فضاء الرأي

السلامة الطرقية/ سيد أحمد ولد دحان/ كاتب موريتاني.

المقال بقلم سيد أحمد ولد دحان/ كاتب موريتاني.

لا تخطئ عين أي زائر لموريتانيا مستوى التردي الذي تعيشه الطرق والمواصلات في البلد. ولعل الأكثر إثارة هنا هو غياب الاهتمام بالسلامة الطرقية الذي هو بالأساس فساد أو غياب المسؤولية أو هما معا. وسأتحدث هنا عن جوانب من هذا الموضوع.
أولا: هناك غياب تام لتنظيم رخص السياقة. فلا يمكن أن تجد في نواكشوط معهد سياقة يهتم بتكوين الطلبة تكوينا جيدا يحترم فيه المعايير المتعارف عليها دوليا، كما لا توجد خبرات ذات بال في المجال. ولا يختلف اثنان على أن الرشوة والمحسوبية هما السبيل الأوحد للحصول على رخصة سياقة وطنية وحين تمر بالوزارة فستستمع مرغما في الأروقة وفي المكاتب إلى تفاصيل تكاليف وآليات صفقات الحصول على الرخص جهارا نهارا.
وليس منا من لا يعرف أحد أقربائه أخذ بمقود سيارته قبل أن يكتسب أي مهارة في السياقة التطبيقية ناهيك عن جهله التام بالقوانين المنظمة لها. وقد دفع هذا الواقع شركة تازيازت مثلا إلى عدم اعتبار رخص السياقة الوطنية الشيء الذي يعني الدوس على سيادة البلد لمن لا تزال لديه غيرة عليه.
ثانيا: رغم تشييد بعض الطرق الهامة، فإن الطرق الرئيسية مهملة تماما فهذا طريق نواكشوط-روصو البوابة إلى السنغال صار أثرا بعد عين، وها هو طريق الأمل الذي تعتمد عليه ثمان ولايات من الوطن ودولة مجاورة أقرب إلى متاريس أمنية منه إلى طريق معبد حتى أني خشيت إن مر عليه بعض الصحافة الدولية أن يغير لقب البلاد من بلد المليون شاعر إلى بلد المليون حفرة. أما الطرق الرئيسية الأخرى كطريق نواذيبو وطريق تجكجة أطار فقد سلمتها السلطات رسميا للكثبان الرملية.
ثالثا: لم تعد الثقافة –ولا أتكلم هنا عن القانون- تمنع أحدا من تجاوز الضوء الأحمر في نواكشوط. وقد قال لي أحد السائقين عندما نبهته “غير مهم فما دام مسغارو غير موجود فالتجاوز لا شيء فيه”. فإذا كان من يمر بالضوء الأحمر يسير بسرعة 80 كلم/س فكيف تحسبون سرعة من يرى الضوء الأخضر الذي يمنحه- في تصوره- الحق المطلق في التجاوز بسرعة فائقة.
هنا سأسوق لكم درسا في قانون السير أجزم أن أكثر من 99 في المائة من سائقي البلد يجهلونه تذكرته من دراستي النظرية للسياقة في معهد خارجي. قال لنا الأستاذ يومها ما العمل حين نكون أمام اللون الأحمر قلنا جميعا نتوقف. فأضاف وحين يكون أخضر؟ قلنا جميعا ننطلق. فقال أخطأتم. أعاد السؤال ثلاث مرات وكان جوابنا هو هو لم يتغير وكنا مندهشين ومشدوهين فأين الخطأ؟ كانت الإجابة أكثر إثارة: يجب أن نتوقف أمام الضوء الأحمر ويجب أن نتوقف أيضا عند الضوء الأخضر. فمتى إذن ننطلق؟ كان الاستاذ يريد أن ينبهنا إلى أن تجاوز الضوء الأخضر مرهون بخلو الطريق المخطط بالأصفر (تقاطع الطريق) من السيارات. ومن المعلوم أن عدم احترام هذه الجزئية هو السبب الرئيس في الازدحام في تقاطع الطرق.
رابعا: الغياب التام للإشارات المرسومة على سطح الطرق (علامات المرور الافقية)، فلا خطوط تحدد المسارات، ولا خطوط تحدد جوانب الطريق سواء على مستوى نواكشوط أو الداخل. أما الخطوط باللون الأصفر فلندرتها قد تعتقد أنهم يحسبونها مصنوعة من الذهب.
ولا شك أن غياب علامات المرور الأفقية من أكثر أسباب الازدحام وضوحا.
أما في الداخل، ومع غياب الإضاءة الليلية لم يعد لدى السائق بد من التركيز على ظلمة جوانب الطريق لتحديد حيز الطريق واتجاه انعطافه خصوصا عند التلاقي مع السيارات المعاكسة في الاتجاه.
لقد تساءلت مرات: كيف يغفل القائمون على تشييد الطرق وضع هذه العلامات؟ هل هو لحرصهم على استخدام الطريق قبل الانتهاء منه؟ وهذا لا يستقيم لأن هناك طرقا شيدت منذ أكثر من 5 سنوات ولم توضع عليها العلامات حتى الآن. أم أنه فساد مالي يستبقي فيه المنفذ أو المراقب أو المستلم ميزانية الإشارات؟ ألم يكن أفضل لنا ولهم الإجهاز على سانتمتر واحد على طول الطريق والإبقاء على العلامات؟ أم أن كل الطرق للتربح على حساب المواطن قد استنفدت؟
خامسا: غياب أي خطة مؤقتة أو دائمة للتصدي لقطع طريق الأمل المغروس في الرمال. وهنا سأسوق لكم قصة واقعية حدثت الأسبوع الماضي بين شرطة مدينة بو تلميت والمدينة نفسها. لقد وصلت هناك ليلا في حدود الساعة 11 والنصف حيث نبهتني الشرطة على وجود شاحنة تسد الطريق. تقدمت راجلا لأرى الوضع كما هو، وجدت سيارة ضخمة محملة بالسمك -كانت فيما يبدو متوجهة إلى مالي- تغلق الطريق تماما كأنما كانت تسير على الكثبان في وضع متعامد مع طريق الأمل وفي منطقة تحف بها الكثبان من كل جانب. موقف لا يصدق. الحاكم ومفوض الشرطة موجودان في عين المكان، لكن الوضع على حاله منذ السابعة مساء، لا تنبيه للسائقين المنطلقين من نواكشوط، لا حلول ولا تفكير ولا إبداع. غياب تام للمسؤولية. الحل عند هؤلاء أن تبيت في العراء حتى الصباح من أجل أن يصل بعض رجال صاحب الشاحنة فيفرغوها ليستطيع “الحمار” إبعادها.
طوابير من سيارات النقل والشاحنات والسيارات الشخصية تنتظر الفرج. إنه الوهم، فهؤلاء تعودوا على مثل هذه الحالات دون أن تكون لديهم أية حلول مؤقتة: فلا يفكرون في فتح طريق موقت جديد ولا بناء جسر خشبي أو حديدي متحرك، لا حلول لديهم سوى الانتظار.
تصور معي كيف نقنع الجارة مالي باستخدام ميناء الصداقة ونحن غير قادرين على حل مثل هذه المشاكل المتكررة؟ كيف لا يكون في كل مقاطعة موظف فني برتبة مهندس مدني يستطيع إيجاد حلول لمثل هذه الحالات؟ لماذا تضعف السلطات الإدارية عن مصادرة السمك الذي تسبب صاحبه في إغلاق الطريق ليلية بكاملها وكلف الدولة خسارة كبيرة ماديا ومعنويا؟ لماذا لا تستخدم أكوام النفايات الموجودة عند مدخل المدينة ليجعل منها “الحمار” جسرا تمر فوقه   السيارات المتكدسة؟
سادسا: عشوائية عمل التحديث الطرقي، وفي طرق تفرغ زينه وصكوك خير دليل على ذلك فجوانب الطرق محفورة بشكل عميق ومقطعة الأوصال دون نشر إشارات تدل على تنفيذ أشغال ولا توجيه إلى طرق بديلة أو تحويلات مؤقتة والكل يجوب الطرق جيئة وذهابا بحثا عن سبيل.
سابعا: ضعف الاهتمام بالمصادر البشرية حيث تبقى وزارة النقل والتجهيز محاصرة بترتيبات الاتفاق مع البنك الدولي منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي حيث لم تكتتب من المهندسين خلال أكثر من ربع قرن إلا ما يعد على أصابع اليد رغم أن المدافعين عن الحكومة يضعون البنية التحتية أحسن ما قدمته حكوماتهم فكيف يستقيم هذا الأمر؟
ثامنا: غياب أي تخطيط لإعادة إنشاء أو تطوير الطرق بعد انتهاء أعمارها الافتراضية. فلو كانت هناك خطة مقنعة لما وصل الأمر إلى ما وصل إليه.
إنني هنا أنبه كافة المسئولين عن الطرق والمواصلات بأنه لا مناص من الاكتواء بنار التقصير في مجال السلامة الطرقية سواء على مستوياتهم الشخصية أو على مستوى أعزائهم فقد يفقدون أرواحهم يوما من الأيام أو يصابون بعلة دائمة ستنسيهم لذة التربح على حساب المواطن أو أخذ وقته مدفوع الأجر دون مقابل، ويوم القيامة سيعرفون كم شخصا قتلوا نتيجة تهاونهم في هذه المسؤولية الجسيمة عندها سيعلمون ولات حين مناص أن الخطب أجل وأعظم مما يتصورون، فهل من آذان صاغية؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى