يلاحظه الكثير من المحللين العرب (والغربيين)، أن القوى العظمى الوحيدة في العالم، تقبلت وإن على مضض، سياسة دولة صغيرة مثل الإمارات. تم إدارة هذه السياسة (الصلبة والتدخلية غالباً) من أبوظبي بمهارة بالغة، أعجبت البعض في واشنطن ولم تعجب الآخرين؛ ولكن مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية ورغم مختلف مشاربها الفكرية، تفهم وتتقبل أولاً لغة القوة. بايدن ليس طارئاً على هكذا قناعة.

 

ولكن على أبوظبي العمل لكسب رضا بايدن

 

ورغم كل شيء، يأتي بايدن بأفكاره الخاصة أيضاً. الرئيس الجديد ينوي تنظيم وإطلاق “قمة عالمية للديمقراطية”[5]، ليس الهدف الأعمق هنا هو معاودة جهود تغيير الأنظمة غير-الديمقراطية في منطقتنا والعالم، ولكن بايدن يريد وبسرعة وبحماسة أن يبني التفاهمات الفكرية والإعلامية والسياسية التي ستمكنه من استعادة ملامح السياسة الخارجية الأمريكية كما كانت سابقاً، استعادة الملامح حسب الرئيس الجديد تعني: “وضع أمريكا على قمة طاولة المفاوضات.. للتعامل مع التحديات الأكثر إلحاحاً؛ سواء أكانت الاحتباس الحراري، إلى التفاوض مع إيران”[6]. هنا على أبوظبي أن تفكر:

 

كيف نستطيع أن نستفيد من هذا الحماس؟ تم تدبيج الكثير من مقالات ووجهات نظر -محللين إماراتيين وآخرين- حول حنكة الخليجيين في التعامل مع كل إدارة أمريكية جديدة[7]. لكن لم يتم تحليل ونقاش نقاط الاتفاق والاختلاف المحتملة بين أبوظبي وواشنطن بايدن التي تريد العدول قدر الإمكان عن الكثير مما خلفه ترامب في سنوات حكمه.

 

السؤال الأهم هنا هو: كيف سيتعامل الإماراتيون مع نظرائهم الأمريكيين في الاجتماعات الرسمية وخلف الأبواب المغلقة عندما سيتم طرح نقاط الخلاف والافتراق بين الطرفين؟ وبالذات التي كانت إدارة ترامب تنظر إليها أصلاً بعين الرضا؟ الحقيقة هي أن العلاقة بين الطرفين ازدهرت؛ لأن طرفيها تبادلا باستمرار الكثير من “الخدمات” التكتيكية والاستراتيجية في العقود الأخيرة؛ وبالذات منذ بروز ولي عهد أبوظبي الحالي في تسعينيات القرن الماضي[8]، الاستثمار الذي وُضع فيها لن يتبخر فجأة؛ ولكن بايدن لن يضع مصالح الإمارات في قائمة أولويات سياسته شرق الأوسطية (ولا تريد قاعدته الشابة المؤدلجة في الحزب الديمقراطي ذلك طبعاً)، سيتصرف بايدن كرجل سياسة عالمي يريد العالم أن يرى أمريكا وهي تستعيد زمام نظام دولي بملامح ليبرالية يغلِّب لغة المفاوضات والمساومات في غالب الأحيان على لغة فرض الأمر الواقع.

 

 

سيكون هنا على أبوظبي أن تفكر ملياً في كيفية التوافق مع بايدن ونظامه العالمي الجديد. الإمارات الآن ليست دولة صغيرة تلعب بمهارة من خلف الكواليس وبرضا هذا الحليف الإقليمي والغربي أو ذاك. تتصرف أبوظبي فعلياً على أساس أنها قوة متوسطة ذات طموحات كبيرة (ومخيفة للبعض)، وعليها أن تعمل باستمرار لخلق لغة تفاهم بلهجة جديدة مع بايدن تختلف عن الحذر والنفور وخيبة الأمل التي شابت فترة أوباما، والحماس والانطلاق اللذين ميَّزا فترة عهد ترامب.

 

الخلاصة:

لا تبدو الصورة قاتمة أو بهيجة للإماراتيين. ينسى المحللون أن شخص وزير الخارجية الأمريكي مهم في صياغة السياسات، وكل المرشحين لشغل هذا المنصب عملوا مع الإمارات سابقاً في عدة ملفات، بسجل يتراوح بين التوافق والاختلاف والشد والجذب (جميعهم من فريق أوباما).[9] وينسى الكثيرون أن الكونغرس مهم أيضاً في صياغة السياسة الخارجية، وإن ظلت النقاشات هناك أحياناً بلا ترجمة فعلية في الواقع (هل سيكون هذا هو الحال عند مناقشة صفقة مقاتلات الجيل الخامس F-35 ؟).

 

كما أن شخص الرئيس الأمريكي أيضاً مهم؛ بايدن ليس غريباً عن الإمارات ولا يبدو في أسوأ الأحوال أنه مستاء من سجل أبوظبي في ملفات كثيرة من تمكين الإسلام المعتدل إلى إقامة العلاقات مع إسرائيل. الواضح هنا، أن على أبوظبي أن تستثمر مجدداً في العلاقة وأن تكون مرنة مع مطالب واشنطن وضغوطها؛ ففي نهاية اليوم هناك فارق كبير بين قوة إقليمية متوسطة وقوة عالمية عظمى يريد رئيسها أن يغير سياسات سلفه، أو يبدو على الأقل أنه كذلك. لكن أليست شواهد التاريخ مدهشة في سرد صعود وانحدار حظوظ الدول؟!

 

مروان البلوشي / كاتب إماراتي – باحث دكتوراه-السياسة والعلاقات الدولية

ستمر بعد أسابيع الذكرى التاسعة والأربعون لقيام اتحاد الإمارات السبع. من المهم التذكر بأن الاتحاد تأسس بتجمع مدن وقرى هزيلة وفقيرة لم يسمع بها أحد، ولم يتوقع البعض أن يستمر الاتحاد في سنواته الأولى. وكما قال شاه إيران الأخير، فإن هذه الدولة الناشئة هي فرصة له لإضافة “بضعة كيلومترات جديدة لأرض إيران التاريخية، إذا سمح لنا أصدقاؤنا الأمريكيون بذلك”[10]. نحن الآن في 2020، الشاه لا يزال موجوداً بقوة؛ ولكن في كتب التاريخ، والدولة الضعيفة أصبحت قوة متوسطة تنظر إليها مؤسسة الحكم الأمريكية بإعجاب وتقدير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى