مقالات و تحليلات

انتقاداً لولد مولود/ عباس ابراهام

الدكتور ابو العباس ابراهام

1- يمكن انتقاد د. محمد ولد مولود على عدّة أشياء. أوّلاً، إنّ فهمه للتحوّلات المجتمعية يتقزم إلى جانب فهمِه للتحوّلات السياسيّة. ثانياً، إنّ إدراكه للاصطفافات في العالم الافتراضي، الذي صار اليوم هو الساحة الفِكرية في بلد هشِّ المؤسّسات الفِكرية الأخرى يبقى أيضاً ضحلا.

 

2- أمّا فيما يخصُّ نقدَه للعِلمانيّة، فهو يدخل في توجِّه قديم لديه بتبيِئة التقدُّمية ونبذ الأممية، بما فيها مصطلحاتُها الأساسيّة كاليسار والعِلمانيّة، الخ وتبني تقدمية محلية. إلاّ أنّه يستخدِم عدّة إطارات نظرية أرى أنّها عديمة الفائدة كمصطلح “الفتنة” و”استفزاز مشاعر المواطنين”. هذه مصطلحات أصوليّة ما قبل ديمقراطيّة، ولا تفيد في دولة حديثة ومجال عمومي يقوم على حريّة الرأي وعلى الاختلاف والنقد.

 

3- أما نقده للعلمانيّة بأنّها ممارسة هيمنة، فهذا مقبول، وإنْ كان لا ينفي أيضاً أنّها إجرائية. طبعاً هي ليست إجرائية فقط. ومن الواضِح من خطابِه بأنّ العِلمانية غير موجودة في أوروبا أنّه يُرتِّبُ، دون وعي، ثنائية بين واقِع ومثال العلمانية. هذه الثنائية هي التي يقومُ عليها الخطاب العِلماني، الذي ينتقِدُه.

 

4- بالغ ولد مولود في القول بأنّ العِلمانيّة في موريتانيا تعني تحييد الرموز الإسلامية والتعليم الدِّيني. العلمانيون الموريتانيون، والعلمانيون المسلمون عموماً، لا خصوصاً، لم يقولوا بهذا التحييد. يجب أن يستمع لحججهم. وواقِع الأمر أنّ نقدَهم انصبّ على الدِّين الطائفي السياسي، وليس الدِّين العامّْ والثقافي والهوياتي. جزءٌ آخر من نقد هؤلاء العلمانويين هو رفض الهيمنة السياسية المتعاظِمة لرجال الدِّين، وبالأخصِّ القداسة التي تُضفى عليهم رغم دخولِهم في مجال الشقاق والاختلاف. لا حُرمة لآرائهم ولا وصاية لهم على المجموع.

 

5- إذا كان من أدوار الزعيم السياسي معاينة المواقف والاستماع إلى العروض الفكرية والسياسية المُقدّمة فمن الجلي أنّ الدكتور لم يقم بمهمّتِه جيِّداً، على الأقلِّ في هذه النقطة.

 

6- ثمّة صُحُف لا تُغطِّي الوعي المتعاظِم في مسألة العلمنة. ولكنّها سرعان ما تنشر الردود عليه من باب “وشهد شاهِد من أهلِها”. هذا النشر هو اعتراف بوجود هذه المسألة التي تُنكِرُها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى