مقالات و تحليلات

الصين وروسيا عودة الأحلاف الاستراتيجية / عوض بن سعيد باقوير

عوض بن سعيد باقوير – صحفي وكاتب سياسي – رئيس جمعية الصحفيين العمانيين سابقا

في خضم المتغيرات الإقليمية في المنطقة والعالم خاصة اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية والتوتر في بحر الصين الجنوبي هناك شعور واضح بأن المواجهة الأطلسية مع روسيا الاتحادية في أوكرانيا ليست بهدف الانتصار لكييف وانسحاب القوات الروسية من المناطق الشرقية في أوكرانيا بقدر ما شعرت روسيا الاتحادية بأنها مهددة أمنيا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو.

 

ومن هنا فإن التحرك الروسي نحو إيجاد تحالفات حقيقية ومع قوة كبرى صاعدة كالصين هو أمر حتمي وواقعي وهناك نموذج واضح من الخبرة التاريخية خلال الحربين العالمية الأولى والثانية من خلال دول المحور والمحور الآخر الغربي ومعه الاتحاد السوفييتي السابق.

 

وعلى ضوء ذلك شهد العالم تقاربا استراتيجيا في الآونة الأخيرة بين الصين ثاني اقتصاد العالم والقوة العسكرية الصاعدة وبين روسيا الاتحادية من خلال التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي والتمارين العسكرية، وهذا يعطي مؤشرًا كبيرًا بأن موسكو وبكين أدركتا أن المواجهة الاستراتيجية في الحرب الروسية-الأوكرانية والمواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها كاليابان وكوريا الجنوبية وحتى الفلبين في بحر الصين الجنوبي هي مواجهة تتعدى تلك المواجهات إلى مواجهة تدخل في إطار أضعاف الصين التي تهدد الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا وتصبح الاقتصاد الأول عالميا خلال عقود قليلة وأيضا شعرت روسيا الاتحادية بأنها مهددة أمنيا من خلال إدخال أوكرانيا وهي جارة لروسيا الاتحادية في حلف الناتو علاوة على إدخال السويد وفنلندا، ومن هنا فإن المشهد السياسي يتحدث عن ضرورة استراتيجية.

 

إن التعاون الاستراتيجي بين موسكو وبكين هي مسألة واقعية من خلال ما يواجه البلدان من تحديات حقيقية تدخل في إطار الأمن القومي وفي إطار وقف جماح انطلاق الصين وحتى روسيا الاتحادية.

 

العالم يتجه إلى صراع معقّد من خلال المتغيرات التي نرى مشاهدها سواء في الحرب الروسية-الأوكرانية أو المواجهة في بحر الصين الجنوبي أو من خلال الآلة الإعلامية بين الأطراف، ولعل موضوع تايوان على درجة كبيرة من الحساسية بالنسبة للصين على اعتبار أن هذا الإقليم هو جزء أصيل من الدولة الصينية وحتى الموقف الرسمي الأمريكي يتحدث عن الصين الواحدة ولكن في ظل المواجهة الاستراتيجية مع الصين يتم استخدام موضوع تايوان كنوع من الضغط المباشر علي طموحات الصين من خلال انطلاق اقتصادها وتوسع قوتها الناعمة في آسيا وإفريقيا وحتى في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية.

 

ولعل القمم الخليجية والعربية مع الصين في السعودية تعطي مؤشرات واضحة على أن الصين أصبحت شريكا لعدد من القوى الدولية والإقليمية، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد هي المهيمن الأوحد على الشراكات التجارية والاقتصادية في العالم، وهذا الأمر ينطبق على روسيا الاتحادية حيث شهدت موسكو خلال العقدين الأخيرين اندفاعًا اقتصاديًا واضحًا من خلال سوق الطاقة وتوسع الشركاء.

 

ومن هنا فإن الحرب الروسية-الأوكرانية جاءت بمثابة وقف الاندفاع الروسي في مجال الاقتصاد والطاقة واستعادة هيبة الدولة الروسية بعد عقدين من تفكك الاتحاد السوفييتي السابق.

 

ومن هنا فإن الهدف الأساسي للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية هو بالفعل إدامة الحرب في أوكرانيا بهدف استنزاف الاقتصاد الروسي بالدرجة الأولى علاوة على إضعاف روسيا الاتحادية استراتيجيا رغم أن الجميع متفق على عدم مشروعية الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة المسلحة.

 

إن التعاون الاستراتيجي الروسي-الصيني له ما يبرره في ظل المشهد السياسي الحالي حيث إن ذلك التحالف يوجه رسالة صريحة للغرب بأن موسكو وبكين لن تسمحا بتحقيق أهداف الغرب والناتو.

 

ومن هنا فإن الحرب الخفية مشتعلة على صعيد المعلومات الاستخبارية وحتى على صعيد فيروس كورونا في الصين إلى الواجهة، وهذا سوف يجعل من التطورات العسكرية والاستراتيجية والاقتصادية في غاية الخطورة في ظل متغيرات الحرب الروسية-الأوكرانية ودخولها مرحلة خطيرة من خلال استهداف البنى الأساسية وتدفق المزيد من الأسلحة الحديثة الغربية والأمريكية تحديدًا إلى القوات الأوكرانية، وهذا ما يجعل الصراع العسكري يدخل مرحلة صعبة ومعقّدة تفرض وجود ذلك التحالف الاستراتيجي بين الصين وروسيا الاتحادية وربما تكون هناك أطراف أخرى تشعر بأهمية التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي وحتى العسكري مع بكين والصين وتحديدًا إيران التي تواجه تحديات حقيقية سواء مع الكيان الإسرائيلي أو حتى مع الولايات المتحدة الأمريكية مع جمود موضوع الملف النووي الإيراني، وكل هذه التطورات سوف تجعل من المشهد الدولي أكثر توترا في ظل تلك المواجهات المباشرة وغير المباشرة فالولايات المتحدة الأمريكية والغرب أصبحا شريكين حقيقيين في الحرب ضد روسيا الاتحادية. كما أن التطورات والتوتر في بحر الصين الجنوبي قد تشهد مواجهة محتملة خاصة أن كوريا الشمالية تواصل إطلاق الصواريخ الباليستية على مناطق جغرافية قريبة من الدول الحليفة لواشنطن كاليابان وكوريا الجنوبية والفلبين ويتفق معظم خبراء الاستراتيجية الدولية بأن المواجهة الاستراتيجية فيما تبقى من القرن الحالي سوف تكون في بحر الصين الجنوبي وشواطئ المحيط الهادي حيث المنافسة الشرسة بين عملاق آسيا الصين والولايات المتحدة الأمريكية والتي تواجه خطر تآكل الإمبراطورية الأمريكية، كما حدث بالنسبة للامبراطورية البريطانية، التي تفككت وانزوت بعد قرون من الهيمنة على مناطق جغرافية كبيرة من العالم.

 

وعلى ضوء ذلك فإن التحالفات التي سادت قبل وبعد الحربين العالمية الأولى والثانية أصبحت تطل برأسها من جديد وهو التطور الذي نشهده حاليا.

___________

المصدر : الكاتب + صحيفة عمان الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى