مقالات و تحليلات

الخبير الاماراتي الدولي المستشار حبيب بولاد يكتب “للصدى” : دبي معجزة آل مكتوم (الحلقة 3)

المستشار : حبيب بولاد / خبير تحكيم دولي شاعر وكاتب إماراتي

ان الانتماء الاماراتي الاسلامي هو عماد المجتمع وأساس الفكر وغذاء الوجدان وهو الحصن الحصين للفكره والرؤية والموقف والهدف منه يتأسس البناء النفسي والاجتماعي للشخصيه .. وعليه تنبني خصوصيات التكوين الفكري والعاطفي للفرد أو المجموعه .. ان القوميه ليست شعارا يرفع وينظر اليها وانما هي روابط الدم والأصل والتاريخ والجغرافيه واللغة والتكوين النفسي والعادات والتقاليد والوجدان والمصير عندما تتحد وتتبلور في مجتمع أو شعب فتحوله الى مجموعه بشرية واحده ذات أصل وخصوصيات مشتركه .. وان القيم الاخلاقيه والانسانيه والثقافيه كانت دائما رصيدها الحقيقي في مواجهة المصاعب والمتاعب وان هذه القيم تتجسد في ثوابت القبيله والعشيرة والأسره .. وفي عبقرية الموروث وثراء التراث في سجايا الانسان و بمزايا الدين .
شهدت دبي في عام 1852 رحيل الشيخ مكتوم بن بطي بعد 19 عاما من الحكم كرس خلالها سلطة آل مكتوم على دبي وجعل من المشيخة الصغيره دانة الخليج .. وقلعة بني ياس الشامخه في ظل تنافسهم مع القواسم رغم أن الطرف الاول كان يهيمن على البر والطرف الثاني كان يهيمن على البحر الا أن انتساب آل مكتوم الى بني ياس لم يمنعهم من ممارسة الاستقلاليه والارتباطات بعلاقات مصلحيه مع جميع المحيطين بهم وهو ماجعلهم خارج أي تنافس أو تآمر على حياد اجباري أمام مسائل الهيمنه والسيطره .
وبوفاة الشيخ مكتوم بن بطي آلت مقاليد الحكم الى اخيه الشيخ سعيد بن بطي الذي سار على طريق سلفه متسلحا بالحكمة والشورى قبل أن يصاب بمرض خطير أودي بحياته سنة 1859 فتسلم مسؤلية الحكم حشر بن مكتوم الذي كان شابا يافعا وذا رؤية نافذه في ممارسة السلطه والحكم وتطوير الاقتصاد ونشر الأمن .. وكان الشيخ مكتوم بن بطي قد أسس لدبي موقعها اللآئق تحت راية آل مكتوم وسلطانهم .. فأن ابنه حشر الذي حكم لمدة 27 سنه عرف كيف يرسي تقاليد جديده لادارة شؤون الحكم ولتحييد الاماره .. وفي هذه الظروف ظهرت في دبي ثلاث مناطق رئيسيه هي ديره ,, وبردبي ,, والشندغه التي كانت بها منزل الحاكم وقصره وأما الأسواق فكانت تعج بالبضائع المستجلبه من بلاد فارس والهند وعمان واليمن والحبشه والصين ودول اخرى من بلدان العالم وكانت المنطقة التجاريه في ضاحية ديره وكانت تتكون من 350 الى 400 محل مما جعلتها الاولى على نطاق ساحل عمان .. وعلى الرغم من النهضة التي عرفتها دبي في عهد مكتوم بن بطي وسرعة التحول الذي شهدته الاماره في ظل الحاكم الشاب والموهوب فأن آل بوفلاسه ظلوا مرتبطين بأصولهم وجذورهم مع بني ياس وخاصة مع آل نهيان حيث أستمر التشاور والتعاون والتنسيق بينهما .. في حين حافظ القواسم على موقعهم كقوة مهمه وتحالف متين على طول ساحل عمان من الشارقه الى الفجيره مرورا برأس الخيمه .. أما في دبي بعدها قد عرفت مناطق الحمريه وجميرا توسعا واندماجا فيما بينهما وتطورا في عالم البحر والاهتمام بصيد اللؤلؤ الذي مثلت مواسمه حركة اقتصاديه ونقله حقيقيه في مداخيل أهل المدينه .. ولعل الظروف الطارئه التي أدت الى عدم استقرار سوق اللؤلؤ بسبب اقدام الحكومة الامبراطوريه الفارسيه آن ذاك على محاولة ابعاد القواسم عن مركز سيطرتهم على مرفأ لنجه بالساحل الايراني .. وتفاقم الصراع بين قادة الفرس حول لنجه التي كانت تحت الحكم القاسمي .. حينها قرر الشيخ حشر بتحرير السوق واستقطاب التجار والغاء الضرائب واتجاه لدبي لتصبح العاصمه للتجارة والمال في المنطقه ….. لقد مرت عقود صعبه على المنطقه وكان لابد من حكيم يستطيع بحكمته بناء الغد الأفضل ومحافظ ومتفتح وقوة ردع تصد أطماع الغزاة ونظام أمني داخلي ويوفر الطمأنينة للشعب ويعطيه فرصة لمواكبة العصر من العلم والثقافه والوعي والالتزام .. ولولا صلابة وصمود وارادة القبائل الاماراتيه ودهاء وحكمة حكامها وتضحياتهم لكانت مسحت منها راية الولاء ولكنهم لم يتركوا منفذا لأعدائهم لكي يتسللوا الى قلاعهم الرئيسيه وهو الوطن الذي كتبت عنه قصص ملتهبه في سطور التاريخ ..

وللحديث بقيه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى