الأخبارمقالات و تحليلات

تسريبات الحوار الوطني: بين سقف الممكن و وهج المتمنّى / السالك ولد أباه

السالك ولد اباه

1. في ظل التحضيرات الجارية للحوار الوطني المرتقب، تتداول الأوساط السياسية والإعلامية مقترحات متباينة صدرت عن بعض الأطراف فى نشرة طويلة بالفرنسية تناولت قضايا حساسة مثل إعادة تعريف الهوية الوطنية، والفصل بين الدين والدولة، فى دعوة صريحة للعلمانية وترسيم اللهجات، وسياسة الهجرة، ومراجعة قانون الرموز.

2. يأتي هذا الزخم في سياق انفتاح سياسي مسؤول يُحسب للنظام القائم، الذي اختار طريق التهدئة والتشاور وبناء الثقة، من خلال إشراك مختلف الطيف السياسي في حوار جامع. غير أن اتساع أفق النقاش لا يعني أن كل ما يُطرح قابل للتحقق، أو منسجم مع الثوابت الدستورية والهوية الوطنية الراسخة.
3. فمقترح “تعدد الهويات”، رغم إقراره بالتنوع العرقي والثقافي المحدود الذي تزخر به الارصفة، قد يحمل في صياغته ما يُفهم على أنه تقويض للهوية العربية الجامعة. المطلوب اليوم هو هوية تحتضن التعدد دون أن تتحول إلى فسيفساء متنافرة أو محاصصة ثقافية تقسم المواطنين إلى كيانات رمزية.
4. أما الدعوة إلى نظام علماني، فهي تثير إشكالات عميقة في السياق الموريتاني، حيث يشكل الإسلام مرجعية مجتمعية ودستورية لا جدال حولها. فموريتانيا كما هو معروف بلد مسلم الهوية، معتدل في ممارساته، ومتسامح في تقاليده، ولا يبدو أن القطيعة مع هذه الخلفية تمثل مطلبًا شعبيًا أو ضرورة سياسية.
5.  فيما يتعلق بمسألة ترسيم اللهجات الوطنية وكتابتها باللاتينية، فهي، وإن بدت مطلبًا ثقافيًا لبعض الأطراف، مع مافيها من الشطط فى تلبية احلام الاقليات الاثنية والنشاز فى المحيط الزنجي تطرح إشكاليات تتعلق بوحدة اللغة الرسمية للدولة ومكانة العربية كلغة دستورية. الاعتراف باللهجات الوطنية قد يكون ضرورة، لكن يجب أن يتم في إطار يعزز الانسجام لا أن يكرّس التباعد الرمزي والثقافي.
6. كما أن مقترح منح الإقامة الدائمة للمهاجرين من دول الجوار ومعاملتهم معاملة المواطنين ، رغم خلفيته الإنسانية، يستوجب معالجة دقيقة تراعي البعد الأمني والديمغرافي، وتحفظ التوازنات الداخلية. الهجرة ظاهرة تحتاج إلى تنظيم لا إلى انفتاح غير مشروط. خاصة وان لديها اغراضا تستهدف تغيير البنية الديموغرافية للسكان
7. أما قانون الرموز، فرغم ما قد يُثار حوله من تحفظات تتعلق بحرية التعبير، إلا أنه يمثل وسيلة لحماية
مؤسسات الدولة من الإساءة والانفلات. والنقاش حوله ينبغي أن يكون تطويريًا لا تفكيكيًا، يحافظ على روح القانون مع ضمان الحقوق.
8. من هذا المنطلق، فإن الحوار الوطني المرتقب يجب أن يظل إطارًا جامعًا لا صداميًا، يوازن بين الطموحات والإمكانات، وبين التطلعات المشروعة والثوابت الدستورية. وليس من الحكمة أن يتحول إلى منصة لفرض رؤى أيديولوجية لا تنسجم مع تاريخ الدولة، ولا تعبّر عن المزاج العام للمجتمع.العربي المسلم
9.  ومن المؤكد أن فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، بما عُرف عنه من رصانة واتزان، وبما أظهره من تمسك بالعروبة والإسلام، يشكل الضامن الحقيقي لهذا التوازن. وقد أثبت في مناسبات عديدة حرصه على احترام الثوابت، وصيانة السلم الأهلي، وتعزيز النموذج الديمقراطي الموريتاني بعيدًا عن التوترات والانحرافات.
10. وكما يقول المثل العربي: “ما كل ما يتمناه المرء يدركه”، فبعض الرؤى، مهما كان زخمها الإعلامي، تبقى رهينة الواقع والدستور والإجماع الوطني. فالحوار، في حقيقته، ليس تمرينًا على المغامرة، بل رهان على العقلانية والشراكة وحماية المشروع الوطني من المزايدات.
*خاتمة:*
إن نجاح هذا الحوار لن يُقاس بعدد المقترحات المطروحة، والأفكار اليسارية المنتهية الصلاحية بل بقدرته على جمع الفرقاء تحت سقف الوطن، وتقديم معالجات واقعية لا صدامية لقضايا شائكة. فالديمقراطية لا تُبنى على التنازل عن الثوابت، كما لا تستقيم دون الانفتاح والنقاش. والتحدي الأكبر ليس في التمنّي، بل في بناء الممكن وصونه، في إطار دولة عادلة جامعة وراسخة الهوية.
نقلا عن : صفحة الكاتب على الفايسبوك  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى