حرب اليمن.. الطريق إلى اتفاق السلام / عوض بن سعيد باقوير

الحرب في اليمن وصلت إلى مرحلة السلام بين الفرقاء اليمنيين من خلال مفاوضات متواصلة في عاصمة الوطن مسقط وأيضا من خلال جهود سياسية مكثفة بذلتها الدبلوماسية العمانية من خلال رحلات متواصلة إلى صنعاء. ومن هنا يمكن القول: إن اتفاق السلام لإنهاء الحرب في اليمن تعزز من خلال عدد من المتغيرات لعل أهمها الاتفاق السعودي الإيراني بعودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، حيث بدأت الاتصالات بين مسؤولي البلدين في أعقاب توقيع الاتفاق في العاصمة الصينية بكين. ولعل من المهم الحديث عن جولات الحوار بين السعودية وإيران في بغداد ومسقط التي مهدت لاتفاق بكين. ومن هنا فإن الدبلوماسية العمانية تواصل جهودها المخلصة والخيرة نحو إيجاد حلول واقعية لأزمات المنطقة، وهو النهج السياسي العماني الذي أثبت مصداقية التحرك العماني من خلال محطات سياسية مهمة منذ أكثر من نصف قرن. وعلى ضوء متغير العلاقات السعودية الإيرانية فإن حرب اليمن أصبحت أكثر ميلا للسلام على اعتبار أن جماعة أنصار الله لها علاقات مباشرة بطهران. ومن هنا تعقدت الأمور، حيث دخلت حرب اليمن منعطف المواجهة الإقليمية خاصة بين السعودية وإيران. وعلى ضوء ذلك فإن تحسن العلاقات السعودية الإيرانية يشكل تحولا استراتيجيا نحو إيجاد حل سياسي للأزمة والحرب في اليمن وقبل التطور الإيجابي في العلاقات السعودية الإيرانية بذلت الدبلوماسية العمانية جهودا كبيرة لإيجاد الهدنة وفتح بعض المطارات والموانئ لتحسين أوضاع الشعب اليمني. كما أن نجاح الدبلوماسية العمانية في تثبيت الهدنة من خلال الجهود المشتركة مع المبعوث الأممي ومع المملكة العربية السعودية والأطراف اليمنية أمكن عمل اختراق كبير نحو مسار السلام فنظرية الهدنة خلال الحروب هي استراتيجية مهمة تضفي إلى إسكات المعارك وصوت المدافع وهذا بدوره أدى إلى قناعات لدى أطراف الحرب بأن الحسم العسكري وبعد ثماني سنوات من الصراع أصبح مستحيلا. ومن هنا فإن المنطق السياسي يفرض إيجاد خيارات أخرى، ومن هنا فإن التحليلات الأخيرة التي تتحدث عن قرب للحرب في اليمن تنطلق من تلك المتغيرات السياسية الإقليمية التي حدثت مؤخرا خاصة التقارب السعودي الإيراني وعلى ضوء التحركات المعلنة وغير المعلنة يمكن رصد رغبة الفرقاء اليمنيين في التوصل إلى السلام وفتح صفحة جديدة نحو استقرار اليمن والمحافظة على وحدته وانطلاق التنمية المستدامة وأن يعيش الشعب اليمني في وطنه دون صراعات والتفرغ لحياته الطبيعية ورجوع اليمن الشقيق إلى لعب دوره العربي والإسلامي والدولي بعيدا عن الحروب والصراعات التي أنهكت اليمن على مدى عقود.
إن السلام هو المخرج الوحيد نحو استقرار اليمن الشقيق وأن تكون هناك مسؤولية وطنية لكل الفرقاء اليمنيين من خلال الحوار والاتفاق على مشروع السلام الشامل الذي يفتح الأمل للشعب اليمني وأيضا يعيد الاستقرار والسلام إلى منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية وأن تسود علاقات طبيعية بين إيران ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهو الأمر الذي تحدثنا عنه مرارا في مقالات وتحليلات سابقة حول أهمية العلاقات بين دول ضفتي الخليج على اعتبار أن هناك علاقات تاريخية وتجارية واجتماعية وحضارية وإسلامية تجمع دول الإقليم. ومن هنا فإن المصلحة تحتم وجود علاقات طبيعية وتعاون في كل المجالات بما يعود بالنفع والمصالح المشتركة على شعوب المنطقة وعدم إهدار واستنزاف موارد ومقدرات تلك الدول في شراء الأسلحة لأن ذلك كان هو المخطط الأمريكي وأيضا مخطط الكيان الإسرائيلي الذي يريد المنطقة في حال توتر بين إيران والسعودية تحديدا.
ومن هنا فإن المشهد السياسي في المنطقة أصبح أكثر تفاؤلا نحو إيجاد منظومة للأمن والاستقرار في منطقة حساسة ذات أهمية استراتيجية واقتصادية ودينية، حيث يمثل الإسلام الحنيف رابطة كبيرة بين دول المنطقة.
إن المنطقة وشعوبها تتطلع إلى مرحلة الاستقرار والسلام بعد عقود من المواجهة وعدم الثقة الذي كلف دول المنطقة الكثير من المقدرات، ومن هنا فإن مسألة استخدام إيران كمهدد لأمن المنطقة هي نظرية غير صحيحة، ومع ذلك فإن إيجاد علاقات تتسم بالمصداقية والاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الآخرين هي مفاهيم لا بد من ترسيخها، وإن من مصلحة إيران تحديدا أن تركز على تلك الثوابت في علاقاتها مع دول الجوار خاصة أن طهران تتعرض إلى عقوبات اقتصادية قاسية بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوقيع عليه في فيينا عام ٢٠١٥ وكان للدبلوماسية العمانية دور كبير على مدى سنوات. إن إنهاء الحرب في اليمن هو جزء من المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة، ومن خلال صياغة تحالفات حقيقية ترجح انتهاء سيطرة القطب الأمريكي الأوحد بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا وما يشهده العالم من تحالف بين روسيا الاتحادية والصين. كما أن مجموعة بريكس أصبحت تشكل متغيرا استراتيجيا مهما في ظل وجود دول محورية كروسيا الاتحادية والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا وهناك احتمالات متزايدة لانضمام دول محورية كالسعودية وإيران وربما دول أخرى مما يعطي مؤشرات كبيرة على أن النظام الدولي يتعرض لتغييرات كبرى بعد تفرد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة النظام الدولي في أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي السابق عام ١٩٩١. ومن هنا فإن من مصلحة العالم هو وجود نظام دولي متعدد الأقطاب لأن ذلك يعطي مصداقية وتوازنا في القرار الدولي ومعالجة الأزمات الإقليمية بشكل منصف وعادل وفي مقدمتها قضايا الشعوب تحت الاحتلال وفي مقدمتها القضية الفلسطينية حيث الاحتلال الإسرائيلي الذي يحتل فلسطين منذ سبعة عقود ورفض تطبيق قرارات الشرعية الدولية والسبب هو الحماية الأمريكية نتيجة الهيمنة الأحادية الأمريكية علي القرار الدولي وهذا الأمر أضر كثيرا بمصالح الدول العربية والإفريقية واللاتينية تحديدا. وحرب اليمن هي نموذج على تشابك المصالح الإقليمية.
إن حرب اليمن في تصوري سوف تنتهي من خلال اتفاق السلام الذي سوف ينقل اليمن إلى مرحلة الاستقرار والسلام وأن تكون هناك خارطة سياسية تنهي كافة المشكلات لتعود اليمن دولة مستقرة ومزدهرة في ظل وجود الإمكانات والمقدرات البشرية والطبيعة والمواقع الاستراتيجية على البحار المفتوحة، ويكون هناك تكامل اقتصادي بين اليمن ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وحتى إيران لتشكل هذه المنظومة قوة دفع اقتصادية واجتماعية كبيرة تنعكس إيجابا على شعوب المنطقة ومستقبل أجيالها.
المصدر : عمان