أخبار موريتانياإفريقي ومغاربيالأخبارقضايا المجتمع

في ختام زيارته لموريتانيا الخليفة العام للشيخ ابراهيم نياس يشكر موريتانيا حكومة وشعبا ويستعرض حال الأمة(نص الخطاب)

الصدى – متابعات/

سماحة الخليفة العام لشيخ الاسلام الشيخ ابراهيم نياس / الحاج الشيخ التجاني ابراهيم نياس

في ختام زيارته التي دامت أسبوعا لموريتانيا القى سماحة خليفة شيخ الاسلام الشيخ ابراهيم نياس، الشيخ أحمد التجاني نياس كلمة تليت بالنيابة عن سماحته من طرف سعادة النائب بالبرلمان السنغالي الامين العام لاتحاد البرلمانات الاسلامية ا استاذ محمد القرشي ابراهيم نياس ، شكر فيها السلطات الموريتانية على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة ، كما شكر أحباب الشيخ وكل الرموز الوطنية من مختلف المشارب الروحية والفكرية والاجتماعية والسياسية التي توافدت عليه للتحية والسلام

واستعرض الخليفة العام في كلمته العلاقات التاريخية بين الشعبين السنغالي والموريتاني ، مذكرا بالدور التاريخي الذي لعبه والده الشيخ ابراهيم نياس في ترسيخ وتكريس تلك العلاقات

ولم تغب هموم ومشاغل الامة عن كلمة سماحة الخليفة حيث دعا الله أن يجمع كلمة المسلمين على ما فيه خير دينهم ودنياهم ، وطالب بنبذ المسلكيات المشوهة للاسلام وهو منها براء كالارهاب والتطرف والغلو

وهذا نص الكلمة :

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الشيخ محمد القرشي نياس الامين العام لاتحاد البرلمانات الاسلامية يلقي كلمة سماحة الخليفة العام الشيخ التجاني نياس

نص كلمة الخليفة الشيخ احمد التجاني بن الشيخ إبراهيم نياس في المهرجان الثقافي الختامي لزيارته لموريتانيا

(14 جمادى الآخرة، 1439هـ/ 2 مارس 2018)

 

بسم اللـه الرحمن الرحيم والحمد للـه رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رحمة اللـه للعالمين ومنته على المؤمنين سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين

أصحاب المعالي

أصحاب السعادة

أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ

أحبابنا في الله

أيها الجمع الكريم

السلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته

يطيب لي أن أتوجه إليكم، في فاتحة حديثي هذا، بجزيل الشكر وعظيم الامتنان لكم ولمورىتانيا كلها، حكومة وشعبا، بقيادة السيد محمد عبد العزيز رئيس الجمهورية الذي أكرم وفادتنا، جزاه اللـه خيرا، فقد أكرمنا فخامته وأكرمنا وزراؤه ومعاونوه وأكرمنا مشايخ الطرق الصوفية وعلماء البلد وأئمته ودعاته وقادة المجتمع بكل أطيافه الاجتماعية والسياسية. أكرمتنا موريتانيا كلها بتوافد أفلاذ كبدها علينا، وبما أحاطتنا به من ترحاب وعناية وحسن ضيافة، وهي عادات أصيلة طبع عليها هذا الشعب الأبي الكريم وعودتمونا عليها جزاكم الله أحسن الجزاء.

أحييكم وأحيي موريتانيا قيادة وشعبا لما لمسناه خلال هذه الزيارة، وفي زيارات سابقة، لدى الجميع من الحرص على توثيق روابط الأخوة والجوار والتاريخ المشترك بين الشعبين الموريتاني والسنغالي، بكل ما لتلك الروابط من أبعاد روحية وثقافية وعلمية واقتصادية، كان للشيخ إبراهيم  رضي الله عنه، ولحضرته، دور كبير في العناية بها والسعي لتعزيزها بكل الوسائل.

وأتوجه بتحية وشكر خاص إلى تلك الآلاف المؤلفة من الرجال والنساء، من الكبار والصغار الذين احتشدوا ساعات طوالا على أمل أن يسعدوني بلقياهم، ولم يسعفنا الوقت بذلك، رغم أن لدي من الرغبة في لقيا كل فرد في هذه الأرض الطيبة مثل ما لديكم جميعا، وربما أكثر. أسأل اللـه أن يكتب القبول لكل من لقينا ولكل من رغب في لقائنا ولم تسعفنا الظروف لذلك. أسأل اللـه أن يتقبل زيارتنا وزيارتكم جميعا، وأن يكتبنا وإياكم في ديوان المتحابين فيه الذين يظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله، ونحن جميعا إنما نقف حقيقة بباب اللـه الواحد الأحد الفرد الصمد، فالزيارة فيه، والصلة فيه، والمحبة فيه. وما خابت ركاب أسرجت بالمحبة في اللـه وحسن الظن به وبعباده.

إخوتنا وأحبابنا في اللـه

لقد جئت إليكم أتقفى خطى والدي شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم نياس الذي أحب هذه البلاد وأحبته وأحب أهلها وأحبوه، وقد قال النبي ﷺ “إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه”. جئنا نصلكم من هذا الباب، متمثلين قول الشيخ في إحدى رحلاته الموريتانية:

علم خالقي بأن سفري        ما فيه حظ من حظوظ البشر

جئت أجدد عهد الشيخ معكم، وأجدد لكم التهنئة والشكر على ما تميزتم به من محبة الشيخ وخدمته، وأعلم أن خدمتكم لنا وعنايتكم بنا إنما هما من محبتكم للشيخ ووفائكم له.

جئت أجدد لكم الشكر على ما غمرتموني به شخصيا وغمرتم به وفد الحضرة كله من كريم العناية والرعاية. ولي مع هذه الأرض الطيبة عهد أسسه الشيخ حينما صحبني بنفسه إلى هذا البلد لأتعلم من أهله في صباي، من الشيخ الجليل المربي والمرقي الشيخ محمد الأمين بن بدي  رضي اللـه عنه ومن مشايخ آخرين، ومن أحباب وإخوان كان لهم علي، بعد والدي، فضل المتقدم في دراستي في الصغر وتربيتي، وذلك في عنقي عهد لا ينكث، وذمة لا تخفر لذلك الجيل العظيم، من غبر منه ومن حضر.

وإني لا أجد في هذا المقام خيرا من أن أتمثل كلام الشيخ وهو يخاطب في مدينة ألاك، قبل نصف قرن رجالا صدقوا ما عاهدوا اللـه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. ذلك رجاؤنا لهم وظننا فيهم. قال  لهم يومئذ، وكذلك أقول لكم اليوم: “كنتم تأتوننا من هذه البلاد البعيدة ، والفضل في ذلك لكم، واليوم جئتكم فتفضلتم بما تفضلتم به من كرامة وحفاوة، والفضل لكم أيضا. الفضل في الحالتين لكم، وأنا مغبون جدا إن لم يوفقني اللـه تبارك وتعالى لأن أكافئكم في الأوقات الفاضلة والبقاع الفاضلة والحلات الفاضلة” بالدعاء… “جئتكم أريد مكافأتكم فتفضلتم حتى غبنتموني، لكن بالدعاء إن شاء اللـه لا أغبن”. نعم، بالدعاء إن شاء اللـه لا نغبن.

إخوتنا وأحبابنا في اللـه

إن زيارتي لهذا البلد الطيب، بلد المرابطين، بلد الفاتحين، بلد العلماء والأدباء والصالحين، فرصة لاستذكار أنعم اللـه علينا وعليكم، نحمده على ما من به على هذه البلاد من أمن واستقرار، ونسأله أن يزيد من أنعمه علينا وعليكم ويعيذنا وإياكم من الحور بعد الكور ومن السلب بعد العطاء، ويصرف عنا وعنكم جميع الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن.

وهي فرصة لاستذكار إخوة لنا في الملة يمتحنون في أوطانهم وأهليهم وأنفسهم، وأخوّةُ الإيمان تقتضي منا أن نألم لألمهم، وفقا لقول حبيبنا وشفيعنا ﷺ ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”. نتذكر إخوتنا في فلسطين السليبة، والقدس المحتلة، ونناشد قادة المسلمين وشعوب الأمة وقوى العدل في العالم كله أن يقفوا صفا واحدا ضد تهويد مسرى نبينا وقبلته الأولى، وأن يبذلوا كل ما في وسعهم من أجل نصرة القضية العادلة لإخوتنا في تلك الأرض المقدسة.

نتذكر أيضا إخوتنا في سائر البلاد الإسلامية المنكوبة، مناشدين كل أحرار العالم وأنصار العدل والمساواة والحكماء أن يبذلوا ما في وسعهم لحقن الدماء المستباحة  وتضميد الجراح النازفة وإعادة السكينة إلى من فقدوها، ورأب الصدوع وتوحيد صفوف الأمة، سائلين اللـه، وهو الغالب على أمره، أن يفرج الغمة عن هذه الأمة، فيرحمها ويرحم بها، وينصر مظلوميها ويصلح من حالها، ويعزها بعز من عنده، ويهيئ لها من أمرها رشدا.

وفي هذا العالم الذي يموج بفتن كقطع الليل المظلم، لا بد من التذكير بأنه لا عاصم من أمر اللـه إلا من رحم. ورحمة اللـه التي وسعت كل شيء كتبها اللـه رحمة خاصة لعبادة المتقين. قال تعالى { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، فمن أراد رحمة اللـه فليتق اللـه وليؤد ما فرض اللـه عليه، وليجتنب ما نهاه عنه، وليتبع النبي ﷺ في الأقوال والأفعال، وليعظمه، وليتخلق بأخلاقه وليعتصم بحبل اللـه المتين: كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وسنة نبيه الذي قال الحق في حقه {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}، واعلموا أن الطريقة التجانية وسائر الطرق الموصلة إلى اللـه إنما هي روافد بحر واحد هو بحر الشريعة، والحقيقة إنما هي ثمرة العمل بالشريعة، فاطلبوا الثمرة من مظنتها. وكفى بالمرء خسرانا أن يطلب ما عند اللـه بمعصيته أو بالتقاعس عن العمل الصالح ابتغاء مرضاته، أو بعدم السعي في تحصيل العلم النافع. واستحضروا وصية البراءة التي وردت في رسالة شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم انياس المعروفة عندكم، وفيها يقول: ” من أراد أن يكون معي في حالي فليسلك طريقي في الأقوال والأفعال بامتثال الأوامر واجتناب النواهي في الظاهر والباطن والتعطش إلى الوصول إلى مرضاة الله ورسوله”. وفي تلك الرسالة النافعة براءة صريحة ممن يدعي الانتساب بغير اكتساب، فقد قال فيها: “أما من ينتسب إلينا ويرتكب شيئا من مخالفة الشريعة المطهرة الشريفة باقتحام المحرمات وترك المأمورات فأشهدكم وأشهد الله إني بريء منه، اللهم إني بريء مما صنع هؤلاء”. ومشكلة هؤلاء مشكلة مضاعفة ذلك أنهم يهلكون أنفسهم ويهلكون غيرهم. قال الشيخ: “واعلموا رحمكم الله أن كثيرا من المدعين صدوا الناس عن سبيل الله بعدم الاستقامة …”، فكونوا مثلا للاستقامة، فالاستقامة رأس الكرامة، وتذكروا أن الطريق مشيدة بالكتاب والسنة، ومن فارقهما هدم الأساس الذي بنيت عليه الطريق، ووقف على شفا جرف هار. {وليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.

ثم اعلموا أن العلم مفتاح العمل، فلا عمل بدون علم. وقد ألف شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم في هذا المعنى كتابه “تبصرة الأنام في أن العلم هو الإمام”، فعليكم بالعلم الشرعي، فإن طريقتكم طريقة العلماء، فحافظوا لها على هذا الطابع بالاجتهاد في تعلم لغة القرآن وطلب العلم الشرعي والاجتهاد في طلب سائر العلوم التي تنفع في المعاش والمعاد. وهي طريقة العمل، فحقيقتها أنها قراءة للقرآن واستغفار وصلاة على النبي وذكر للـه وامتثال للمأمورات واجتناب للمنهيات، وكل ما ذكر لها من الفضل منوط بالامتثال والاجتناب وعدم لباس حلة الأمن من مكر اللـه. وقد تبرأ الشيخ التجاني رضي اللـه عنه من كل ما يخالف الشرع، فقال “إذا سمعتم عني شيئا فزنوه بميزان الشرع فما وافق فخذوه وما خالف فاتركوه”، فمن خالف الشرع وزعم اتباعه فقد تشبع بما لم يعط والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي وزور. وقد سمعتم براءة الشيخ إبراهيم رضي اللـه عنه من كل من يخالف الشريعة، وما برئ إلا مما برئ منه اللـه ورسوله. وقد نهى في خطابه الموجه إلى العرب الموريتانيين، وهو خطاب لعامة من ينتسب إليه، عن التهتك والاختلاط بين الرجال والنساء، فاسمعوا وعوا، وكونوا حجة لطريقتكم بالعلم النافع والعمل الصالح والخلق الحسن وتعزيز وحدة المسلمين، ولا تكونوا حجة عليها بانتهاك حدود اللـه أو التقصير في طلب العلم أو ترك العمل أو التهتك أو التنابذ أو التنابز بالألقاب أو الطعن في أعراض المسلمين.

وإني أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى اللـه في الظاهر والباطن ومراقبته مع الأنفاس واتباع سنة نبيه عليه الصلاة والسلام. وأجدد لكم الشكر وأسأل اللـه الكريم السميع القريب المجيب أن يغفر ذنوبنا وذنوبكم ويستر عيوبنا وعيوبكم ويفرج كروبنا وكروبكم ويصلح قلوبنا وقلوبكم ويحفظنا وإياكم ويحفظ بلدكم وسائر بلاد المسلمين من كل سوء، وأن يفتح علينا وعليكم من بركات السماء والأرض وأن يحقن دماء المسلمين ويفرج كروبهم ويجمع كلمتهم على ما يرضي اللـه ورسوله.

{والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.

والسلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى