هل أصبح المغرب العربي حلما واقعيا ؟ / كتب رئيس التحرير : محمد عبد الرحمن المجتبى

افتتاحية : #الصدى_الورقية الصادرة اليوم الإثنين 20جمادى الأولى 1447هـ الموافق 10/11/2025م
المغرب العربي الكبير ذلك التوجه الرسمي والحلم الشعبي لسكان الفضاء المغاربي بمختلف توجهاتهم الفكرية والثقافية
فمن منا لم يدغدغ ذلك الحلم الجميل مشاعره الجياشية ، ومن منا نحن في موريتانيا لم يتمايل طربا على رائعة شاعرنا الكبير أحمدو ولد عبد القادر وهو ينشد رائعته الخالدة :
وادي الأحبة هلا كنت مرعانا إن الحبيب حبيب حيث ما كانا
صحيح أن جهودا كبيرة بذلت سابقا في انشاء مؤسسات الاتحاد المغاربي وصحيح أن عواصمنا المغاربية استضافت قمما وعشرات اللقاءات لتجسيد هذا الحلم على ارض الواقع ، ولا شك ان الترسانة القانونية قد تكون قطعت شوطا لا باس به في إطار إقامة هذا الكيان الاستراتيجي الهام لسكان هذه الدول لما له من مردود إيجابي على شتى المستويات ، وقد وقعت في هذا الاطار عشرات إن لم نقل مئات الاتفاقيات ، لكنها نفس الاتفقيات التي يصرخ شاعرنا ولد عبد القادر بعدم الرغبة فيها حين يقول :
ولا نريد اتفاقات مطرزة تعيش بالورق المنسي أدرانا
الواقع الذي لا غبار عليه وبعيدا عن كل لغة العواطف والمشاعر لم يكن حلم المغرب العربي حلما واقعيا ولا متوقعا ، بل كان حلما حالما لكي لا أقول ساذجا بالنظر للوضع السياسي في العواصم المغاربية
ولكي نباشر الوقائع بصراحة نرى من السذاجة أن نتوقع قيام مؤسسات المغرب العربي بدورها المحوري ، في ظل الأزمة السياسية المزمنة بين الدولتين الأكثر تأثيرا سياسيا واستراتيجيا وهما المغرب والجزائر ، وهي الأزمة التي تعود بالأساس للموقف من قضية الصحراء ، كما أن إنشغال القائد الراحل معمر القذافي بالتغني على “ليلاه ولياليه” الثورية كان من معوقات تجسيد ذلك الحلم المشروع
ولا شك أن القرار الأممي الأخير بخصوص هذا الملف الحساس والشائك جعل المنطقة في وضع سياسي وتاريخي جديد يجعل التفكير بل التحرك العاجل لنفض الغبار عن مشروع المغرب العربي حلما مشروعا و ومطلبا ملحا لتدارك ما خسرته شعوبنا على مدى نصف قرن من الموارد والفرص والمقدرات
و بغض النظر عن تجليات وتداعيات ذلك القرار الأممي المفصلي والذي يدعم حصول الشعب الصحراوي الشقيق على حكم ذاتي موسع وفق المباردة المغربية ، نعتقد أن هناك مؤشرات إيجابية تجعلنا نتفائل خيرا بأن تورق أحلامنا المغاربية وتثمر في المستقبل المنظور
، ومن ابرز تلك المؤشرات الموقف المغربي الذي جاء لحظات بعد التصويت الاممي عبر خطاب ملكي اختفت منه عبارات النصر ولغة الغالب والمغلوب لتظهر دعوة أخوية صادقة من جلالة الملك محمد السادس لأخيه فخامة الرئيس عبد الحميد تبون بفتح صفحة جديدة من الحوار الأخوي الجاد بين الجارتين
أما المؤشر الثاني – وإن كنا ومازلنا نتطلع أن يكون تجاوبا جزائريا أخويا مع “الدعوة المغربية” – فهو التعاطي الجزائري مع القرار الأممي خاصة اشادة المندوب الجزائري لدى الأمم المتحدة بالدور الأمريكي الإيجابي في التوصل لهذا القرار وذلك رغم التحفظ (المرحلي) على القرار
فاللغة الدبلوماسية الجزائرية الجديدة المستخدمة في هذا الحدث تؤشر على تعاط جزائري مثمر مع المستجد يشي بدعم مصلحة شعوب المنطقة ، و بتشجيع جزائري لكل ما يجمع ويوحد الكلمة المغاربية ويقوي لحمة شعوب ودول هذه المنطقة الحبلى بالموارد والخيرات
ما يجب أن يدركه صناع قرارنا المغاربي أن وقتا كثيرا تم هدره أخذ ضريبته الغالية والقاسية من تنميتنا و وتطورنا وحتى من استقرارنا ، فما تشهده بعض بلدان المغرب العربي اليوم من تخلف اقتصادي و وتعثر تنموي وتشرذم داخلي هو نتيجة حتمية لفشلنا في تقوية وتعزيز أجهزة المغرب العربي ، ولنا في مجلس التعاون الخليجي مثال حي ، فقد شهدت دول المجلس أزمة سياسية عاصفة دامت عدة سنوات ورغم خطورتها وحدتها وتشعبها لم تتأثر أجهزة مجلس التعاون خاصة اللجان الفنية والأمنية ، وهذا ما نحتاجه في دول المغرب العربي اليوم أكثر من أي وقت مضى
نعتقد أن النخب المغاربية مدعوة اليوم برفع الصوت عاليا للمطالبة بنفض الغبار عن الحلم المغاربي والمطالبة بدور فعال لكل القادة في تسريع وتيرة احياء هذا الحلم ، فبقيام المغرب العربي الكبير يمكننا ببساطة لا يتوقعها الكثيرون جمع الاشقاء في ليبيا على كلمة واحدة ولنا في تجربة “اصخيرات” خير مثال ، ويمكن لتونس الخضراء أن تستعيد نضارتها بجهود جزائرية مباركة تدعم التنمية والاقتصاد ، وسنفاجئ العالم بتكتل اقتصادي صلب عندما تتعانق الموارد الموريتانية والمغربية والجزائرية والليبية ، خاصة في مجال الطاقات المتجددة التي تعتبر هذه المنطقة وجهة عالمية لها ، كما أن التكامل المغاربي هو أنجع وصفة لمعالجة الهشاشة الاجتماعية وقضايا الشباب كالبطالة والهجرة وغيرها من مؤرقات ومعوقات التنمية في بلداننا المغاربية
ويمكننا وهذا بيبت القصيد أن نحمي وجودنا من المخاطر الأمنية المحدقة والتي من أخطرها تنامي نفوذ الحركات الإرهابية في المنطقة خاصة أنها اليوم قاب قوسين أو أدنى من شطب أحدى دول المنطقة من قائمة الدول المستقلة ذات السيادة ، وهذا الخطر الداهم يستدعي استشعارا جديا من كل البلدان المغاربية خاصة من الدولتين المتاخمتين الجزائر وموريتانيا،
وخلاصة القول أن المغرب العربي اليوم أصبح حلما واقعيا متوقعا ولا يمكننا أن نتصور تطورا وإزدهارا لهذه المنطقة بدون قيامه ، كما أنه الحصن الحصين لهذه الدول من خطر تغلغل الإرهاب وشبكات الجريمة المنظمة في المنطقة
المصدر : افتتاحية #الصدى_الورقية الصادرة اليوم الإثنين 20جمادى الأولى 1447هـ الموافق 10/11/2025م




