فضاء الرأي

عن إساءة الوزير .. و الترقية بدل المحاسبة ! / أحمد ولد السالم

يحدث أن وزيرا قد  جاوز كثيرا  سن المراهقة  العمرية والسياسية – يختار  – عن وعْي – وهو في كامل زيِّه الرسمي و داخل مرفق حكومي  وأمام عدسات وسائل الإعلام ، يختار عبارات سوقية مبتذلة  مجَّتها  ألسنة العجائز وملَّ الأطفال سماعها … بداعي توصيل فكرة بسيطة لا يحتاج توصيلها الاقتباس من قاموس مليء بالكراهية والمقولات الشعبية المسيئة لمكون مهم من مكونات  مجتمعنا ، ثم وبدلا من إقالته من الوزارة وتوقيفه تمهيدا لمساءلته ، يتوج صبيحة اليوم التالي  برئاسة الحزب الحاكم ،  مع احتفاظه بحقيبته الوزارية ! .يحدث ذلك و المسيرة المليونية المتوعد لكل من يهمس تلميحا أو تصريحا  بعبارات قد تشم منها رائحة الكراهية ، لم ينقشع  بعد غبارها  ، ولا يزال صداها يتردد في كل اتجاه                                                                                   

 

في الدول التي تحترم نفسها وتحسب حسابا لأفعال مسؤوليها وردات الأفعال المترتبة على أخطائهم وخروجهم غير الموفق عن النص  يتم – عادة – تدارك الأخطاء  بسرعة ، عبر تصريح  لا حق يزيل اللبس و يصحح فهم المتلقي من خلال عبارات تبريرية أو توضيحية شائعة مفادها أن كلام المسؤول قد  أسيء فهمه أو اخرج عن سياقه العام ، وفي ذلك اعتذار ضمني محمود ،  وقد يرتفع سقف الاعتذار ليقدم  المسؤول المعني استقالته اعترافا  منه بالذنب وصونا لشرف المنصب السامي ، أو  يُقيله رئيس الجمهورية إذا لزم الأمر ، لكن أيا من ذلك لم يحدث هنا ، لأنه – وببساطة – ليس من أدبيات السياسة الموريتانية الشديدة الجنوح إلى المكابرة وإنكار الحقائق  .

 

لقد كان من مصلحة الرئيس الحالي ومرشحة للرئاسيات القادمة  اتخاذ موقف أكثر نضجا  و حكمة إزاء تصريح  الوزير وعدم التضحية بأصوات  عدد غير قليل من الناخبين في وقت  يجب أن يراهنا  فيه  على  كل الأصوات ، في ضوء ما يشاع من سعي المعارضة إلى التكتل خلف  مرشح مدني قوي و ذي مصداقية لا يزال البحث عنه جاريا .على الصعيد الشخصي شجعت و اشجع دائما التعاطي بروح رياضية مع مثل هذه العبارات التافهة ،  و ما تحيل إليه من معاني غير متسامحة ،  ولطالما طالبت بتثمينها بدلا من ذلك ،  لسحب البساط من تحت أقدام المقتاتين ماديا  أو معنويا  على اجترارها . ولذلك  فضلت باديء الأمر تجاهل ما سمي بإساءة الوزير و تناسيها تماما ، باعتبارها مجرد زلة لسان ، وشجعت  صرف النظر عنها  لتفاهتها من جهة ، و لحساسية الظروف التي تمر بها البلاد من جهة ثانية ، لكن قرار إسناد رئاسة الحزب لنفس الوزير صبيحة اليوم الموالي مع احتفاظه بمنصبه شكل صدمة للكثيرين و بدا  لي استفزازيا  وعديم الحكمة وخاليا تماما من أي ملمح من ملامح  العقلانية السياسية ، كون قرار الترقية اللاحق للإساءة  يبعث برسالة خاطئة في التوقيت الخطأ .والسؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا  ، في ضوء ما حدث من فعل وردة فعل رسمية أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها محابية حد التواطؤ  هو : ماذا بقي من هيبة ما سمي ب ” القانون المجرم للكراهية ” و قد أمعن عرّابه و حراسه في الدوس عليه وإفراغه  من محتواه ؟! .المؤكد أن هيبة ذلك القانون قد أصيبت في مقتل ، ولن يكون مقنعا بعد اليوم إلزام الناس باحترامه ، وستثبت الأيام القادمة صحة ذلك في ضوء ما يشاع أيضا من حفظ وكيل الجمهورية للشكوى المقدمة إليه  من طرف بعض  حقوقيين ضد الوزير و رئيس الحزب الحاكم ، و إذا ما صح ذلك الخبر ، فقد يشكل قرار وكيل الجمهورية  آخر  مسمار  يدق  في نعش ما يسمى بالقانون المجرم للكراهية .. وإن غدا  لناظره قريب .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى