الأخبارالصدى الثقافيمقالات و تحليلات

موريتانيا والهوية … من صمت الإدارة إلى نداء التعريب/ بقلم :الأستاذ السالك ولد أباه

السالك ولد اباهتمهيد :

 تعريب الإدارة… من غياب الوعي إلى ضرورة المصير

يُعدّ تعريب الإدارة الموريتانية أحد أبرز الملفات الغائبة عن الفعل السياسي الجاد، رغم ما يشكله من ركيزة سيادية وثقافية. فمن المفارقات العجيبة أن تُسَنّ القوانين باللغة العربية، وتُتخذ القرارات باسم الشعب العربي ، ثم تُنفَّذ بلغة أجنبية تُترجم لها المعاني وتُفرغ من حمولتها. الترجمة المستمرة إلى الفرنسية أو غيرها ليست مسألة تقنية، بل انحرافٌ عن هوية الدولة، وإعاقةٌ لمشروع وطني جامع. لقد آن الأوان لأن تختفي هذه الازدواجية من الإدارات، وأن تُدار شؤون المواطن بلغته الأم، لا بلغة وسيطٍ استعماري أُلغي حضوره الظاهر وبقيت آثاره كامنة.

*1. مقدمة:*
ليست موريتانيا بلدًا كباقي الأقطار، فهي أرض جمعت الرمل والروح، وورثت أسماءً تقطر عروبة: *شنقيط، المنارة، المنكب البرزخي*. غير أن الاستعمار، كعادته، أصر على إعادة تعريف الجغرافيا والهوية، فأطلق عليها اسمًا غريبًا عنها: *موريتانيا*. وكان الغرض واضحًا: العزل عن الحاضنة العربية الكبرى، وإعادة تشكيل الانتماء على نحو يخدم إرثه الثقافي والسياسي.

*2. موريتانيا والاستعمار الفرنسي:*
حين نالت موريتانيا استقلالها لم يكن ذلك بمدافع أو تضحيات علنية، بل بترتيب هادئ أبقى الإدارة الفرنسية حاضرة، وأقصى رموز المقاومة المسلحة، والثقافية حتى بدا الأمر كأن الاستقلال امتداد منظم للاستعمار، لا قطيعة معه. وقد أُديرت البلاد من *سان لويس* السنغالية، وتم تسليم السلطة لمن عرفوا المكاتب الفرنسية، لا ساحات النضال.

*3. قضية تعريب الإدارة:* =
التمسك باللغة الفرنسية في إدارة الدولة ليس مسألة لغوية فحسب، بل هو امتداد لهيمنة رمزية تستبقي التبعية وتعطل التنمية. فليس من المنطق أن تُدار أمة عربية بلغة أجنبية، بينما أثبتت تجارب كـ*الجزائر* أن لا نهضة بدون تعريب. والإدارة حين تفكر وتقرّر بلغة غير لغة شعبها، فإنها تغترب عن همومه وتنفصل عن وجدانه.

*4. خصوصية الهوية والرهانات السياسية:*
رغم انسجام النسيج الاجتماعي مع وجود اقليات اثنية ومقيمين احانب ، فإن الطابع العربي الإسلامي لموريتانيا ظل هو الجامع، ثقافةً وتاريخًا ولسانًا. غير أن بعض التيارات السياسية التي تقف على هامش الإجماع الوطني، تسعى إلى إعادة تعريف الدولة خارج سياقها الحضاري، متسلحة بخطابات تدّعي التمثيل العرقي وتتجاهل التاريخ والجغرافيا. أما طموحات قوى كجماعة “أفلان”، فتبقى أحلامًا منفصلة عن الواقع، إذ لا مبرر تاريخيًا ولا شرعيًا لمطالب تدفع باتجاه العنف والكراهية والانقسام.

*5. أثر الرأي العام:*
يُلاحظ أن تأثير الرأي العام في موريتانيا ظل محدودًا، لغياب مؤسسات قياسه وتهميش القوى الحية التي تمثل نبض الناس. وقد عزز ذلك التوجه الاستقلالي الناعم الذي استبعد المقاومة من دوائر التأثير، وأبقى القرار السياسي حكرًا على محيط ضيق تربّى إداريًا داخل منظومة الاستعمار.

*6. تجنيس الخارج وتوطين الغربة:*
من أبرز مخلفات تلك المرحلة، فتح باب التجنيس على مصراعيه أمام وافدين من دول زنحية مجاورة، وتوطين الإدارة الموريتانية بنُخَب تَشكَّلت خارج الثقافة الوطنية، مما ساهم في تغييب صوت الهوية الجامعة، وأعاق جهود التعريب والإصلاح الثقافي الحقيقي.

*7. موريتانيا والعالم العربي:*
موريتانيا ليست عربية فقط بالانتماء، بل بالمصير. فكما لا يُفصل *الكويت* عن الخليج، ولا *ليبيا* عن المغرب العربي، فإن موريتانيا لا تُقرأ إلا من داخل الخريطة العربية. أما تموضعها الجغرافي في إفريقيا، فهو كتوزع بقية الدول العربية، بين اسيا وافريقيا ولم يكن يومًا سببًا للتخلي عن هويتها. فالعروبة هنا ليست شعارًا، بل وجدانٌ حيٌّ ولسانٌ جارٍ، وسندٌ روحي وسياسي لا غنى عنه.

*8. خاتمة:*
إن تعريب الإدارة الموريتانية لم يعد ترفًا لغويًا، بل ضرورة وجودية تعني الانتماء والسيادة والتنمية. فالأمم التي تقرر بلغتها تبني حاضرها بثقة، وتُرسي دعائم مستقبلها بكرامة. وفي ظل محاولات بعض التيارات تحريف بوصلة الهوية لدوافع اديولوحية تناصب العروبة العداء ، يبقى التعريب مشروعًا وطنيًا جامعًا، لا ينتقص من أحد، بل ينقذ الجميع من الاحتراب الرمزي الذي يُمهّد للتمزق المادي.
*فإما أن نكون بلغتنا، أو نفقد أنفسنا في لغات الآخرين.*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى