الأخبارتحقيقاتعربي و دولي

حمص.. قلب سوريا النابض بالحضارة / بقلم : الاعلامية السورية ليلى ظروف

الاعلامية السورية / ليلى ظروف

تقع محافظة حمص في قلب سوريا، كوشم يضيء خريطة التاريخ والجغرافيا، فهي مدينة تتقاطع فيها طرق الزمن وتتلاقى فيها الحضارات. أرضها شاسعة وخصبة، تبعث الحياة في سهولها ووديانها، وبُنيانها التاريخي يحكي حكايات آلاف السنين. في كل حجر وزقاق من أزقتها القديمة ينبض عبق التاريخ، وفي كل شارع من شوارعها صدى قصص الأجداد وأمجاد الماضي. حمص ليست مجرد مدينة، بل هي مرآة للزمن، تحمل بين طياتها ذاكرة الحضارات التي تعاقبت عليها.

العصور القديمة: إيميسا، مدينة الشمس

كانت حمص تُعرف قديماً باسم إيميسا، وهي واحدة من أقدم مدن سوريا وأهمها في العصور الهلنستية والرومانية. منذ آلاف السنين، كانت مركزًا دينيًا بارزًا، حيث أقيم فيها معبد لعبادة إله الشمس «هليوس-بعل»، وكان زائرها يشعر بروحانية المكان وعظمة العمارة القديمة.

على مر القرون، شهدت إيميسا صعود أمراء كهنة أصبح بعضهم أباطرة في الإمبراطورية الرومانية، مثل إلاجابالوس وسيفيروس ألكساندر. كانت المدينة أيضًا مسرحًا لمعارك وحروب تركت بصماتها على تاريخ المنطقة، وجعلتها مركزًا سياسيًا واستراتيجيًا لا يُستهان به.
الفتح الإسلامي: ولادة حمص العربية
في عام 636 ميلادي، دخل المسلمون المدينة، وتحوّلت تدريجيًا من إيميسا إلى حمص العربية. أصبحت مركزًا إداريًا ضمن جند حمص، واستقر فيها عدد من الصحابة، ما أكسب المدينة قيمة دينية وروحية. في هذه المرحلة، بدأت حمص تكتسب طابعها الإسلامي، ونمت فيها الحياة الثقافية والاجتماعية، وظهرت الأسواق والبيوت التقليدية التي تحكي قصص سكانها عبر العصور.


العصور الوسطى والعثمانية: المحافظة المزدهرة

مع مرور الزمن، حافظت حمص على مكانتها كمركز زراعي وتجاري مهم. في عام 1516 دخلتها الدولة العثمانية، واستمرت تحت حكمها حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. خلال العهد العثماني، توسعت المحافظة لتضم العديد من الأقضية والقرى، واحتفظت بتنوعها الجغرافي والاجتماعي، من سهول خصبة وأراضٍ صحراوية إلى مدن تاريخية نابضة بالحياة.


العصر الحديث: المحافظة والهوية

بعد استقلال سوريا، أصبحت حمص محافظة ذات أهمية استراتيجية وزراعية، تنتج محاصيل مثل القمح، الذرة، القطن، والفواكه. كما ظلت حلقة وصل بين الساحل السوري والداخل. ورغم الأحداث والتحديات التي مرت بها، حافظت حمص على هويتها الثقافية والتاريخية، محافظة على آثارها وأسواقها ومعالمها الدينية الشهيرة.


سبب التسمية: حمص، اسم يحمل عبق التاريخ

اسم «حمص» يحمل في طياته إرثًا عميقًا. تطور من اسم المدينة القديم إيميسا، المرتبط بالقبائل العربية المستقرة في المنطقة، وتحول تدريجيًا إلى الاسم العربي الحالي. بعض المصادر تشير إلى جذوره الآرامية بمعنى «حصن» أو «قلعة»، في إشارة إلى مركزية المدينة وأهميتها التاريخية.
روايات أخرى شعبية تربطه باسم مؤسس أو شخصية قديمة، لكنه في كل الأحوال يبقى اسمًا يحمل عبق التاريخ وامتداد الحضارات التي مرت على هذه الأرض، شاهداً على عراقة مدينة كانت دائمًا قلب سوريا النابض بالحياة.

خاتمة

محافظة حمص ليست مجرد موقع جغرافي، بل هي ملحمة تاريخية تتنقل بين العصور، شاهدة على حضارات متعاقبة من الرومان إلى العثمانيين، مرورًا بالفتح الإسلامي وصولًا إلى العصر الحديث. عبر سهولها ووديانها وأسواقها القديمة، يمكن للزائر أن يشعر بروح التاريخ، وأن يرى كيف تجمع هذه المدينة بين الماضي والحاضر، محافظة على هويتها وأصالتها، ومستمرة في أن تكون قلب سوريا النابض بالحضارة.

 

المصدر : الكاتبة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى