إفريقي ومغاربيالأخبارتقارير ودراسات

فرنسا لا تريد تكرار سيناريو خروجها من غرب أفريقيا في البحر الأحمر

أدت المتاعب التي واجهتها فرنسا في غرب أفريقيا إلى التوجه سريعا نحو جيبوتي في الشرق لحماية مصالحها وخوفا من بدء العد التنازلي لخروجها من البحر الأحمر، فالضربات القاسية التي تعرضت لها من مالي وبوركينا فاسو وأخيرا النيجر قوضت نفوذها في الساحل الأفريقي الغربي وتخشى تكراره على الضفة الأخرى.

 

والتقى وزير القوات المسلّحة الفرنسي سيباستيان ليكورنو ووزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الخميس بوزير الدفاع والخارجية في جيبوتي حسن عمر برهان ومحمود علي يوسف، وأعربا عن رغبتهما في التوصّل إلى اتفاق “تبادل المنفعة”.

 

جاءت هذه الزيارة على وقع تطورات أمنية متلاحقة في جنوب البحر الأحمر، حيث تزايدت تهديدات جماعة الحوثي في اليمن للسفن المارة به، بما قاد إلى قلق دولي من تصاعد التوتر وتهديد التجارة العالمية في هذا الممر الحيوي، وخروج العمليات العسكرية عن السيطرة، إذ تعج الضفة المقابلة لليمن في أفريقيا بالعديد من الصراعات.

 

وبحث الوزيران الفرنسيان تجديد الاتفاقية الدفاعية المبرمة بين باريس وجيبوتي الواقعة بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، والتي تتمتّع بأهمية إستراتيجية قبالة مضيق باب المندب الذي يمرّ عبره جزء كبير من التجارة العالمية وإمدادات الطاقة.

 

وشهدت هذه المنطقة توترا متزايدا خلال الأيام الماضية عقب شن الحوثي هجمات على سفن متجهة نحو إسرائيل عبر خليج العقبة ردا على عدوانها العسكري على قطاع غزة، وباتت هذه العمليات تهدد الأمن والسلم الإقليميين، ما جعل قوى كبرى تستنفر أساطيلها، من بينها فرنسا، لمواجهة تهديدات تؤثر على مصالحها في مناطق مختلفة.

 

الغرض من اتجاه وزيريْ الدفاع والخارجية في فرنسا إلى جيبوتي هو تطوير العلاقات الثنائية وطمأنة هذه الدولة

 

وأسقطت الفرقاطة الفرنسية “لانغدوك” مؤخرا حوالي ثلاث طائرات مسيّرة أطلقها الحوثيون، بينها اثنتان كانتا متجهتين نحو الفرقاطة، ما جعل باريس تخشى أن تطال التهديدات مصالحها وتضعف نفوذها التاريخي في جيبوتي.

 

وتحتاج فرنسا إلى الظهور كقوة مؤثرة في البحر الأحمر أمام حلفائها الخليجيين، وخاصة الإمارات والسعودية اللتين زاد اهتمامهما بالملاحة في البحر الأحمر خلال السنوات الأخيرة. وتمثل جيبوتي أهمية بالغة لقوى عديدة بعد أن تحولت إلى قاعدة عسكرية لدول متباينة دخلت ما يشبه السباق فيما بينها، ولا تريد فرنسا أن تؤدي التوترات في جنوب البحر الأحمر إلى تغيير توازنات ثابتة أقامتها منذ مدة طويلة.

 

كما تخشى أن تعيد إلى الأذهان الصعوبات التي تواجهها في منطقة الساحل الأفريقي، وجاء جزء منها نتيجة تصاعد حمى التخلص من ميراث الاستعمار، وهي نقطة عزف على وترها انقلابيون عسكريون في دول أحكمت فرنسا قبضتها عليها فترات طويلة، أبرزها مالي وبوركينا فاسو والنيجر التي توحدت حول ضرورة تقويض نفوذ باريس.

 

وأصبحت فرنسا بلدا منبوذا في غرب أفريقيا، ومتهمة بنهب ثروات دولها، وتعرّض نفوذها لتراجع ملموس جعلها تعيد النظر في سياستها من خلال تطوير الأطر والاتفاقيات التي نسجتها مع دول مختلفة كي تحدث توازنا في حسابات المصالح.

 

وتخشى باريس تكرار سيناريو غرب أفريقيا لذلك بادرت بالبحث في جيبوتي عن وسائل لتمتين العلاقات معها وتطويرها بما لا يجعلها مقتصرة على الشق الأمني، خوفا من الدخول في متاهات خطيرة بسبب التصعيد الحاصل بالقرب من جيبوتي في البحر الأحمر، حيث صوّبت الكثير من القوى أنظارها إلى هذه الدولة بعد تهديدات الحوثي.

 

وتحولت جيبوتي إلى ما يشبه المنتدى العالمي أو المقر المركزي لقواعد عسكرية تابعة لقوى مختلفة؛ إذ تستضيف قاعدة فرنسية قوامها 1500 جندي وموجودة منذ استقلالها عن فرنسا عام 1977، كما تستضيف قاعدة عسكرية أميركية مكونة من أربعة آلاف جندي، ودشّنت بكين في جيبوتي أول قاعدة عسكرية صينية في الخارج، وتضم أيضا أول قاعدة عسكرية يابانية منذ الحرب العالمية الثانية.

 

هذا علاوة على معلومات متواترة بشأن وجود قواعد عسكرية تابعة لدول عربية أو تسهيلات تحصل عليها في ميناء جيبوتي؛ فقد جعلها موقعها الجغرافي واحدة من الدول المؤثرة في أمن المنطقة، وهي بوابة رئيسية لتجارة جارتها إثيوبيا.

 

 

وأدى موقع جيبوتي واستقرارها النسبي إلى اكتسابها أهمية بالغة بالنسبة إلى القواعد العسكرية الأجنبية وضمان تدفق منتظم من المساعدات الاقتصادية الخارجية. وارتبطت فرنسا بمصالح متعددة مع مستعمراتها السابقة، وعقدت مع غالبيتها اتفاقيات عسكرية متباينة، وتواجه اتهامات بأنها عملت على توظيف الاتفاقيات لخدمة أهدافها.

 

ويقول متابعون إن الغرض من اتجاه وزيريْ الدفاع والخارجية في فرنسا إلى جيبوتي هو تطوير العلاقات الثنائية وطمأنة هذه الدولة، لأن الفترة المقبلة يمكن أن تشهد تحركات من قبل عدة قوى تجعل من الاستقرار الذي تعيشه جيبوتي عرضة للتغيير، فالطريقة المرنة التي تدير بها علاقاتها مع الدول صاحبة القواعد العسكرية قد تتأثر بتداعيات ما يجري في البحر الأحمر والتوجهات الرامية إلى تدشين ترتيبات بحرية جديدة.

 

ويضيف المتابعون أن جيبوتي تعتمد على موزاييك سياسي واجتماعي هش، وتحيط بها دول مثقلة بالنزاعات والتوترات، وأخرى لها تطلعات إقليمية، فضلا عن قوى دولية لا ترتاح إلى تركيبة القواعد العسكرية التي يعج بها هذا البلد، وقد تفكر في تغييرها، مستفيدة من موقعها الإستراتيجي وما يمكن أن يحدث من توتر أمني في جنوب البحر الأحمر إذا رمت إيران بثقلها مباشرة وراء عمليات الحوثي.

 

وأوضحت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية الجمعة أنها تحقق في وقوع حادث بمحيط باب المندب على بعد 30 ميلا بحريا جنوب غربي ميناء المخا اليمني. وأبلغت الهيئة البريطانية عن حادثين آخرين، أحدهما جنوب غربي ميناء الحديدة والآخر شمالي المخا، ونصحت السفن بالعبور بحذر والإبلاغ عن أي نشاط مريب، وأصاب مقذوف أطلقه الحوثيون الجمعة سفينة شحن في البحر الأحمر.

 

وتوقف وصول السفن إلى ميناء إيلات في جنوب إسرائيل بشكل شبه كامل بسبب هجمات الحوثيين، الذين بعثت إليهم الإدارة الأميركية رسائل عبر عدة قنوات حذرتهم فيها من الاستمرار في شن هجمات على السفن ضد إسرائيل وفي البحر الأحمر.

 

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى