عن أي “مغامر” و”مغامرات” يتحدث بن جاسم …؟؟ / محمد عبد الرحمن المجتبى

طالعتنا وسائل الإعلام مؤخرا بخرجة إعلامية جديدة، لرئيس الوزراء القطري السابق ، حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، ضمنها العديد من الرسائل المشفرة ، موجهة لأكثر من جهة إقليمية ودولية ، وإن كانت بالدرجة الاولى موجهة للمملكة العربية السعودية ، وبصفة خاصة لولي عهدها الأمير الشاب محمد بن سلمان ، واصفا إياه بالمغامر ، مستبطنا بين السطور ما لا يليق به كرجل دولة..، من محاولة التشويه لشخصية شاب سطع نجمه فجأة في فضاءات الاعلام، وبهر بحنكته السياسية دهاقنة السياسة وساستها ، وحذاق الاقتصاد وخبراءه، ولعل هذا الحضور “المباغت”للشاب محمد بن سلمان هو ما خيب آمال عراب الصفقات السياسة الغامضة و”المبادرات” المريبة التي سخرت لها موارد دولة قطر وهي في طفرة عطائها من النفط والغاز خلال العقدين المنصرمين.
نعم خاب أمل بن جاسم عندما أيقن أن الشاب “المغامر” محمد بن سلمان يقف بحزم وعزم والده الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين ، في وجه المغامرات القطرية في المنطقة ، ولعل بن جاسم أيقن أنه لا مستقبل لطموحات حالمة، تم تدشينها بشراء الذمم ، وتمزيق الدول والشعوب ، وهذا ما جعله يعبر بصريح العبارة عن “خيبة أمله في الشباب الذين استلموا زمام الأمور في المنطقة قائلا: “كنا نعول دائما أن يقود الشباب الدول العربية أو على الأقل (أن يكون سن القادة أقل مما هو عليه)”.
ولأن المنطقة حسب بن جاسم شهدت مغامرات كثيرة فإنه كان يتطلع لأن “يقودها شباب مثابر لا مغامر” ، لكن “كبير عقلاء السياسة” في المنطقة نسى أو تناسى أن يخبرنا أو يذكرنا ببعض المغامرات الكثيرة التي شهدتها المنطقة واكتوت بها شعوبها باعتراف بن جاسم نفسه..!!!
هل من بين تلك المغامرات العلاقات الغامضة والمريبة والمربكة مع الكيان الصهيوني خلال العقدين الماضيين ؟ والزيارات السرية الفاضحة لتل أبيب في ظرف زمني تمارس فيه اسرائيل عربدتها المرعبة في الدم والحق الفلسطيني .؟
وهل من بين تلك المغامرات التطبيع الاعلامي مع الكيان الصهيوني من خلال تسخير قناة الجزيرة للصهاينة واستضافتها الدائمة لقتلة اسرائيل وهم يتبجحون بتدمير وتقتيل الشعب الفلسطيني الاعزل؟
وهل من بين تلك المغامرات ما شهدته عديد الدول العربية من تدخل سافر في شؤونها المحلية و انشاء وتمويل طابور خامس في هذه الدولة وتلك؟ ، والشواهد كثيرة في هذا الاطار ، وتأتينا من مختلف العواصم العربية ، خاصة من بيروت ومقديشيو والخرطوم و دمشق وبغداد وطرابلس وتونس وحتى نواكشوط لولا عناية الرحمن ؟.
وهل من بين تلك المغامرات إنشاء و شراء وتبني مؤسسات إعلامية في هذا البلد وذاك للترويج لسياسات خطيرة ضارة بأمن البلد واستقراره ؟
وهل من بين تلك المغامرات التي يتحدث عنها بن جاسم مغامرة تدمير العراق رأد الضحى؟ ، والتحضير لمشاريع “الفوضى الخلاقة” التي أطلق عليها زورا وبهتانا “ثورات الربيع العربي” ؟، ذلك الربيع المريع الذي أحال دولا عربية للفشل الكامل ، وأصاب أخرى بعاهات تنموية وسياسية و اقتصادية ، تحتاج لوقت طويل كي تتعافى منها ومن مخلفاتها ؟
وهل من بين تلك المغامرات دعم وتكوين الحركات والتنظيمات الارهابية بمختلف تنظيماتها وتشكلاتها(القاعدة ، طالبان ، النصرة ، داعش الخ…) من العراق حتى الصحراء الكبرى ؟ ، ولعل التجليات اليومية للمشهد الليبي الدامي تشي بخطورة تلك المغامرات التي حولت دولة مثل ليبيا لوضع كارثي كالذي يعيشه الشعبي الليبي اليوم ؟.
الواقع أنها مغامرات عصية على الحصر لكونها كانت هدفا وغاية لسياسات تسخر لها ميزانيات هائلة لتنفيذها وتمريرها ، وبالتالي لا شك أنها خيبة أمل صادمة ومؤلمة أن يرى بن جاسم ما شيده على مدى عقدين من “أبراج”الاماني يتهاوى بين عينيه بمجرد أن شابا “مغامرا” دخل على الخط و وضع حدا للعبث التدميري بالمنقطة وشعوبها.
تحضرني في هذا المقام جلسة نقاش جمعتني قبل خمسة عشر سنة مع شخصية إعلامية قطرية مرموقة ، خصصت للسياسة القطرية الخارجية وبالدرجة الأولى لقناة الجزيرة ، كنت حينها تحت التأثير المهني لقناة الجزيرة ، وتفاجئت بالرجل الرزين يقول لي “هذه لكم ليست لنا” ، قلت له لم أفهم قصدك ، قال لي الجزيرة والمبادرات القطرية للتدخل في خلافات الدول وأزمات الشعوب كلها “مبادرات طائشة غير محسوبة للاستهلاك الخارجي لا الداخلي ، الشعب القطري يعرف الحقيقة و لا تخدعه الفرقعات الاعلامية لحمد بن جاسم” ، كان كلام الرجل مفاجئا بالنسبة لي ، وبعد أسابيع علمت أن صاحبي شملته “المغامرات”…فبدأت أتفهم بدون أن أفهم.
وما يربكنا حقا أن بن جاسم إعترف بأن المنطقة شهدت الكثير من المغامرات ، وما ذكرناه يبقى غيضا من فيض، ودمعة من بحر دموع خاضت المنطقة لججه خلال العقدين المنصرمين برعاية قطرية بامتياز وبتخطيط و إشراف ميداني من بن جاسم نفسه ، و لكن “المغامر” محمد بن سلمان لم يدخل حلبة المشهد السياسي في بلاده حينها ، وبالتالي لا معنى لأن نصفه بهذه الصفة وقد سبقه لها وبها “عكاشة”
نعم كان محمد بن سلمان مغامرا حين قرر تحرير الطاقات في وطنه المملكة العربية السعودية ، ذات الموارد الروحية والبشرية والاقتصادية، الفريدة من نوعها على مستوى العالم.
وكان مغامرا حين رمى حجرا في بركة الاقتصاد السعودي الراكدة ليقفز به لفضاءات كبرى في ظرف زمني قياسي.
وكان محمد بن سلمان مغامرا حين أعلن بقوة أنه “لا يوجد سعودي فوق القانون كائنا من كان ، فالكل خاضع للمحاسبة والمسائلة”، وتلك لعمري من أنصع مظاهر العدالة في الأرض عندما يتساوى الناس ، ولا تستقوى الدولة على الضعيف وتترك القوي بماله وجاهه.
وكان محمد بن سلمان مغامرا عندما أطلق رؤية السعودية 2030 التي أبهرت رواد و صناع الاقتصاد حول العالم.
وكان محمد بن سلمان مغامرا ، حين نفذ توجيهات سلمان الحزم والعزم بتوجيه جيش المملكة للذود عن حمى ذوي القربى في اليمن الشقيق، عندما تعرض “لمغامرة” تحمل بصمة أكثر من جهة في المنطقة.
وكان محمد بن سلمان مغامرا حين وجه العدالة السعودية للتحقيق وتطبيق العدالة في ملف المرحوم جمال خاجقشي بكل جرأة وشفافية ، حتى وإن تعلق الأمر بأقرب مقربيه كما يحلوا “لقناة الجزيرة الجاسمية” أن تكرر في كل دقيقة وربما ثانية.
وكان محمد بن سلمان مغامرا – وهذا بيت القصيد- عندما مارس سياسة الحزم والعزم مع قطر حتى تعود لرشدها ، وترحم شعبها الذي عزلته “المغامرات الطائشة” عن ذويه ومحبيه من الاشقاء وذوي القربى في دول الجوار الخليجية.
فعن أي مغامر ومغامرات إذن يتحدث “فيلسوف” السياسة والمال وأشياء أخرى( …) حمد بن جاسم بن جبرآل ثاني ؟
هل عن “مغامر” يصنع الأمل لشعبه وأمته ويبشر بغد أفضل ؟
أم عن مغامرات “الشوارع” والليالي الحمراء ،التي سخر لها بن جاسم موارد ومقدرات شعب عربي مسلم مسالم، هو الشعب القطري الأصيل ؟