الأخبارمقالات و تحليلات

سؤال الدولة (ح-4)  /السيد محمد حماه الله

السيد محمد حماه الله

استعرضنا في الحلقات الماضية المقدمات النظرية والقبليات الفكرية التى تبنى وتتأسس عليها تصورات الدولة في الإطار الوضعي القائم على التجربة والمشاهدة دون أي اعتبار للمفارق والغيبي.

لنتحول ونخطو خطوة في طريق تأسيس الدولة نظريا في سياحة ومثاقفة فكرية عن مفهوم الدولة في الإسلام .

مفهوم الدولة في الإسلام عام وشامل ويختلف عنه في التجربة الغربية الحديثة ففي الغرب تطورت نظرية الموقع والمواطنة والطبقية أو حتى القومية والأممية الشعبية بشكل مختلف عن التجربة الإسلامية ويبرز هذا الإختلاف في عمق بنية الدولة نفسها وليس ضرورتها كمنظومة أو أداة ضرورية للإجتماع الإنساني فالدولة حاجة كل المجتمعات وكل التواجدات الإنسانية بغض النظر عن الإختلاف في طبيعة تركيبها وأساليب عملها والفلسفة القائمة عليها .

وإذا أردنا أن نؤسس للدولة معرفيا في سياقنا العربي الإسلامي نجد أن الدولة من الثلاثي دال بمعنى تحرك وإنتقل والدولة مجردة تحمل على اليد القاهرة والغلبة ومنها يقال : كانت لنا الدولة عليهم والدولة بالضم تختص بالمال قال تعالى :(لكي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) ،والدولة بالفتح أو الضم تعني العقبة سوى في المال أو الحرب .

والدولة ككيان وظيفي يقوم على حاجيات المجتمع وينظم واجبات أفراده أمر تقتضيه طبيعة الإجتماع الإنساني كما أسلفنا وكما أرست التأسيسات الإسلامية ضرورة بناء الدولة على الأسس العامة التي يشترك فيها ويحترمها الجميع إحتكاما للعقل والبدهي من أشكال التفكير بل إننا نجد منظري الإسلام من قدامى ومحدثين انطلقوا من أن قيام الدولة واجب عقلي وضرورة مصلحية قبل الإستدلال النصي على وجوب إقامتها شرعا بإعتبار أن الواجب عقلا واجب شرعا وأن الضرورة الإجتماعية ضرورة شرعية وأن العرف في ذاته شرع ألم يخالف الشرع وفوق ذلك مبدأ الإسلام الأثير في تكريم الإنسان وأساس التكليف هو العقل .

وقد أفرط بعض أصوليينا في تحييزهم للعقل بأن جعلوه حجة الله حتى قبل ورود النص في صياغة مبدأهم الحاكم :

 

العقل قبل ورود السمع

 

من هنا تكمن ضرورة الإلزام الإجتماعي في شأن الدولة كلازم مجتمعي ويمكننا إستنطاق خطى هذا التوجه القديم قدم الإنسانية في أرقى تمثلات الفكر القديم “الذي وصل إلينا” من فلاسفة اليونان فها نحن نجد المعلم سقراط يقول 🙁 تنبثق الدولة من حاجات الجنس البشري ) وأيضا يؤكد سقراط في مقولة أخرى أن:( الخالق الحقيقي للدولة هو الضرورة)

وأيضا نجد العلامة عبد الرحمن بن خلدون نص على أن 🙁 الملك طبيعي للإنسان)

وأيضا يعد ابن خلدون أن من خصائص الإنسان :(الحاجة إلى الحكم والسلطان القاهر من بين الحيوانات كلها ..)

وأيضا يرجع إبن خلدون وجوب إقامة الدولة إلى العقل :(وقد ذهب بعض الناس إلى أن مدرك وجوبه “الحكم” العقل وأن الإجماع الذي وقع إنما هو قضاء بحكم العقل به ) .

والدولة ككيان وظيفي وكمميز هوياتي يرجع مبرر وجودها إلى مسألتين جوهريتين :

1/ العلاقة بين الناس(الفرد والجماعة) (فصل الخصومات)

2/بناء النظام الذي يحفظ المجتمع في قيمه ومثله العليا (صون الهوية ومتعلقاتها)

هناك مشترك رئيس وضابط أساسي بين هذين الدعامتين في بناء الدولة وهو أن كلاهما نتاج حالة وضعية مصلحية (أرضية) وانهما يقيمان إمرة أو سلطة تسوس الجميع بما يصلحهم توافقا بينهم واختيار على تعاقد محدد دون إستئثار بحق أو ادعاء وصاية إلهية كما روي عن الإمام كرم الله وجهه في رده على الخوارج حين صاحو (لا حكم إلا لله) قال رضي الله عنه 🙁 كلمة حق أريد بها باطل

نعم أنه لا حكم إلا لله ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة وأنه لاَبُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِير بَرّ أَوْ فَاجِر، يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ، وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ، وَيُبَلِّغُ اللهُ فِيهَا الاْجَلَ، وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيءُ، وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ، وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ، وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ، حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِر.

المصدر :  #الصدى_الورقية الصادرة اليوم الإثنين 20جمادى الأولى 1447هـ الموافق 10/11/2025م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى